8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

إيران تمدّدت في العراق والاتفاقية مع واشنطن لن تنقذه والتشرذم المذهبي والعشائري يهدّده

لن تعيد الاتفاقية التي وافق البرلمان العراقي عليها بأغلبية صغيرة، السلام والاستقرار الى العراق. كما أن تحميل جورج بوش الرئيس الخارج من البيت الأبيض بعد أقل من خمسين يوماً، المخابرات المركزية مسؤولية فشل حربه ضد العراق لن يعفيه من المسؤولية. مستقبل العراق سيبقى معلقاً على جملة تطورات ومتغيرات كثيرة، محسوبة ومتوقعة، أو مفاجئة. أما مستقبل بوش فقد حُسم بعد فشله الاستثنائي بين كل الرؤساء الاثنين والأربعين الذين سبقوه، لكن مسألة مسؤوليته التاريخية في الحرب ضد العراق ستلاحقه في حياته وبعد وفاته لأنها مسؤولية تاريخية دمرت دولة أساسية في منطقة الشرق الأوسط، وألحقت خسائر ضخمة بالرصيد السياسي والمالي والأخلاقي للولايات المتحدة الأميركية.
توالد العنف الأسود
جورج بوش ووزير دفاعه السابق دونالد رامسفيلد كانا يعرفان أكثر من غيرهما، أن صدام حسين لم يكن يملك أسلحة دمار شامل، ومع ذلك صدّقا الكذبة التي أراداها، فكانت الحرب. هذه الحرب التي دمرت العراق من جهة، وأدخلت من جهة أخرى القاعدة والإرهاب بأبشع صورهما اليه، حيث بلغ عنف هذا الإرهاب المستورد درجة يتمنى العالم كله، أن يكون قد وصل الى السقف، وليس مجرد انحداره درجة نحو الأسفل، حيث لا قاع له، خصوصاً وأن التجارب والمواجهات أثبتت أن العنف الأسود للإرهاب يستولد دائماً كلما ازدادت حدّة المواجهات وتعمّقت الأحقاد، عنفاً أكثر اسوداداً.
الرئيس المنتخب باراك أوباما، يريد الانسحاب العسكري من العراق، لكن مهما كانت المبالغات التي ستُبنى على هذه الرغبة، فإنه بالتأكيد لا يريد أن تخرج الولايات المتحدة الأميركية من العراق. قلب منطقة الشرق الأوسط سيبقى لفترة طويلة جزءاً أساسياً من الذخيرة الأميركية، هذا القلب هدية ضخمة إن عرف أوباما أن يتعامل معها بدقة وهدوء وتحديداً بتنفيذ سياسة تساعده على النهوض. أما إذا فشل لأنه سيكابر رافضاً وقائع الجغرافيا والتاريخ، فإنه سيكون هدية مسمومة. العراق مثل حدّ السيف إن لم يقطع به قطعه.
ربما الآن يستطيع أوباما التفكير بهدوء أكثر حول ماذا يعني طعن قلب الشرق الأوسط، بهذه الحرب الفاشلة. الفراغ الذي حصل نتيجة لهذه الحرب الفاشلة هو أول وأكبر الخسائر التي وقعت استراتيجياً الى جانب الخسائر التي لا تقدّر على الصعيدين البشري والبنيوي. الفراغ الذي حصل، هذا الفراغ الذي عرفت إيران كيف تستثمره، وفشل العرب في معالجته وملئه. لا شك أن واشنطن متضررة مثل العرب، بالوجود الإيراني في العراق الذي تمدد من الجنوب وصولاً الى الحدود التركية في الشمال، ولو بنسب متفاوتة، وانعكاسات ذلك على التركيبة السياسية للنظام المستولد حالياً من قلب المعادلات القائمة والمتشكلة من تزاوج الاحتلال الأميركي وعرقنة المجتمع العراقي بكل مكوّناته الاجتماعية والسياسية والمذهبية والعرقية.
الاتفاقية التي تمّت الموافقة عليها في البرلمان، تنتظر إقرارها النهائي في تموز 2009 عبر الاستفتاء الشعبي. بدون مبالغة، فإن نهج الرئيس أوباما في التعامل مع العراق ومشاكله طوال الأشهر المقبلة، ستفتح المجال نحو تفاهمات جديدة مع السلطة القائمة حالياً في العراق. أن يوافق العراقيون على اتفاقية فيها كل شيء ما عدا إنجاز الشراكة المتكافئة، سيشكل هدية مهمة جداً لأوباما. بعد ذلك يستطيع أن يتعامل بالاتفاقية على أساس أنها تحوز الشرعية الشعبية، وهذا مهم جداً للبناء عليه بدون عقدة المحتل الذي فرض والحكومة التي استجابت.
غياب القوى البديلة
هذه الاتفاقية بجميع الأحوال لن تحقق الاستقرار في العراق، ولا هي تضمن عملية انتقالية آمنة، المشكلة أنه إذا كان صدام حسين قد ألغى نشوء وقيام قوى سياسية عراقية قادرة على إحداث ديناميكية حية داخل النظام أولاً وثانياً في إمكانية خلافته (هذه السياسة ليست صدامية فقط، فقد طبّقت ونجحت في مواقع عربية أخرى) فإن الاحتلال الأميركي يعمل على إضعاف تشكل قوى سياسية عراقية قادرة على إخراج العراق من هذا الواقع المر ضمن المستقبل المنظور على الأقل.
الأخطر في كل ما يحصل حالياً في العراق هذه الانقسامات العمودية والأفقية الحاصلة داخل مكونات المجتمع العراقي والمتجددة كل فترة وفترة. وقد وصل الأمر الى درجة أن الانقسامات تهدد الاستقرار أولاً، وتعرقل تنفيذ الانسحاب الأميركي من العراق عام 2011، خوفاً من الفتنة الكامنة حالياً، والتي يمكن أن يكون امتحان الدخول فيها أكثر دموية من مآسي العرقنة الدامية التي وقعت حتى الآن. كل ما يجري يمكن أن يضع العراق تحت سكين حروب أهلية وليس مجرد حرب أهلية واحدة. الانقسامات لم تعد محصورة بين الشيعة والسنة ولا بين الأكراد والآخرين. لقد تحولت الى انقسامات داخل كل طرف من هذه الأطراف.
* الانقسام داخل الكتلة السنية واضح جداً بين التوافق والحوار، وهي انقسامات تبدو حتى الآن واقعة تحت مظلة التوافق على الاتفاقية لتحسين كل طرف من الطرفين مواقعه داخل السلطة، هذا من دون الحديث عن الصحوات والبعثيين وغيرهما. الانقسامات هذه يبدو أنها تهدد مستقبلاً أي إمكانية للحوار من باب الوحدة إضافة الى إمكانية اللعب على تشكيلاتها وعلى أمل تعميق الشرخ القائم أصلاً.
الشيعة الذين ضبطوا حتى الآن انقساماتهم لتحصيل أكبر نسبة لهم من السلطة التي غيبوا عنها عقوداً، ازدادت خلافاتهم عمقاً، ذلك أن نوري المالكي يدعم حالياً مجالس الإسناد في الجنوب، وابراهيم الجعفري انشق عن حزب الدعوة وانشأ تيار الإصلاح العراقي، الى جانب ذلك المنافسة الدائمة بين حزب الدعوة وآل الحكيم وآل الصدر ودخول تيارات علمانية متحالفة أو متحاربة مثل أحمد الجلبي واياد العلاوي على خط محاولة العمل على تغيير موازين القوى ولو بقدر، من دون أن نتناسى عباءة المرجعية لآية الله السيستاني التي يلعب الكثيرون تحتها.
الأكراد الذين نجحوا بداية في اقتسام السلطة يعيشون حالياً تهديداً قديماً عاد وظهر الى السطح، وهو عودة العصبية العشائرية الخطيرة داخل المجتمع الكردي، مما يهدد الاستقرار والأمن الاقتصادي تحت أنظار العملاق التركي المعني مباشرة بهذه التطورات.
واضح جداً أن المرض العشائري والمذهبي اجتاح المجتمع العراقي تحت مسميات مختلفة. العشائر لا تصنع دولة، كلما تفتت الدولة قوي الانتماء العشائري والمذهبي، وهذا ليس خصوصية عراقية، وإنما داء أصاب مجتمعات عربية أخرى ومنها لبنان، ما لم تنشأ الدولة القادرة والعادلة والجامعة لا أمل للعراق بالخروج متعافياً، مثله في ذلك مثل لبنان.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00