أنهى باراك أوباما الرئيس الأميركي المنتخب، في وقت قياسي تشكيل فريق عمل غير عادي أوكل اليه وضع سياسة الأمن القومي. هنري كسينجر وزير الخارجية ومستشار الأمن القومي الاسبق، يتابع تقييمه لهذه الادارة الجديدة، فيقول ان أوباما تمتع بشجاعة بالغة وثقة كبيرة بالنفس، عندما اختار هيلاري كلينتون وزيرة للخارجية، علماً انها تمتلك قدرات على اثبات وجود رائع على طاولة المفاوضات، والجنرال جيمس جونز مستشار الأمن القومي الذي يمتلك خبرة واسعة وفريدة من نوعها، وروبرت غيتس وزير الدفاع القديم ـ الجديد الذي يتوافر لديه الاستمرارية علاوة على كونه رائداً في مجال التوجهات الابداعية الضرورية.
أرجحية الكلينتونيين
من المبكر جداً الدخول في تقدير مدى نجاح أو فشل أوباما ـ الرئيس في ادارة هذا الفريق لتنفيذ سياسته، الملحّ حالياً محاولة استقراء رؤى هذا الفريق في التعامل مع الملفات السياسية الخارجية الساخنة التي تعني أولاً الولايات المتحدة الأميركية. وتشاء الأوضاع كلها في العالم ان تجعل منطقة الشرق الأوسط في قلب الأحداث التي تعني هذه الادارة. ذلك انه لا يمكن فصل ما يحصل وسيحصل في أفغانستان عن تطور ملف العلاقات بين واشنطن وطهران، مثلما ان كل الملفات الساخنة والملحّة متداخلة ومتزاوجة الى درجة لا يمكن التعامل معها ملفاً منفصلاً عن أي ملف آخر، مما يعني أن تفكيك عقدة ملف سلباً أو ايجاباً تنعكس حكماً على باقي الملفات.
هذه البداية، مرتبطة أيضاً ببداية أميركية بحتة. ذلك أن أوباما الأقرب الى الكارترية (نسبة الى الرئيس جيمي كارتر الأسبق وضيف لبنان الحالي) اختار لدى تشكيل فريق عمله الانحياز الى الفريق الكلينتوني، نسبة الى الرئيس بيل كلينتون. ومع أن التنوع هو داخل البيت الواحد، إلا أن هذا الخلاف والاختلاف له أهمية كبرى لدى التعامل مع الشرق الأوسط.
الكارترية، التي أبرز وجوهها زيبغنيو بريجنسكي والتي يطلق عليها في واشنطن الواقعيون الجدد، راديكاليون في تعاملهم مع الشرق الأوسط، خصوصاً بكل ما يتعلق بالتعامل مع النزاع العربي ـ الاسرائيلي في المسارين السوري والفلسطيني. وهو يرى كما يقول بريجنسكي أن عدم انخراط الادارة الأميركية الجديدة بالسلام سيكبل ادارة أوباما كما كبّلت في السابق ادارة بوش وهو يرى أيضاً انه ليس هناك رادع للدخول في المسارين الفلسطيني والسوري في وقت واحد على ألا يطيح أحدهما بالآخر. بوضوح أكثر يريد هذا الفريق القيام بمبادرة سريعة واضحة تقوم على حل النزاع الفلسطيني ـ الاسرائيلي عمادها:
*القدس عاصمة مشتركة للدولتين الاسرائيلية والفلسطينية.
*انسحاب اسرائيل الى حدود العام 1967 واعادة النظر بالمستوطنات الكبيرة التي يصعب تفكيكها.
*اعطاء تعويضات للاجئين مقابل التنازل عن حق العودة.
*بناء دولة فلسطينية من دون جيش ويشارك حمايتها الحلف الأطلسي.
بعيداً عن مدى امكانية نجاح مثل هذه الخطة أو عدمها، المهم انه توجد لدى هذا الفريق مبادرة. أما بالنسبة للفريق الكلينتوني المعروف بالواقعيين التقليديين الذي اصبحت له الأرجحية، فلا يوجد لديه نقاط معلنة وواضحة. لكن من الطبيعي قراءة ما يراه هذا الفريق من خلال بعض الأسماء الأعمدة فيه، ومنهم دنيس روس المرشح لتولي ملف الشرق الأوسط الضليع بتفاصيله وعقده علماً أن طموحه أوسع وأشمل.
فن الحكم
استقرار رؤى هذا الفريق يمكن أن تتم من خلال ما كتبه روس في كتابه الأكاديمي جداً فن الحكم، في هذا الكتاب يرى روس:
*ليس من مصلحتنا اطلاق مبادرة عظيمة يتبين في ما بعد انها فارغة وتخلق انطباعاً بأن العنف هو الحل. مع العلم انه ينتقد ادارة جورج بوش في عدم بذل جهد ديبلوماسي كبير.
*قد لا يكون احراز السلام الآن ممكناً لكن مهمات الادارة الجديدة خلق الأجواء الملائمة لجعل السلام ممكناً في المستقبل.
*يربط روس بين الصراع الفلسطيني ـ الاسرائيلي وتضخم الأصولية والأصوليين في المنطقة لأنهم يستغلونه لتأجيج الغضب وزيادة أتباعهم. والنتيجة يجب أن تكون معالجة هذا الصراع جزءاً من استراتيجيتنا لمواجهة الأصوليين الاسلاميين.
*يجب العمل على اعادة الهدوء بين الفلسطينيين والاسرائيليين ومنع انهيار السلطة، علماً انه يوافق على صوابية قرار جورج بوش في عزل حماس.
*من الممكن التفاهم حول ارسال قوة دولية الى غزة.
*في وقت ما قد يدفع تصور امتلاك ايران اسلحة نووية الى عمل عسكري لمنعها من التحول الى دولة نووية.
*يقترح روس أن يتم الاتفاق مع الأوروبيين والروس والصينيين على التفاوض مباشرة مع ايران بشرط العمل كفريق واحد والاتفاق على فرض عقوبات مشتركة في حال فشل المفاوضات مع الاتفاق مسبقاً على أسس تحديد الفشل.
*ستظل مكافحة الارهاب المدعوم من الدول هدفاً أساسياً وشرطاً من شروط ادارة الحكم.
*يجب أن يعرف جميع الفلسطينيين واللبنانيين ان الولايات المتحدة لن تتعامل مع الذين يظلون ملتزمين بالعنف أو الذين يبررونه أو الرافضين للتعايش مع اسرائيل. لكن روس يضيف الى ذلك لا يعود لنا تقرير من يكون لاعباً اساسياً في الشرق الأوسط.
*يجب أن نوضح للبنانيين والفلسطينيين انهم يستطيعون أن ينتخبوا من يريدونه واننا سنحترم قرارهم. الا ان ذلك لا يعني اننا سنتفاوض معهم تلقائياً، فنحن مثلهم لنا الحق في تقرير ذلك. ويجب الاشارة الى أن بعض الظروف تستوجب ان نكون مستعدين للتفاوض، ويضع روس 12 قاعدة للتفاوض أولها وأهمها قوله: أعرف ما تريده وأعرف ما تستطيع تحمله.
يركز دنيس روس كثيراً على ايران ودورها وكيفية التعامل معها وبطبيعة الحال فإنه يركز على النزاع الفلسطيني ـ الاسرائيلي بسبب خبرته الطويلة في هذا الملف. لكن روس نفسه الذي يتكلم مطولاً عن دور ايران في دعم حزب الله وحماس ومنظمة بدر وجيش المهدي في العراق، يتلافى الحديث عن التعامل مستقبلاً مع سوريا، مكتفياً بالكشف عن حيثيات المفاوضات التي جرت سابقاً وكيف نجح في اقامة علاقة مباشرة بين أوري سافير ووليد المعلم بحيث كونا قناة خلفية للاتصال. ويرى أنه لولا حصول أربعة تفجيرات في عام 1996 (من بينها الحرب ضد لبنان ومجزرة قانا) أدت الى تعليق اسرائيل المحادثات وهزيمة شيمون بيريز لكان بالامكان التوصل الى اتفاق.
لا يمكن سرد كل ما يراه دنيس روس حول ملفات المنطقة خصوصاً وأنه مهما بلغ من المواقع الحساسة لن يكون في النهاية صانع القرارات. فالرئيس الأميركي هو الذي يصنع هذه القرارات ووزير الخارجية (وفريقها) يشكل امتدادا للرئيس.
باراك أوباما لم يأتِ الى الرئاسة بالصدفة، كما انه لم ينتخب بتدبير وتخطيط مسبق. الرئيس الأميركي كائنا من كان يبقى ابن المؤسسة يتحرك تحت سقفها، حريته في التحرك هي في ادارة فريق عمله بقوة مستغلاً في ذلك كامل قدراته. لذلك فإن هذه الرؤية لمنطقة الشرق الأوسط ستكون جزءاً من رؤى عديدة، أطرافها ترويكا متساوية بالقوة والقدرات مشكّلة من كلينتون وجونز وغيتس. علماً أن الكلمة الأخيرة ستبقى للرئيس باراك أوباما
ما زال امام الرئيس الوقت لتحديد مساراته، في وقت عليه بسرعة معالجة ثقبين كبيرين في أشرعة سفينته وهما الأزمة المالية والاقتصادية والحربان في العراق وأفغانستان.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.