هل نجح الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي بإقناع صديقه بنيامين نتنياهو متابعة مسار المفاوضات غير المباشرة مع دمشق، متى تولى رئاسة الوزراء في إسرائيل، في حال فوز حزب الليكود الذي يتزعمه في الانتخابات التشريعية في العاشر من شباط المقبل؟
حصان التطرف
مبدئياً، لا يبدو أن ساركوزي قد نجح في هذه المهمة مع صديقه نتنياهو، لأسباب عديدة منها ما هو بديهي، ومنها ما يتعلق بحسابات تطال المستقبل المتوسط وما فيه من احتمالات متوقعة وغير متوقعة، في ظل الأزمة الاقتصادية وما سيفعله باراك أوباما بعد تسلمه الرئاسة. نتنياهو ليس من النوع الذي يقدم لأحد الهدايا، خصوصاً وهو يخوض معركة حياته للعودة الى رئاسة الوزراء في مواجهة خصمين صعبين هما تسيبي ليفني، وايهود باراك. أيضاً وهذا مهم جداً، إن نتنياهو دخل المعركة الانتخابية على حصان التطرف وأقصى اليمين، وليس من الواقعية بشيء أن يتخلى عن هذا الموقف وهو في عز هذه المعركة.
بالعكس لا بد لنتنياهو من رفع سقف تطرفه من أفضل مكان وهو قصر الأليزيه. طبعاً هذا الموقف لا يلغي مطلقاً أسرار المباحثات في الغرف المقفلة، خصوصاً وأنها دارت بين أصدقاء أساساً، وأن ساركوزي أصبح يعرف جيداً ماذا يريد الرئيس بشار الأسد وربما ما بقدرته على تنفيذه، مثلما يعرف جيداً أن قلب المشكلة موجود في النزاع الفلسطيني ـ الإسرائيلي.
من الواضح حتى الآن، أن التباعد في الرؤية بين الصديقين نتنياهو وساركوزي كبير جداً، الرئيس الفرنسي وهو يعمل على الدخول الى التاريخ عبر المشاركة المباشرة والفعلية في انتاج حل للنزاع العربي ـ الإسرائيلي، يرى أنه يجب العمل على المسارات الثلاثة وهي الفلسطيني والسوري واللبناني مع إسرائيل بقوة واندفاع، وأنه إذا كان يجب تسريع أحدهما على الآخر بسبب السخونة الزائدة، فإنه لا يجب إهمال أحدهما لحساب الآخر.
هذه القراءة ـ الموقف، هي التي دفعت ساركوزي الى تبني محاولة دفع لبنان نحو مفاوضات غير مباشرة مع إسرائيل بموافقة سورية، رغم المحاذير الكثيرة والتي أبرزها فيتو حزب الله.
العقدة أن نتنياهو لا يريد الاعتراف بالمسار السوري الذي بدأه أولمرت رئيس الوزراء الحالي، لأنه لا يريد إعادة الجولان الى سوريا. وهو يأخذ هذا الموقف من دون أن يجيب على سؤال كبير: ما الذي سيدفع دمشق لعقد سلام مع إسرائيل من دون استعادة الأرض، خصوصاً أنها تجد صعوبة كبيرة في بلع، فكيف بهضم عقد هذا السلام على قاعدة الجولان بكامله مقابل اتفافية السلام.
أكثر من ذلك، إن نتنياهو لا يريد بحث قضايا وضع اللاجئين ومدينة القدس مع الفلسطينيين والاكتفاء بربط المفاوضات السياسية بتطوير سريع لاقتصاد وأمن الفلسطينيين الذي سيخلق مناخاً ملائماً لنجاح المفاوضات والحل النهائي، أي تقديم العامل الاقتصادي اليومي على باقي المشاكل، وكأن النزاع الفلسطيني ـ الإسرائيلي (الذي هو في حقيقته صراعاً وليس نزاعاً) قائم على المثل الشعبي طعمي الفم تستحي العين، أي يكفي تقدم الوجبات الغذائية للفلسطينيين فيعمّ السلام والأمن.
يستطيع نتنياهو رفض الدخول في المسارين السوري والفلسطيني، الأول بحجة أن الالتزامات التي تقدم بها أولمرت للأسد لا تلزم حكومته، والنتيجة أن إسرائيل ستبقى في الجولان. كما يمكن لنتنياهو أن يلتف على المسار الفلسطيني ولا يتقدم سوى بحلول لا تحل شيئاً. وأن لا يتحدث عن المسار اللبناني، خصوصاً وأنه حتى الآن وربما لفترة طويلة لاحقاً لم يتبلور شيءً. وأخيراً أن يصر على ملاحقة إيران والتحريض على ضربها وخلق ساحة مواجهة إضافية، سيجد العالم وليس الولايات المتحدة الأميركية صعوبات ضخمة للخلاص منها.
الأزمة المالية الضاغطة
مشكلة نتنياهو أن العالم يتغير، هذا العام الذي يعيش على وقع أخطر أزمة اقتصادية واجهها من أبرز مفاعيلها: ركود غير مسبوق، وبطالة تكسر كل الخطوط الحمر في دول ضخمة، وهو لن يتحمل نزاعات إضافية ولا حتى ارتفاع منسوب الخطر الأكبر وهو الإرهاب. توجد قناعة دولية حالياً بأن الشرق الأوسط هو الحاضنة الحالية لنمو الإرهاب بسبب النزاعات القديمة ـ الجديدة فيه، مهما بدا تقييم موقع الصراع العربي ـ الإسرائيلي فإن الواقع يؤكد وجود رابط قوي بين استمرار هذا النزاع وما يشعر به العالمان العربي والإسلامي من ظلم غير مقبول في استيلاد عنف أسود غير مسبوق.
أيضاً فإن نتنياهو غير القادر على حسم الموقف من إيران عسكرياً، لا يمكنه تجاهل مسار جديد يكاد يصبح الأخذ به إجماعياً، وهو فصل دمشق عن طهران. يكفي أن مارتن انديك، الإسرائيلي الجنسية قبل أن يكون أميركياً والذي له مكانة في صناعة القرار المتعلق بالنزاع العربي ـ الإسرائيلي يرى ان السلام مع سوريا سيعمل على إحداث انفصال في الشراكة الاستراتيجية مع إيران. عملية فصل دمشق عن طهران أصبحت استراتيجية ولم تعد تكتيكاً لدى واشنطن وباقي العواصم الغربية، فهل يستطيع نتنياهو مواجهة العالم الغربي كله خصوصاً متى تحولت واشنطن ـ أوباما الى راعٍ للعملية التفاوضية السورية ـ الإسرائيلية؟.
دمشق وطهران هما الرابحان الكبيران في حال أصر نتنياهو متى أصبح رئيساً للوزراء، على رفضه للحل السلمي مع دمشق الذي تعمل عليه باريس ولندن وأنقرة. دمشق تستطيع أن تجاهر علناً بأنها فعلت كل شيء من أجل السلام لكن تل أبيب رفضت، وبذلك ستستمر في مقايضة موقفها هذا بمطالب ثمينة، كما أن دمشق تستطيع أن تثبت لطهران أنها لم تخرج عن قواعد التحالف معها، وأنها لعبت ضمن شروط هذا التحالف، ولم تغير خطها. كما يمكن لدمشق أن تحافظ على تحالفاتها مع حزب الله وحركة حماس ومنظمات أخرى، لأنها لم تقايضهما بأي عرض لا يعيد لها الجولان وللآخرين أرضهم وحقوقهم.
بنيامين نتنياهو يميني، ومتصلب ومتشدد لكنه ليس غبيا،ً ولا هو سياسي لا يهمه مستقبل إسرائيل. نتنياهو يريد أن يكون هو الطرف الذي يضع الاتفاق وليس الخليفة الذي يوقع على الاتفاق، بانتظار انتخابه ستتوضح أمور كثيرة خصوصاً ما يتعلق بالسياسة الأميركية في عهد باراك أوباما، لذلك كله من المبكر جداً الحكم على مسارات المفاوضات والحلول. أما التصعيد السياسي والميداني الحالي والذي قد يرتفع أكثر فأكثر فإنه جزء من تقديم كل طرف أوراق اعتماده تمهيداً للجولة القادمة التي ستكون الخيارات فيها قد نضجت.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.