التصعيد الاقليمي الجديد، ليس صدفة ولا هو نتاج انتهاء فترة اتفاق التهدئة الفلسطينية ـ الإسرائيلية. هذا التصعيد كان متوقعاً. من الأساس كان قنبلة موقوتة موضوعة قيد الاستخدام في لحظة الحدث المناسبة، وقد تقاطع التوقيت مع التطورات الحالية والمتوقعة، فكان هذا التصعيد.
حماس المأزومة
ليس سرّاً أنّ حركة حماس مأزومة في غزة، فقد وصلت إلى طريق مسدود.. توصّلت إلى التهدئة مع إسرائيل فوقع الاعتراف الإسرائيلي بها ولو عبر مفاوضات غير مباشرة، لكنها لم تنجح في فك الحصار، فازدادت معاناة الشعب الفلسطيني إلى درجة المأساة الإنسانية لتتحمّل حماس بذلك وزر إيقاف المواجهة والمقاومة من جهة، ووزر فشلها في إيقاف معاناة شعب غزة.
الأزمة الكبرى والمهمة بالنسبة لـحماس أنّ صراعها على السلطة مع حركة فتح، لم يحل ولن يحل بهذه الطريقة، بالعكس أنتج انفصال الضفة عن القطاع عملياً، وهو ما كانت إسرائيل تحلم به وتريده، فتحقق على يد أهل القضية وليس على يدها، حتى ولو أنها استثمرت التطوّرات الفلسطينية ببراعة مؤلمة جدّاً. هذه الأزمة تزداد حدة كلما اقترب موعد الاستحقاق الكبير وهو انتهاء ولاية الرئيس الفلسطيني أبو مازن الذي مُدِّدت ولايته عربياً. فإذا استمرت حماس في تصلبها، رافضة تمديد الولاية حتى موعد الانتخابات الرئاسية، فمعنى ذلك دخولها في مواجهة عربية تقحمها حكماً في صراع المحاور، الذي وإن كانت موجودة في قلبه، إلا أنها كانت تتفادى تشريعه وعلنيّته.
حملة فك الحصار عن غزة ضرورية جداً لإنقاذ شعب غزة، لكن هذه الحملة بما هي عليه الآن ناجحة إعلامياً، لكنها لن تفك أسرها.
حملة الحصار الإسرائيلية ضدّ غزة تذكّر بالحصار الدولي للعراق. الشعب جاع ومرض وعانى والنظام استمر، ولم تُعرف مفاعيل الحصار حتى جاءت آلة الحرب الأميركية فقضت على العراق الموحّد والقويّ والغني تحت شعار عظيم هو تحرير العراقيين من صدام.
التصعيد الحالي هو نتيجة شعور دمشق بالقوّة، الذي دفعها للانتقال من حالة الدفاع إلى حالة الهجوم. دمشق حالياً تهاجم، فقد تحوّلت غزة من شوكة في حلق إسرائيل فقط إلى سكين في خاصرة مصر. إسرائيل متضايقة من غزة لكن في الواقع لم تعد وحدها في ذلك، أي هجوم عسكري جديد سيزيد الأزمة تأزيماً ولن يحلها. من جهة سيُحرج مصر والآخرين من قوى الاعتدال، وستتابع دمشق عبر النفخ على نار غزة في ممارسة مفاعيله لدى الجميع إلا عندها. حتى لو جرت مظاهرات في دمشق، فإنّ هذه المظاهرات كلفتها قليلة جداً، وشعاراتها مثمرة جداً في حرب التصعيد.
أولويات أوباما الخمسة
هذا التصعيد الذي تلعب دمشق ببراعة على كراسيه الموسيقية، هو بالنتيجة نوع من التفاوض بالنار ليس مع إسرائيل، لأنّ ما أصبح بينهما من تأسيس لبناء الحل السياسي أكبر بكثير من هذا. العملية كلها موجّهة إلى الرئيس الأميركي باراك أوباما. دمشق تريد أن يعرف أوباما حجم حضورها وقوّتها وإصرارها على رعايته للمفاوضات المباشرة مع إسرئيل، وضرورة عدم تناسيها لأن الأميركيين يريدون منه، حسب آخر الاستفتاءات، الاهتمام بمعالجة القضايا التالية وبالترتيب:
1 ـ البطالة وعدم توافر فرص العمل.
2 ـ إنهاء الحرب في العراق.
3 ـ الرعاية الصحية.
4 ـ الحرب على الإرهاب.
5 ـ الهجرة غير الشرعيّة إلى داخل البلاد.
هذا الترتيب يعني أنّ العراق والحرب ضدّ الإرهاب (أي أفغانستان وباكستان) يحجبان الشرق الأوسط عن أولوياته. بهذا فإنّ دمشق لن تستطيع أن تحسم الكثير من الأمور العالقة وستضطر عاجلاً أو آجلاً لمواجهة الضغوط خصوصاً وأنها لن تستطيع اللعب كثيراً على الوقت، لأنّ للتصعيد سقفاً لا يمكنها اختراقه، ففي ذلك استفزازاً غير ضروري مع نمر ما زالت له أنياب ومحشور أصلاً، كما ترى الحليفة ـ الحاضنة طهران.
هل يعني ذلك أنّ هذا التصعيد محدود ومحسوب سواء بمدته أو بأحجامه ومفاعيله؟
قد يكون هذا ما تريده دمشق، لكن من الضروري جداً خصوصاً في لبنان أخذ الحذر، لأنّ سرعة الانزلاق في مثل هذه الحالة تكون عادة قوية ومفاجئة. لهذا كله من الأفضل للبنان واللبنانيين حضانة التهدئة القائمة منذ اتفاق الدوحة. ما يعزّز هذا كله أنّ أي تصعيد أكبر في غزة على وقع التصعيد الاقليمي، لا بد أن تطال مفاعيله المخيمات في لبنان خصوصاً مخيم عين الحلوة الذي لا ينقص الزيت المنتشر على أرضه سوى عود كبريت ليشتعل ويتحوّل إلى حريق كبير، أين منه حريق نهر البارد.
دمشق وهي تهجم بعد أن تجاوزت مرحلة الدفاع، تنام بعين واحدة على نجاحها، خصوصاً في لبنان. دمشق تعرف أنّ استحقاق المحكمة الدولية يشكل لغماً ضخماً أمامها، وأنّ الملف النووي يتحوّل إلى مأزق لها، وأنّ سقوط حساباتها في تحويل الأغلبية إلى أقلية في الانتخابات التشريعية المقبلة ممكن جداً. لذلك كله فإنّ لبنان سيبقى يعيش دائماً بخطر على حافة التصعيد الدامي.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.