8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

شعب غزّة الشهيد الحيّ لن تنتصر عليه إسرائيل .. وإيران وتركيا تثبّتان دورهما الاقليمي

لن تنتصر إسرائيل في حرب الرصاص المسكوب، ولن تهزم حركة حماس. ترجمة هذه المعادلة ميدانياً أكثر تعقيداً مما تبدو. لم تتعلم إسرائيل، أو أنها لا تقبل ولا تتقبّل بأن زمن الحرب الخاطفة، والانتصار فيها انتهى، ولو ضد ثلاثة جيوش عربية. كل يوم جديد في هذه الحرب، يرفع من منسوب صحة هذه المعادلة.
كل يوم جديد في الحرب الإسرائيلية، هو إضافة مباشرة وعلنية الى رصيد حماس، لأن المطلوب منها الصمود تجييراً منها لخطاب الانتصار. حجم الخسائر في البشر والحجر هو ثمن طبيعي بالنسبة لـحماس، خصوصاً وأن شعب غزة من الأساس شعب شهيد ـ حيّ.
الحرب التي بدأتها إسرائيل ضد حماس، تتحول يوماً بعد يوم حرباً ضد شعب غزة، وفي هذا خسارة علنية للقيادة الإسرائيلية المتنافسة في الانتخابات التشريعية، مهما بلغ حجم التحالف والمساندة والدعم الغربي لإسرائيل، فإن تزايد عدد الأطفال الشهداء في غارات جوية غير مسبوقة في التاريخ من محتلٍ ضد شعب يقع تحت احتلاله، لا بد أن يحرك أكثر المستنقعات ركوداً.
الانتخابات وعملية الرصاص المسكوب
إسرائيل ارتكبت خطأ استراتيجياً، كما فعلت حماس. خوض حرب على وقع المنافسة الانتخابية، والعمل على تسجيل نقاط في الاستفتاءات الشعبية، يخلط الحسابات الميدانية على وقع تذبذب مقياس الشعبية اليومي. ايهودا باراك ربح في الأيام الثلاثة الأولى في الاستفتاءات إذ تضاعف رصيد شعبيته وارتفع عدد المقاعد التي يمكن أن يفوز بها في الانتخابات التشريعية في العاشر من الشهر القادم، لأن 81 في المئة من الإسرائيليين أيدوا عملية الرصاص المسكوب. استمرار الحرب أياماً أخرى من دون إنجاز الوعود وعدم تحقيق الالتزامات سيخفض أسهم باراك الشعبية، فيضطر بذلك الى أخذ قرارات تحت ضغوط هذا التحول. أمام هذه المعادلة بدأ الكلام في إسرائيل يأخذ منحى آخر.
الإسرائيليون الذين اعتادوا عودة جيوشهم قبل عطلة الأسبوع من الحرب، يشعرون حالياً أنهم انزلقوا نحو تجربة مشابهة لحرب تموز في لبنان.
عدم التوازن الكامل في استخدام القوة، خصوصاً متى كان ضحاياه من المدنيين، يسقط كل حجج الدفاع عن النفس، انقلاب أسطورة جوليات وداوود، يقلب المواقف. لا يمكن لأحد مهما كان متحيزاً إلا أن يقف مع داوود ضد جوليات. شعب غزة حالياً هو داوود وإسرائيل هي جوليات.
داوود الفلسطيني يحارب بسلاح أقواه صواريخ غراد المعدلة محدودة العدد، حتى ولو كانت بالمئات، في حين أن طائرات اف.16 تضرب وكأنها تقوم بتمرين جوي على أهداف أكبرها المنازل المفتوحة على الفضاء.
أيضاً كل يوم إضافي في هذه الحرب، يحرج أولاً وأساساً السلطة الوطنية في رام الله. الضحية الكبرى لهذه الحرب هي السلطة الوطنية برئاسة أبو مازن وسلام فياض. عجز هذه السلطة سواء لعجزها في الأساس أو لأنها ترغب فعلاً بانهيار حماس، يزيد من حراجة وضعها، ويخفض من رصيدها الشعبي وهي على أبواب انتخابات مفترض أن تجري لاحقاً. حماس وإن لم تربح مكاسب شعبية فإن إضعاف خصمها يمنحها قوة إضافية. الخاسر أيضاً فيها إسرائيل.
النظام العربي الضعيف
أيضاً فإن ضعف النظام العربي، وتعريضه لمزيد من التجارب يؤكد ضعفه، يصب في رصيد التطرف وخروج القرار من اليد العربية، المستفيد الكبير من هذه النتيجة ليس حماس ولا دمشق المكتفية بانتفاضة الجماهير في تظاهرات منظمة في حلب أو غيرها من المدن السورية، المستفيد الكبير في ذلك إيران وتركيا. إيران التي تعتبر اليوم كما قال علي لاريجاني رئيس مجلس الشورى والمرشح لرئاسة الجمهورية أن غزة مرتبطة بالأمن القومي الإيراني، كما اعتبرت وتعتبر حزب الله جزءاً من هذا الأمن القومي. هذا التداخل يؤكد بطريقة غير مباشرة تمدد النفوذ الإيراني حتى ضفاف البحر الأبيض المتوسط، الذي سيتم استثماره كجزء من السلة في أي مفاوضات مقبلة.
أما تركيا التي أصبح يعتمد على موقفها أكثر من الاعتماد على العرب، فإنها وهي ترعى المفاوضات غير المباشرة، وتحمي الفلسطينيين وتطالب بحقوق العرب رغم علاقاتها الاستراتيجية مع إسرائيل، فإنها أيضاً تستثمر هذا الموقف في تقديم نفسها كلاعب إقليمي لا يمكن لأوروبا تجاهله حاضراً ومستقبلاً.
ربما تكون مأساة غزة وانقلاب دور إسرائيل وتحولها الى جوليات وعدم انتصارها، قد يجبر الرئيس باراك أوباما الى الاندفاع نحو الاهتمام فوراً بالشرق الأوسط وعملية السلام فيه، رغم أن الرأي في واشنطن الآن أن ثمن الانخراط في هذه العملية ارتفع وحظوظ الحل أصبحت أكثر التباساً وإمكانيات المقاربة الممكنة مثقلة بمخاطر سياسية ضخمة.
إسرائيل وضعت بحربها الجوية شعب غزة أمام الحائط المسدود. وهي مهما قصفت فإنها لن تربح هذه الحرب ولا غيرها. مشكلتها الكبيرة أن لديها أحد أقوى الجيوش في العالم، لكنه جيش يخاف من الحرب البرية أي المواجهة، ولذلك فإنه جيش متردد وضعيف وخائف. في وقت تعمد حماس ومعها الغزاويين الذين لن ينتفضوا ضدها خصوصاً عندما يصبح استشهاد القيادي ريان وهو يضع أولاده حزاماً حوله قمة التضحية، بهذا فإن حماس تستطيع أن تصمد حتى يغرق السيف في الدم.
نقطة أخيرة وهي معرفة كيف ستترجم حماس مفاعيل صمودها هل ستتعامل معه كانتصار إلهي لتستمر مأساة أهل غزة، أم أنها ستعود الى أولويات قاعدة هذا الصمود وهي الاندفاع نحو الوحدة ووضع مصلحة الشعب الفلسطيني أولاً، أم البقاء دائماً ملفاً في سلة المفاوضات المقبلة؟.
يبقى إبعاد لبنان عن البركان الفلسطيني حالياً مهمة فلسطينية وعربية أكثر مما هي لبنانية. إقحام لبنان حالياً في دائرة النار لن يغيث الشعب الفلسطيني، ولن يضيف إثباتاً على ضعف النظام العربي، ولن يقرب زوال إسرائيل. تجنيب لبنان المواجهة يحمي الفلسطينيين أكثر في وقت يحتاجون فيه الى ذلك، الجبهة الخلفية ضرورة استراتيجية للمستقبل، فالحرب بالكاد بدأت بعد أن تحولت الأدوار في اسطورة جوليات وداوود.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00