عندما يقول مسؤول فرنسي رفيع إن الحل يحتاج الى مزيد من الجهود وخصوصاً من الجانب الأميركي معنى ذلك أن الحل للحرب ضد غزة ما زال بعيداً. في أحسن وأفضل التوقعات الأكثر تفاؤلاً فإنه يجب انتظار يوم الخميس المقبل في 21 من الشهر الجاري أي في اليوم التالي للولاية الرئاسية للرئيس باراك أوباما. علماً أن الواقعية السياسية والإجرائية تعني انتظار مطلع شباط المقبل.
وعندما يخرج الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي عن نص خطابه الرسمي أمام الديبلوماسيين الأجانب العاملين في باريس ليقول إن الفلسطينيين منقسمون على أنفسهم بطريقة غير مسبوقة، والعالم العربي منقسم أيضاً، فإنه يضع مزيداً من الملح على الجروح العميقة للحالة العربية الفلسطينية، لكنه في الواقع لا يضيف شيئاً غير معروف خصوصاً في ظل القمم المعقودة هنا وهناك من العواصم العربية.
عبد الناصر وحرب الاستنزاف
الرئيس نيكولا ساركوزي سيأتي الى المنطقة ويزور بعض العواصم العربية وأولها القاهرة وأيضاً دمشق التي بدأ يتملل من مواقفها أمام بعض الزوار العرب والأجانب. قد يسبقه وزيره للخارجية برنار كوشنير، لعل كل ذلك ينتج وقفاً لإطلاق النار فيقطف ورقة يزيدها الرئيس الفرنسي الى رصيده الدولي في وقت يتراجع فيه يوماً بعد يوم رصيده الداخلي.
في ظل هذا الانقسام العميق عربياً وفلسطينياً والعجز الدولي الممتزج أحياناً كثيرة في رؤية إسرائيل وهي توجه ضربة قاسية جداً وحتى حاسمة للتيار الإسلامي الأصولي من خلال الضربة لـحماس، فإن الكلام البارد على ضفاف أنهار الدماء والدموع المتدفقة في غزة يصبح نوعاً من المعاناة القاسية، ولكنه أيضاً نوع من الواجب وذلك كما جرى بعد نكسة 1967 التي نتج عنها إعادة بناء الجيش المصري على يد قائد استثنائي هو جمال عبد الناصر، الذي قال ما أخذ بالقوى لا يسترد بغير القوة، ففعل كل ما بوسعه لتنفيذ شعاره، ولم يترك جبهته نائمة تاركاً للآخرين المقاومة، فكانت حرب الاستنزاف التي تقدم فيها القادة قبل الجنود، وكان على رأسهم الشهيد الفريق عبد المنعم رياض.
في باريس يعدد الخبراء ألف سبب وسبب لإعلان الهزيمة المبكرة لحركة حماس علماً أنهم يشددون بأن هذه الهزيمة لا تعني حل النزاع الإسرائيلي ـ الفلسطيني، وإنما التحضير حكماً لمرحلة مقبلة لا يمكن قراءة تفاصيلها منذ الآن لأنها ستكون قيد التشكل ـ لهذا حديث آخر ـ هؤلاء الخبراء يشددون على أن حماس خسرت الحرب قبل أن تبدأ رغم كل تصميم مقاتليها وصمود الغزاويين الاستثنائي الذي بدون مبالغة يماثل صمود أهل ستاليننغراد أمام الهجوم النازي في الحرب العالمية الثانية رغم فارق فترة الحصار مع تماثل في العنف الناري.
إسرائيل: بلا خط أحمر
حركة حماس ومن وراءها ومن يقف معها تصوروا أن إسرائيل لن تتابع حربها ضد غزة، وأن هناك حدوداً للعنف ولتحمل الرأي العام الدولي وحتى الإسرائيلي لصور الضحايا خصوصاً من الأطفال والنساء. بالعكس ما حصل ويحصل متابعة إسرائيل للحرب وبشكل أشرس وأعنف يوماً بعد يوم. ما يدعم إسرائيل في ذلك استمرار تأييد الإسرائيليين لقيادتهم بما يزيد عن 78 في المئة في اليوم العشرين، وقلة الخسائر التي لا تزيد عن عشرة جنود، ستة منهم عرب إسرائيليين. يبقى تسعة أسباب الى ذلك وبدون أولويات.
إن جغرافية غزة محدودة ومكشوفة ومحاصرة من البر والبحر. وهي قطعاً لا تماثل جغرافية الجنوب التي تتضمن التلال والوديان العميقة وحدوداً مفتوحة أمام الرجال والسلاح.
إن غزة ليس لها عمق جغرافي يدعمها ويمدها بما تحتاجه بلا حساب. إقفال معبر رفح وأنفاق فيلادلفيا، قطع عنها أوكسجين المتابعة مهما بلغت لدى المقاتلين من حماس أرادة القتال. وقيادة حماس مسؤولة عن هذا الوضع بشكل ما وبنسبة معينة مهمة، خصوصاً بعد أن تمنعت على مصر ووضعت نفسها بالتواصل مع حركة الاخوان المسلمين في موقع الخطر الذي يمس الأمن القومي المصري. يكفي الدمج في الإعلام المصري، الدمج بين حماس وإيران لتقويم حجم الخطر الذي وضعت نفسها في قلب دائرة النار المقفلة.
إن الإنقلاب الذي قامت به حماس ضد حركة فتح وبعض عشائر غزة وعائلاتها الى درجة لجوء بعضها الى إسرائيل، قد فكك الدائرة الأولى للوحدة الوطنية الداخلية، وهي حكماً الشرط الأول للدخول في مواجهة شاملة مع العدو الإسرائيلي.
إن الدخول في مواجهة شاملة في وقت تجري فيه الحملة الانتخابية الإسرائيلية، يعني أن فتح المنافسة على التصعيد العسكري داخل إسرائيل لن يكون أمامه أي خط أحمر.
إن إسرائيل نجحت في شن حملة إعلامية داخلية ودولية بأن صواريخ القسام موجهة عن سابق تصور وتصميم ضد المدنيين الإسرائيليين، في حين ان جيشها يصيب المدنيين الفلسطينيين بالخطأ أو للضرورة. مما وضع حماس وصواريخها في قفص الاتهام، علماً أن ايهود باراك أكد أن اثنين في المئة من صواريخ حماس قد أحدثت خسائر بشرية محدودة وأن 80 في المئة منها سقطت في أرض خلاء و18% سقطت في بعض التجمعات المدنية وأحدثت الهلع والخوف.
إن أوروبا تعيش حالياً على وقع تصعيد في تصليب العلاقات مع إسرائيل، يكفي أن الرئيس الفرنسي لا يتوقف عن تكرار صداقته لإسرائيل وتعلقه بأمن إسرائيل غير قابل للتفاوض.
إن الولايات المتحدة الأميركية تعيش مرحلة انتقالية حيث الرئيس الخارج جورج بوش يريد أن يتحقق ولو في اليوم الأخير من ولايته انتصار الخير على الشر أي على حماس، وأن الرئيس المنتخب باراك أوباما هو رئيس لا يرأس.
إن انخراط حماس في المحور السوري ـ الإيراني قد جعلها على عداء مع القاهرة ـ الرياض، خصوصاً بعد سقوط اتفاق مكة والانقلاب على حركة فتح، كل هذا في وقت أصبحت فيه الخلافات حادة بين المحورين بالعمق وعلناً.
ثم ماذا بعد ذلك؟
المشكلة في الشرق أن كل الأسئلة التي يطرحها معقدة، وذلك بانتظار إجابات بسيطة. علماً أن سرعة المتغيرات التي بعضها انقلابي تجعل أحياناً من الهزيمة انتصاراً بعيداً عن الكلفة غير المتناسبة لكل ذلك.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.