الانتخابات التشريعية في إسرائيل، شأن عربي عام، ولبناني - فلسطيني - سوري خاص. نتائج هذه الانتخابات سترسم مسارات عديدة في منطقة الشرق الأوسط لسنوات عدة. أهمية هذه الانتخابات الإضافية، انها تأتي بعد انتخاب باراك اوباما رئيساً للولايات المتحدة الأميركية، وغداة الحرب على غزة وحرب العام 2006 على لبنان.
اسرائيل الكبرى حلم انتهى
انتصار اليمين في إسرائيل، مؤكد، لا داعي لمحاولة توقع نتيجة أخرى. الحسابات واضحة. السؤال الوحيد هو: أي يمين سيفوز، المتطرّف أم الأكثر تطرّفاً؟ كاديما الذي ترأسه تسيبي ليفني، أم الليكود الذي يتزعمه بنيامين نتنياهو؟ حزب العمل وزعيمه ايهودا باراك خارج هذا السباق. ربما لن ينجح حتى في احتلال الموقع الثالث رغم كل التطرّف الذي أظهره خلال الحرب على غزة. الأرجح أن يكون افيغدور ليبرمان وحزبه إسرائيل بيتنا هو الذي سيكون في الموقع الثالث. المشكلة ان ليبرمان القادم من روسيا بعد تفكك الاتحاد السوفياتي، هو الأكثر تطرفاً. حالياً هو الرقم الذي لن يستطيع نتنياهو وليفني معاً سوى التعامل والتعاون معه.
قبل 48 ساعة من الانتخابات، التنافس بين ليفني ونتنياهو أصبح ع المنخار. مهما تقدمت ليفني فإن تحالف اليمين المتطرف سيحوز على الأغلبية المطلقة، متقدماً على كاديما وحزب العمل وباقي أحزاب الوسط الصغيرة، بذلك سيكون نتنياهو هو رئيس الوزراء المقبل، مع العلم ان 64 في المئة من الاسرائيليين مقتنعون بأنه هو رئيس الوزراء المقبل. لكن رغم تطرفه فإن نتنياهو كما يبدو لا يريد أن يكون رهينة للمتطرفين القابعين على يمينه مثل شاس وإسرائيل بيتنا. لذلك اقترح قبل أيام تشكيل حكومة وحدة وطنية برئاسته طبعاً على أن تضم ليفني أي حزب كاديما من جهة وحزب العمل من جهة أخرى، وان يبقى باراك وزيراً للدفاع لأنه ناجح في هذا الموقع. البرهان، الحرب على غزة.
تشكيل حكومة وحدة وطنية أتى دائماً في مراحل عديدة، كانت إسرائيل تواجه فيها قرارات مصيرية، التي اختصارها الحرب أو السلام لكن على الأرجح خيار الحرب. الإسرائيليون انحرفوا كثيراً نحو اليمين المتطرف، لأن مقولة إنه لا طرف فلسطينيا نتفاوض معه تسود الرأي العام الإسرائيلي، علماً ان هذه المقولة جرت فبركتها في المطبخ السياسي الإسرائيلي، حتى لا تضطر للموافقة على التفاوض حول الأرض مقابل السلام، وقيام دولة فلسطينية قابلة للعيش إلى جانب إسرائيل الآمنة. حالياً جرى نفخ هذا الخوف المقنع بمقولة جديدة هي: خطر قيام دولة حماس على مشارف تل أبيب. كما جرى استكمال تضخيم الخوف بخوف أكبر وهو تحول إيران إلى دولة نووية وهي الدولة التي لا تعترف بوجودها وينادي رئيسها أحمدي نجاد بإزالتها عن الخريطة.
مشكلة الاسرائيليين انهم يعرفون الآن بأن حلم أرض إسرائيل الكبرى قد انتهى، في الوقت نفسه لا يريدون مزاوجة هذه النهاية ببداية قيام الدولة الفلسطينية. هذا المأزق الحقيقي، هو الذي يدفع الإسرائيليين نحو الانزلاق أكثر فأكثر باتجاه اليمين المتطرف، يساهم في ذلك وجود شريحة ضخمة تعدادها نحو نصف مليون من الروس، الذين هاجروا بعد انهيار الاتحاد السوفياتي - معظمهم ليسوا يهوداً - مشبعون بكراهية خاصة للعرب وهم يرون ان التعامل معهم يكون بطريقة ستالين، أي تهجير القوميات الأخرى، والضرب بيد من حديد.
جبهة رفض ضد العالم
سواء كان نتنياهو الفائز برئاسة الحكومة أو ليفني، فإنهما في الهمّ سواء. صحيفة معاريف أوجزت ذلك بالقول: سيستيقظ رئيس الوزراء المنتخب ليجد ان البلاد بلا ميزانية عامة لسنة 2009، ومن دون خطة اقتصادية حقيقية لمواجهة الأزمة، وكثير من المصالح الاقتصادية المنهارة وأعداد غفيرة من العاطلين من العمل، ومع سنة جديدة تعتبر الأصعب في تاريخ الاقتصاد الإسرائيلي. كما سيجد رئيس الوزراء الجديد نفسه أمام مأزق كبير وهو كيفية تلبية طلب الجيش الاسرائيلي بزيادة حصته في الميزانية بمبلغ أربعة مليارات شيكل أي أكثر من مليار دولار، مما يعني رفع نسبة العجز في الميزانية إلى خمسة في المئة.
لا يكفي هذا المأزق الاقتصادي الخانق الذي يجب التعامل معه في وقت تعاني كل دول العالم القادرة والداعمة لإسرائيل أزمات مماثلة. رئيس الوزراء الجديد عليه أن يتعامل مع ادارة أميركية مختلفة. مهما كان اوباما حريصاً على أمن إسرائيل، فإنه لن يكون كما كان جورج بوش، هذه قناعة إسرائيلية كاملة، لذلك يجب الحذر كثيراً في تنفيذ سياسة رفض كاملة. لا يمكن لنتنياهو مثلاً رفض التفاوض مع دمشق والفلسطينيين وتهديد اللبنانيين، دون تقديم سياسة بديلة مقنعة لاوباما وادارته.
أبعد من ذلك، ان المؤسسات الفاعلة والمؤثرة في إسرائيل، ترى ان مثل هذه السياسة تعني الدخول في مسار يؤدي حكماً إلى صدام. رئيس الشعبة السياسية في وزارة الدفاع عاموس غلعاد طالب بالتوصل إلى سلام مع دمشق وإعادة الجولان لها، لأن النظام ضعيف وفي وضع صعب ويجب تعزيزه بواسطة السلام. هذا من جانب، من جانب آخر فإنّ رفض الرئيس المنتخب لمبادرة السلام العربية يعني قيام جبهة مشتركة مع المستوطنين ضد العالم كله.
طغيان المناخ القومي المتطرف على إسرائيل، والذي سيكون انتصار ما يسميه بعض الاسرائيليين انتصار القوى المعادية للمصالحة، لا يمنع كما هو واضح من الادراك بدقة الوضع وعمق المأزق الذي توجد فيه إسرائيل.
كيف سيتعامل رئيس الوزراء الاسرائيلي الجديد ومعه كل هذا اليمين المتطرف؟ هل يهرب إلى الأمام فيقوم بعدوان جديد يبرمجه بهدوء أبرز ما فيه: ان الحل للمشكلة الفلسطينية هو الحل الاقتصادي وليس السياسي فتنفجر قنبلة الغضب الفلسطيني؟ وان دمشق لن تتخلى عن تحالفها مع ايران حتى لو أخذت الجولان؟ وان إبقاء إسرائيل تحت خطر صواريخ حزب الله هو خطر قاتل، لذلك التعامل معه بحسم ضروري؟ وان ضرب ايران قبل اكتمال قوتها النووية أفضل من الانتظار حتى دخول ايران نادي الدول النووية، فيلغي توازن الرعب النووي المواجهة ويفرض معادلات جديدة؟ أم ان رئيس الوزراء الجديد يمسك بقوة بفرصة محسوبة ليدخل المسار الحل السياسي؟
القرار الاسرائيلي المستقبلي لا بد له من أخذ كل المتغيرات في حساباته. لا شك ان باراك اوباما سيتحمل مسؤولية تاريخية في ضبط ايقاع الموقف الاسرائيلي وخياراته أيضاً كيفية التعامل العربي وخصوصاً السوري - الفلسطيني اللبناني، مع هذا الوضع المعقد أساسي.
المنطقة كلها أمام مفترق طرق مصيري، لأول مرة اللبنانيون وخصوصاً حزب الله، يشكلون لاعباً مهماً في صوغ التطورات والخيارات، فهل يفعلون ذلك بما يتطلب الوضع من حذر شديد خارج اللعبة الانتخابية وحملاتها التي تستسهل كل شيء طلباً للفوز ولو بمقعد نيابي؟!
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.