8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

فوز اليمين المتطرف يضع إسرائيل أمام طريق مسدود وفي مواجهة نهج أوباما الحواري

اليمين المتطرف هو الفائز الكبير في الانتخابات التشريعية الإسرائيلية. هذا الفوز يؤكد أن المجتمع الإسرائيلي مريض، لأنه يحرج نفسه وحلفاءه ويحرج خصومه. ليس منطقياً أن يجنح هذا المجتمع نحو التطرف، في وقت وضع العالم نفسه على سكة الاعتدال والحوار.
بعد هذا الفوز ليس مهماً من سيشكل الحكومة الإسرائيلية تسيبي ليفني أو بنيامين نتنياهو. عندما يتحول الحزب العنصري إسرائيل بيتنا الى بيضة القبان بين القوى السياسية، وعندما يصبح زعيمه افيغدور ليبرمان الذي لا تعني كلمة عنصري شيئاً أمام عنصريته، يعني ذلك كله أن المجتمع الإسرائيلي مريض الى درجة الإعاقة.
نتنياهو ضعيف وليفني الخاسرة
أكثر ما يجسد كل ذلك أن بنيامين نتنياهو اليميني المتطرف خرج من الانتخابات ضعيفاً لان ليبرمان هو الذي يتحكم بصياغة الحكومة. إذا قبل به أصبح رئيساً للوزراء، وإذا انحاز الى ليفني تحول عبئاً على الحالة السياسية والليكود معاً.
بدورها فإن ليفني إذاً تحت تسميتها رئيسة للحكومة ستجد نفسها أمام حاجز هذا اليمين المتطرف. تتقاسم الرئاسة مع نتنياهو أو تتحالف مع ليبرمان في الحالتين خاسرة. في الاولى ستخضع لمبدأ المداورة. كل قرار تتخذه يجب أن تحسب له الف حساب مع نتنياهو. في الثانية لن تستطيع أن تبقى في خانة اليمين الوسط، عليها التفاهم مع أقصى وأقسى اليمين ممثلاً بليبرمان. كل هذا يعني أن القرار السياسي الإسرائيلي سيكون حتى الانتخابات التشريعية المقبلة سواء كانت في وقتها أو على الأرجح مبكرة مشلولة كل حزب وكل مسؤول فيه سيعمل وكأن الانتخابات غداً، لذا يجب وضع كل قرار في ميزان الشعبية. القرار السياسي متى أصبح خاضعاً لهذا الميزان، يعني تهميش الحسابات العقلانية. باختصار، فإن ذلك يعني تحصن السياسيين في مواقعهم وغياب رجال الدولة عن المسرح السياسي.
رغم أن ايهودا أولمرت كان رئيس الوزراء الذي شن حرب تموز 2006 وكانون الثاني 2009، وما وقع خلالهما من جرائم ضد الانسانية، فإنه نجح في الانفصال عن حلم أرض إسرائيل الكبرى، سواء في المفاوضات مع الفلسطينيين التي وان بقيت مفاوضات من أجل المفاوضات لانها قامت واستمرت على هذا الثابت من جهة، ومن جهة أخرى، وضع البداية عبر المفاوضات غير المباشرة مع سوريا لقيام سلام إقليمي أساسه حدود 1967.
أمام أولمرت حالياً 42 يوماً من السلطة يستطيع أن يقرر خلالها ما يقرره. الامتحان الكبير أمام أولمرت هو مشروع اتفاق للتهدئة مع حماس في غزة يتضمن إطلاق سراح سجناء فلسطينيين والأسير الإسرائيلي شاليط وفتح المعابر وطبعاً وقف العمليات العسكرية. أما بالنسبة للمفاوضات مع دمشق فإن الأمر أصعب لأن المفاوض السوري لن يعطي لمن يغادر السلطة في وقت القادم اليها هو اليمين المتطرف الذي لا يريد المفاوضات أصلاً.
السؤال الأساسي ماذا بعد أولمرت؟
ليفني محكومة بمراعاة مواقف حلفائها. من الصعب جداً أن تشكل حكومة مع حزب العمل وميرتس والعرب يجب انضمام حزب شاس الى هذا التجمع. في هذه الحالة يمكنها أن تتابع مسار أولمرت في المفاوضات مع الفلسطينيين ودمشق، خصوصاً وانها رفعت شعاراً وسطاً في الحملة هو أرض إسرائيل ليست ملكاً لليمين والسلام ليس ملكاً لليسار. أما إذا اندفعت بسبب موازين القوى نحو التحالف مع نتنياهو وشاس فإن حركتها ستكون مقيدة.
نتنياهو بدوره يمكنه تشكيل حكومة يمينية لكنه ماذا سيفعل، فرض السلام الاقتصادي على الفلسطينيين؟ ربما لفترة مرحلية محصورة بالتهدئة، بعد ذلك يعود الى البداية يضرب ليخيف فيخاف منه العالم المتوجس قلقاً منه أصلاً. نتنياهو مشروع حرب. إذا لم يستطع أن يفعلها ضد الفلسطينيين، استدار نحو الجبهة الشمالية فإذا فشل في افتعالها انتظر بفارغ الصبر للاندفاع بعيداً نحو إيران.
هنا، ما هي خيارات العرب والأهم واشنطن ـ أوباما.
الاعتدال العربي الذي تقدم على الجبهة العربية سيضطر للانكفاء أمام التطرف الإسرائيلي، لا مكان للاعتدال في مواجهة التطرف. انه علامة ضعف تدفع الخصم لمزيد من توجيه الضربات. جبهة الممانعة، ستصرخ عالياً أنها استشرفت المرحلة باكراً ولذلك يجب الاصطفاف معها، مشكلة هذه الجبهة أنها بلا إستراتيجية ولا حتى تكتيك. خطابها الصوتي أعلى بكثير من أفعالها. الأخطر أنه جرى من زمن بعيد توظيف الممانعة في خدمة تحسين الشروط والمواقع في المفاوضات والمقايضات. في ظل توقف المفاوضات ماذا ستفعل؟
هل يمكنها شن حرب. من المؤكد انها عاجزة عن ذلك خصوصاً أن قرار حزب الله في الاندفاع على هذا المسار يبقى محكوماً بكثير من الحسابات الداخلية والعلاقات الإقليمية. اما دمشق فإنها في زمن الحروب والمقاومة لم تدخل حرباً ولا مقاومة، فكيف يمكنها فعل ذلك في هذه الحالة حيث لا محرمات ولا خطوط حمراء أمام الإسرائيلي والمشروع الاول والكبير لليمين المتطرف سواء كان علنياً أم ضمنياً هو تهجير عرب 1948 الى خارج إسرائيل.
يبقى ماذا ستفعل واشنطن ـ أوباما؟ رغم كل هذا الاندفاع الإسرائيلي نحو اليمين المتطرف فإن ليفني كسبت في الأيام الأخيرة مزيداً من الأصوات التي رجحت كفتها على نتنياهو والليكود عندما اقنعت جمهوراً عريضاً من الإسرائيليين بأنها ستعمل بصورة أفضل مع الرئيس الأميركي باراك أوباما.
هذا التحول يعني انه في وسط إعصار الجنون الذي يضرب المجتمع الإسرائيلي يوجد نقطة محورية لا يمكن للإسرائيليين إلا اخذها بعين الإعتبار وهي واشنطن وسياستها وقراراتها. ما يعني أن موقف الرئيس الأميركي باراك أوباما مركزي في أي قرار إسرائيلي. بهذا يتحمل أوباما مرة أخرى مسؤولية أساسية وحتى تاريخية. يستطيع أوباما أن يضع خطاً أحمر أمام أي حكومة إسرائيلية. حتى ولو كانت إسرائيل أكبر الولايات الأميركية نفوذاً في واشنطن، فإن الأمن القومي الأميركي يبقى عند اتخاذ القرار في البيت الأبيض هو الأساس.
أخيراً ماذا عن لبنان؟
للأسف موقع لبنان يجعله في وسط هذا الإعصار القادم. من جديد ستحاول كل قوة في المنطقة استعراض قواها ولو الصوتية، لبنان يبقى أهم ساحة لهذه الاستعراضات، خصوصاً إذا كانت دمشق بلا مفاوضات ولا مقايضات. لذلك إذا كان الحذر مطلوباً من اللبنانيين قبل الانتخابات الإسرائيلية، فإنه بعدها أصبح واجباً.
في النهاية نخسر امننا واستقرارنا وغيرنا يربح في رفع رصيده التفاوضي ان لم يكن غداً فبعد الغد.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00