لم يعد السؤال متى يبدأ الحوار بين واشنطن وطهران. الحوار بدأ. السؤال الواقعي والطبيعي هو: متى ستبدأ المفاوضات؟ وما هي السلة التي سيتفاوض عليها الأميركيون والايرانيون ملفاً ملفاً؟.
ثلاثون عاماً مرت على الثورة في ايران، وثلاثون عاماً من القطيعة مع الولايات المتحدة الأميركية، وقعت خلالها مواجهات مباشرة وبالواسطة. اصبحت خلالها الجمهورية الاسلامية في ايران محوراً للشر. في حين تحولت الولايات المتحدة الأميركية الى الشيطان الأكبر. هذه الاتهامات المتبادلة والمواجهة السياسية والميدانية لا يمكن القفز فوقها بين ليلة وضحاها، العلاقات أصبحت أكثر تعقيداً، خصوصاً وأن علاقاتها السابقة كانت قائمة على زواج شرعي متين.
ديبلوماسية البينغ ـ بونغ
ديبلوماسية البينغ ـ بونغ، كان لا بد منها بين واشنطن وطهران للتلاقي في منتصف الطريق أو على الأقل فتح الأبواب على بعضها البعض. الرئيس المتشدد أحمدي نجاد قام بمبادرة استثنائية بارسال برقية تهنئة للرئيس الأميركي المنتخب. رغم اتصالات سرية قبل الانتخابات قد جرت بين مقربين من أوباما ـ المرشح والسلطات الايرانية، الا ان ردود الفعل الصوتية جاءت قوية. بسرعة جرى امتصاص ردود الفعل، خصوصاً وانه لم يكن مناسباً اقحام أوباما بهذه السرعة في هذا المسار المتحول والمفترض عن مسارات القطيعة الطويلة. الارباك لم يكن أحادياً. نجاد نفسه أدرك انه تسرع في مبادرته خصوصاً وانه لم يحضر أوساطه المتشددة لها. رغم ذلك فإن المبادرة كشفت مسارات الرأي العام الايراني وقواه وأحزابه حول الحوار مع واشنطن واقامة علاقات طبيعية معها.
بعد النجاح المشترك في امتصاص ردود الفعل في العاصمتين وتسلم أوباما الرئاسة رسمياً، بدأ تبادل الكرات بسرعة ودقة.
* نجاد وجه كرة في أهم مناسبة وهي الاحتفال بعيد الثورة الثلاثين. قال في خطاب الذكرى طهران تريد حواراً في اطار من الاحترام المتبادل التغيير الحقيقي يجب أن يكون جوهرياً وليس تكتيكياً.
* رد أوباما على كرة نجاد بأحسن منها فقال في مؤتمر صحافي: ان الامكانية متوافرة على الأقل لقبام علاقة من الاحترام المتبادل.ان تعيين جورج ميتشل مبعوثاً للشرق الأوسط يؤكد اننا نريد التغيير.
الكرتان المتبادلتان أخرجها حالة الحوار المفترض من سياسة العصا والجزرة، ووضعنا اطاراً واضحاً للحوار هو الاحترام المتبادل.
*علي لاريجاني رئيس مجلس الشورى الحالي ورئيس مجلس الأمن القومي والمسؤول عن المفاوضات حول الملف النووي سابقاً، قذف بالكرة الثانية باتجاه مرمى واشنطن فقال: مطلوب نقطة انطلاق حقيقة.
* باراك أوباما الذي يعرف جيداً موقع لاريجاني وتوجهه الطليعي لاقامة الحوار مع واشنطن، رد بنفسه بكرة ميدانية قائلاً: ان الفريق المسؤول عن الأمن القومي يبحث عن مقاربة جديدة، وقد حان الوقت الآن لكي تبعث ايران مؤشرات تثبت بأنها تريد التصرف بطريقة مختلفة.
* بسرعة رد لاريجاني الكرة فقال: مطلوب مقارنة غربية جديدة. يجب تغيير استراتيجية العصا والجزرة التحفيز الايراني هنا شمل أوروبا التي طالبت بتوقيع عقوبات أكبر على ايران اذا رفضت وقف نشاطها النووي.
* أيضاً قام أوباما برمي كرة من بعيد هدفها المطالبة بالتغيير الاستراتيجي مقابل التغيير الغربي فقال: لدينا هواجس عقلانية عميقة حيال ايران عليهم أن يدركوا ان تحويل منظمات ارهابية غير مقبول ونحن واضحون في أن ايران نووية قد تؤدي الى سباق تسلح في المنطقة سيكون مزعزعاً كثيراً للاستقرار.
*هذه المرة تعمد لاريجاني ان تكون كرته قصيرة لكن مباشرة جداً: نطالب واشنطن بتغيير شامل وانقلابي للمباراة من حلبة الملاكمة الى رقعة الشطرنج.
مرحلة تجميع الأوراق
من الواضح ان نقطة بداية قد وضعت من واشنطن وطهران لمسار طويل. الرئيس الأميركي وعلى قاعدة الواقعية الشديدة التي يتميز بها رأى ان الجلوس على طاولة المفاوضات المباشرة لن يتم غداً وانما، يتطلب عدة شهور اذ تراكم الكثير من عدم الثقة على مر السنين والحلحلة لن تحصل بين ليلة وضحاها.
بعد كرات البنغ ـ بونغ المتبادلة، فإن الشهور الطويلة القادمة ستكون حافلة لاختبارات ميدانية. مرحلة شراء الوقت انتهت ايرانياً. وقد حققت فيها نجاحاً ملحوظاً. انتهت ولاية جورج بوش الرئاسية ولم تقع كارثة الحرب العسكرية، كما نجحت طهران في المفاوضات بالنار حيث هي متواجدة. العراق كان أبرز الساحات وقد أثبتت طهران انها قادرة متى أرادت على لعب دور ايجابي وعلى تنفيذ التزاماتها بدقة. الآن بدأت مرحلة تجميع الأوراق من الطرفين لابرازها خلال المفاوضات طلباً لتحسين كل طرف موقعه التفاوضي.
طهران أجّلت الانتخابات الرئاسية حوالي ثلاثة اشهر حتى تقرر كيفية التعامل مع الرئيس الأميركي المنتخب بناء على نهجه وليس اسمه. واشنطن حالياً اعتبرت ان الحوار يتطلب عدة أشهر من التحضير لمعرفة من هو الرئيس الايراني المنتخب، لأن هوية الرئيس في ايران تحدد خريطة الطريق التي سيتبعها الإيرانيون في الحوار والمفاوضات معهم، وبدت واشنطن واضحة جداً في هذا التوجه عندما كشف مسؤول أميركي بعد المؤتمر الصحافي للرئيس: نحن نتابع من كثب تطورات الانتخابات الإيرانية ونحن لا نريد القيام بأي خطوة قد تفيد المتشددين ومرشحهم نجاد. العقدة في كيفية التفاوض، لأن نجاد يعتبر إيران قد أصبحت قوة عظمى اما خاتمي وان كان لن يشكل انقلاباً في القرار الإيراني لكنه بالتأكيد سيكون أكثر واقعية ومرونة.
يقتضي الجلوس على طاولة المفاوضات أشهراً والمفاوضات تتطلب أشهراً أكثر. ترجمة ذلك أن المصالحة إذا حصل اتفاق لن يقع بين واشنطن وطهران على الأرجح خلال عام 2009. لذلك يجب انتظار أيام حارة أحياناً. لكن هذه الحرارة ليس الهدف منها تفجير الجسور وصهر حديدها، وانما لأن لكل شيء مقدماته وصولاً الى النتائج المطلوبة.
علي لاريجاني يزن بدقة ما يقوله. لذلك لم يطلب الانتقال من حلبة الملاكمة الى رقعة الشطرنج عن تسرع أو جهل وانما عن معرفة ودقة. الشطرنج اختراع فارسي، وقواعده معروفة جداً منهم. في الملاكمة الهدف توجيه أقوى الضربات واعنفها للخصم لإسقاطه بالضربة القاضية أو الربح عليه بالنقاط. بعد ثلاثين سنة من الملاكمة لم يصل الخصمان الى الجولة الاخيرة. ويبدو أن كلاً منهما أدرك أن البقاء على الحلبة أصبح عبثياً.
اللعب على رقعة الشطرنج مسألة اخرى. الإيرانيون يعرفون جيداً مثلهم في ذلك مثل الأميركيين. أن الهدف الاول لمباراة الشطرنج إطاحة الشاه، أو التوصل الى التعادل. للوصول الى هذا الهدف أو ذاك، يجب التضحية ببيادق وفيلة وأحصنة أو قلعة وأحياناً تقع التضحية الكبرى وهي بالملكة.
اللعبة ستكون طويلة وصعبة وقاسية وأحياناً مؤلمة خصوصاً إذا جاءت في وقت لا يمكن التهرب من مفاعيلها.
السؤال: بمن سيضحي الإيرانيون والأميركيون أولاً ولاحقاً؟
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.