8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

معاناة الغزّاويين واستحالة وصول المساعدات في غياب حكومة مقبولة تطلق قطار الاتفاق

قطار الوفاق وربما الوحدة الفلسطينية الفلسطينية، انطلق. يجب الانتظار حتى أواسط آذار للتأكد من نجاح هذه الانطلاقة. القمة العربية التي ستعقد في الدوحة في 22 الشهر القادم آذار، ستشكل المحطة الحقيقية لاختبار مدى نجاح المصالحة وتنفيذ الوفاق الفلسطيني الفلسطيني. مرة أخرى يظهر الفلسطينيون بفصائلهم المجتمعة أنهم آخر من يملك قرارهم الوطني المستقل الذي طالما ناضل الرئيس الراحل ياسر عرفات لامتلاكه.
المصالحات العربية العربية فتحت الباب نحو نجاح محطة القاهرة في إنجاز انطلاق الحوار الفلسطيني الفلسطيني الذي في أساسه حوار بين حركتي فتح وحماس. من دون الحوار بين الحركتين حالياً لا معنى لكل الحوار، لأنهما عمودا الخيمة الفلسطينية، مهما كان حجم ووزن كل الفصائل الأخرى فلسطينياً وعربياً واقليمياًَ.
الدور المصري الفاعل
حرب الرصاص المسكوب الإسرائيلية، فرضت معادلات جديدة لا يمكن التحرك خارجها. المكابرة بدعوات الانتصار الإلهي لا تغيّر شيئاً من الواقع. اعتدال حركة حماس واضح جداً، واستعداد حركة فتح للدخول في حوار من دون شروط مسبقة أيضاً واضح. الدور المصري أيضاً كان فاعلاً ومؤثراً لأنه لم يسقط في مستنقع الإحباط. استمر وتواصل لأن خروج الفلسطينيين من المستنقع الحالي يريح الأمن القومي المصري. أسباب عديدة وراء هذا الحوار الفلسطيني وهي بدون أولويات:
[ إن الصقور في حركة حماس جنحوا نحو الاعتدال. لا يمكن فصل هذا التطور عن انطلاق قطار الحوار وتولي محمود الزهار صقر الصقور المفاوضات التمهيدية ووجوده الى جانب موسى أبو مرزوق نائب رئيس الحركة خالد مشعل وغياب الأخير يؤكد هذا التحول.
[ إن استشهاد الريان وصيام في الحرب اللذين كانا يشكلان مع الزهار ترويكا التشدد داخل حماس، قد غيّر من التوازنات داخل الحركة نفسها. الزهار استوعب المتغيرات وأخذ بموازينها الجديدة.
[ لم يعد بوسع قيادة حماس في الداخل قبل الخارج الاستمرار في التشدد والتشديد على أخذ كل شيء أو لا شيء، أمام الوضع الشعبي الغزاوي. لقد دفع الغزاويون أغلى الأثمان في الحرب بصمت، بصمودهم وتعلقهم بالأرض حققوا الكثير. مهما بلغت دعاوى حماس بالنصر الإلهي، فإن الغزاويين هم أصحاب النصر. لذلك لا يمكن المزايدة عليهم بالدعوة الى مزيد من الصمود والصبر. هذا الوضع يفرض على حماس وقيادتها الممسكة بالقرار في غزة معالجة حاجاتهم اليومية العادية والمستجدة بعد الحرب.
من ذلك أن بقاء أهل غزة بدون إعادة بناء البنى التحتية وإعادة إعمار المنازل التي دمرت أو تضررت غير مقبول. طالما الحصار قائم، لا يمكن المباشرة بتحقيق ولو اليسر اليسير من حقوق أهل غزة على حماس. هذا العامل هو الضاغط يومياً على حماس أفراداً وكادرات وقيادات. لا يمكن لكل هؤلاء إغماض عيونهم عن نظرات أهل غزة لهم ومطالبتهم بأدنى الحاجات اليومية لعائلاتهم وأولادهم.
[ مهما كان حصار غزة غير عادل وغير إنساني فإنه قائم ومستمر خصوصاً إذا ما استمر عزل حماس دولياً. ولذلك لا بد لـحماس من العثور على حل مقبول يسمح بدخول احتياجات الغزاويين أولاً ومن ثم بالمساعدات المالية ـ الملحة. للأسف غزة غير لبنان بحدوده المفتوحة على الخارج وهطول المال النظيف والمساعدات العربية والدولية عليه أنتجت جواً لبنانياً ايجابياً. استمرار الوضع الحالي على حاله في غزة أشهراً أخرى لا بد أن ينتج إحباطاً ورفضاً لكل خطابات الصمود والتصدي.
[ ثبت فشل محاولة استبدال منظمة التحرير الفلسطينية بأي صيغة أخرى. حالياً أي محاولة من هذا النوع ستؤدي الى ضرب الإنجاز التاريخي للقضية الفلسطينية. لكن مسألة تطويرها وتحديثها وإدخال دماء جديدة والأخذ بكل ما استجد على الساحة الفلسطينية في سنوات ما بعد اتفاق أوسلو ضروري وملحّ ومطمئن. لا يمكن لمنظمة التحرير الفلسطينية أن تكون ممثلاً لكل الشعب الفلسطيني، وحركتي حماس والجهاد ليستا في قلبها وفي مؤسساتها مهما تكن الخلافات عميقة، فقد أصبح لحركة حماس وجوداً فلسطينياً حقيقياً يجب أن يُمثّل.
انضمام حماس الى المنظمة ضروري
إعادة تركيب وليس فقط تحديث المنظمة مطلوب اليوم قبل الغد. بهذا تكون الوحدة الفلسطينية وتعود الخلافات الى داخل البيت الفلسطيني.
[ لا يمكن أيضاً للفلسطينيين مهما كانت انتماءاتهم التغافل بأن قضيتهم وإن لم تكن يوماً خارج الصراعات العربية ـ العربية إلا أنها لم تصل الى هذه الدرجة حالياً من تعمق الانخراط الفلسطيني وانزلاقه نحو الدخول في تجاذبات اقليمية أوسع هم فيها ملف من الملفات المعدة للتفاوض.
ويبدو هذا التحول الكبير واضحاً، كما يرى العديد من المصادر أن حرب الرصاص المسكوب التي حضَرت لها إسرائيل منذ عدة أشهر، لم تكن لتنفجر في هذا التوقيت لولا العامل الاقليمي. من ذلك أن تشدد حماس وإصرارها على إطلاق الصواريخ وعدم الدخول في التهدئة والأخذ في الاعتبار الحالة الاسرائيلية المعقدة على وقع الحاجات والضرورات الانتخابية، إنما يعود الى أن طهران رأت في تحول المفاوضات السورية ـ الإسرائيلية غير المباشرة الى مفاوضات مباشرة خطراً على استراتيجيتها بالكامل سواء في ما يتعلق بالصراع العربي ـ الإسرائيلي أو اقتراب مرحلة الدخول في الحوار والمفاوضات مع واشنطن، ما ساهم بالدفع نحو انفجار الحرب. وفي محاولة لتأكيد هذا القرار الإيراني، فإن المصادر نفسها تتساءل عن دقة توقيت الحرب مع موعد لقاء ايهود أولمرت مع وزير الخارجية السوري وليد المعلم والتفاوض مباشرة في هذا السياق.
ماذا عن دمشق وتل أبيب؟
يبدو أن دمشق وجدت في الحرب مخرجاً لها، إذ لا يمكن مساءلتها عن فشل المفاوضات أمام باريس ولا واشنطن، وفي الوقت نفسه نجحت في بيع طهران بأنها بقيت على التزامها ووعدها بأن تبقى المفاوضات من أجل المفاوضات.
أما بالنسبة للإسرائيليين فإن التنافس على الانتخابات فرض الإسراع بالدخول في الحرب. وبعد أن كان الليكود وزعيمه بنيامين نتنياهو متقدماً بعدة نقاط تراجع وفي النهاية تقدم كاديما وليفني بمقعد واحد. كما ساهم كل ذلك في تأجيل المفاوضات الى حين وضوح موقف الرئيس الأميركي باراك أوباما من عملية السلام في الشرق الأوسط خصوصاً على صعيد أولية المسارات فيها.
يجب أيضاً القول بأن كل ما حصل أجبر إسرائيل القبول ميدانياً بوجود حماس خصوصاً وأن حصارها دولياً يتهاوى يوماً بعد يوم، وأنها خسرت بالخلاف مع الحليف الاستراتيجي تركيا، وهذه الخسارة قاسية وعلى إسرائيل العمل كثيراً لإصلاح ما أفسدته. خصوصاً وأن رجب طيب أردوغان وضع اليمين المتطرف ممثلاً برئيس الوزراء المكلف بنيامين نتنياهو أمام السؤال الصعب جداً وهو: هل ستعترف بدولة فلسطينية مقابل مطالبتك حماس بالاعتراف بإسرائيل.
سواء جرى الوفاق الفلسطيني ـ الفلسطيني لأن الفلسطينيين هم بحاجة الى التفاهم والمصالحة أو لأن رموت كونترول المصالحات العربية ـ العربية قد حققه، فإن لبنان يستفيد من هذا. لا يمكن فصل الحالة الفلسطينية عن الوضع اللبناني، فهما متلازمان في السراء والضراء معاً. المصالحة الفلسطينية ـ الفلسطينية تعني الهدوء والاستقرار في المخيمات الفلسطينية لأنها تبقى في قلب الهموم اللبنانية. هذه المصالحة تشكل عاملاً إضافياً للبنانيين بالتفاؤل، بأنهم أيضاً سيعرفون مزيداً من الاستقرار.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00