سقوط الحل الاقتصادي العزيز على قلب بنيامين نتنياهو والرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي كان مدوياً في قمة شرم الشيخ ـ الحل للصراع الفلسطيني ـ الاسرائيلي يكون حلاً سياسياً أو لا يكون. أيضاً من المهم جداً أن تكون طلقة الرحمة على هذا الحل قد جاءت من الرئيس المضيف للمؤتمر الرئيس حسني مبارك ورئيس السلطة الوطنية الفلسطينية محمود عباس.
هذا السقوط الكبير، ليس يتيماً. الكشف علناً عن تشديد اسرائيل لقبضتها في خنق الغزاويين وتجويعهم وأن يكون بان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة، صاحب الصرخة الانسانية ضد ذلك مهم جداً. أن يقول مون ان السلع الأساسية غير مسموح لها بالدخول الى غزة وذلك بعد ستة أسابيع من انتهاء الحرب مثلها مثل موظفي الاغاثة الانسانية يعني أنه لم يعد مسموحاً ولا مقبولاً الصمت عن الممارسات غير الانسانية لاسرائيل. الأميركيون أنفسهم لا يستطعيون معارضة هذه المواقف. جون كيري السيناتور القريب من الرئيس باراك أوباما، رأى بعينيه منع شاحنات تحمل المعكرونة من دخول غزة لأنها غير مصنفة من المساعدات الانسانية.
العجز السياسي وغياب التكتيك
اسرائيل تحاصر غزة باسم الأمن. وهي تحاصر نفسها بنفسها، بسبب عجزها السياسي الكامل. الاسرائيليون اختاروا بأنفسهم هذا العجز. ربما نظامهم الانتخابي ساهم في ذلك. لكن الأهم انزلاقهم نحو اليمين المتطرف. رفع منسوب هذا العجز بعد الانتخابات الأخيرة، ظهر الاسرائيليون وكأنهم يعيشون في جزيرة لا علاقة للعالم يهم. حتى لو كان ذلك صحيحاً. فإن للعالم علاقة بما يفرزه الصراع الفلسطيني الاسرائيلي من استيلاد للعنف يومياً، وبوتيرة ترفع من حجم التطرف الذي يعنيه بحيث لم يعد بامكان التغافل عنه وعن مسبباته ومسببيه.
لا يمكن للاسرائيليين رفض قبول قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة على الضفة الغربية وقطاع غزة مع أن مثل هذا الرفض يبقي النار مشتعلة. عثور بنيامين نتنياهو على حل سحري لا يصدقه أصغر طفل في العالم قبل الفلسطيني بأنه في امكان الفلسطينيين أن يحكموا من غير أن يشكلوا تهديداً لنا، محاولة لاطفاء النار بالكلمات. المطلوب افعالاً لأن الفلسطينيين يجب أن يحكموا دولة لها حدودها وسيادتها واستقلالها. هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية قالت ما يجب أن يقال وهو قيام دولة فلسطينية مستقلة قادرة على البقاء في الضفة وغزة.
كيف ستهرب اسرائيل من هذا المأزق الذي دخلت فيه بإرادتها؟.
الدخول في حرب كما كان يحصل في السابق صعب جداً، وربما مستحيل. الحرب لم تعد نزهة. حتى الحرب ضد غزة لم تكن نزهة. خسائر اسرائيل العسكرية محدودة جداً لكن خسائرها السياسية كبيرة جداً. الدليل هذا الكلام المتزايد عن العنف غير المبرر ضد الفلسطينيين المدنيين. ومن الطبيعي أيضاً أن حرب جديدة ضد غزة ستزيد من المعارضة الدولية لذلك علماً ان اسرائيل خسرت كثيراً في تحويل حماس الى مانع، لا يمكن نفيه، أما الحرب ضد لبنان فإنها عسكرياً مكلّفة جداً لما يجب التعامل مع اليونيفيل وتجاوز الخط الأزرق بكل ما يعني ذلك من اصطدام مع المجتمع الدولي قبل المواجهة مع المقاومة.
تبقى ايران. بدون موافقة أميركية وحتى مشاركة غير مباشرة (ضمان حرية المرور للطائرات الاسرائيلية) فإن اسرائيل غير قادرة على شن الحرب. واشنطن ـ أوباما لن تقبل بذلك، لدى أوباما روزنامة مختلفة جداً عن طبول الحرب الاسرائيلية.
الحل اذن انتظار اجراء انتخابات مبكرة خلال هذا العام أو في مطلع العام القادم. معنى ذلك تجميد الزمن فوق براكين تغلي، وملفات أميركية ودولية لا يمكن تأجيل حلولها ولو أشهر.
المشكلة ليست اسرائيلية فقط. المشكلة أيضاً فلسطينية. لم يعد ممكناً تغييب حماس عن أي حل فلسطيني ـ فلسطيني، واسرائيلي ـ فلسطيني. حماس أصبحت جزءاً من المعادلة، بدونها تختلّ هذه المعادلة. غيابها عن مؤتمر شرم الشيخ كان واضحاً بأنها الغائب ـ الحاضر.
غياب التكتيك القاتل
تشدد حماس أمام الحلول، يبدو وكأنها حركة لا تعرف قاعدة أساسية وهي أنه لا وجود لاستراتيجية بلا تكتيك يخدمها ـ الاستراتيجية ثابتة والتكتيك متحرك، بهذا الموقف دخلت حماس قفصاً صنعته بنفسها. هذا الوضع ينتج حصاراً لها الخاسر الكبير فيه أهل غزة. ماذا لو ربحت حماس الاعتراف بها، وخسرت صمود الغزاويين معها.
هذه الاستراتيجية مهما كانت مشروعة، تصبح تحت السكين مع إلغاء التكتيك الذي يخدمها وينفذها. الأخطر أن هذه الحالة تخدم اسرائيل خصوصاً التطرف اليمين الاسرائيلي. نتنياهو وليبرمان يفضلان استمرار حماس في هذا الموقف خصوصاً وانهما يسوقان شعارهما: حماس والسلام لا يتفقان.
الاستمرار في هذا التموضع يقود الى تعفن الوضع كله وخصوصاً على الصعيد الفلسطيني، ويسمح للاسرائيلي بقضم الأرض تدريجياً والمطالبة بالأخذ بالواقع الجديد القائم على الأرض في أي مفاوضات، اي القبول بالمستوطنات وصولاً الى مشروع قيام دولة اذا ما قامت على نصف الضفة الغربية فقط.
اخطر من كل ذلك، أن استمرار هذه الحالة يعني فصل غزة عن الضفة الى ما شاء الله. ربما لا يستطيع أحد أن يقدم هدية للاسرائيليين وخصوصاً لليمين المتطرف الاسرائيلي افضل وأثمن منها. فهل يعوض قيام امارة اسلامية في غزة، عن هذا الفصل القاتل؟
من الواضح جداً ان كل شيء يتوقف على الموقف النهائي للرئيس الأميركي باراك أوباما. السؤال الكبير هو الى أي حد يستطيع أوباما خرق الواقع الذي صاغه الرؤساء الأميركيين السابقين وخصوصاً جورج بوش. بحيث يملك الجرأة الكاملة لأن يقول للاسرائيليين دون أن يفك تحالفه معهم: لم يعد ممكناً في ظل الوضع الاقتصادي الدولي وتنامي الارهاب، ترك الوضع يتعفن بهذه الطريقة وبهذه السرعة. يجب القيام بعمل ما.
العرب قدموا حالياً ما يجب تقديمه. مصر تحتضن عملية المصالحة بين الفصائل الفلسطينية وخصوصاً بين فتح وحماس، رغم أن موقفها الحقيقي معروف من حماس والسعودية قدمت مع العرب ما يعادل كل ما قدمته الدول المانحة لغزة، وما زال العرب بانتظار جواب على مبادرتهم.
يبقى اذن ماذا ستقدم حماس ـ ولو من باب التكتيك المستولد ـ من جهة، واسرائيل حتى لا يبقى العالم معلقاً كله فوق نار مشتعلة؟
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.