الحوار بين واشنطن ودمشق بدأ في اللحظة التي حصل فيها اللقاء اللطيف جداً بين هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأميركية ونظيرها السوري وليد المعلم خلال أعمال مؤتمر شرم الشيخ. انتهت مرحلة الاستطلاع التي تولاها نوّاب أميركيون، كان أبرزهم وأهمّهم جون كيري بسبب قربه من الرئيس باراك اوباما، فقد كان عرّابه في المرحلة التمهيدية للانتخابات الرئاسية، ومازال الاقرب الى اذنيه.
هذه البداية تبدو مشجعة، لكن من الواضح أنّها بداية مدروسة جداً وهي قائمة على ثوابت، الحوار حولها يجب أن ينتج عنه التوافق، ومتغيّرات التفاوض حولها ممكن ومنتج، لأنه من الطبيعي التنازل عن مطلب طلباً للحصول على مطلب آخر حسب أولويات كل طرف من الطرفين.
زيارات وملفات
كل طرف من الأطراف المعنية أو المنخرطة مباشرة في لعبة الكلمات المتقاطعة الدائرة حالياً، يجمع أوراقه وملفاته علناً ليرفع بها رصيده التفاوضي أمام خصمه ومحاوره في الوقت نفسه، من ذلك أنّه لا يمكن فصل زيارة هاشمي رفسنجاني، رئيس مجلس الخبراء الايراني للعراق عن خطة الانسحاب العسكري الأميركي من العراق، ولا عن زيارة رئيس الوزراء السوري محمد ناجي عطري إلى طهران، ولا زيارة الرئيس جلال طالباني إلى إيران في وقت بدأ العد العكسي للانسحاب الأميركي، مما يتطلب تحديد مستقبل العلاقات بين الجارين من جهة والكشف من جهة أخرى عن توقف القصف الإيراني على الحزام الجغرافي الكردي على الحدود العراقية ـ الايرانية، وهو ما يؤكد وجود حرب غير معلنة تدور في تلك المنطقة إلى جانب الحرب التركية ـ الكردية العلنية.
في هذه اللحظة الفاصلة بين مرحلتين: العصا والجزرة، من الطبيعي حصول نوع من القلق لدى الأطراف، سواء في مواجهة الخصوم أو حتى مع الحلفاء. واشنطن تسعى لقلب صفحة أساسية للدخول في رقصة التانغو. من الضروري القول انّ واشنطن لا تفعل ذلك لأنها تفضّل التانغو على الملاكمة مهما كان أخصامها محدودي القوّة والحضور، وإنما لأنها تحتاج ذلك. فقد دقّ جرس التغيير على خلفية واقع مرّ مجسّد بالأزمة الاقتصادية وضرورة إنهاء الحرب في العراق للاندفاع باتجاه المركز للحرب ضد الإرهاب في افغانستان.
دمشق تبدو مرتاحة جداً، مع انخفاض الضغوط الايرانية عليها بعد انخراطها جدياً في مفاوضات غير مباشرة مع إسرائيل التي كادت تتحوّل إلى مباشرة مع لقاء اولمرت مع المعلم كما كان متفقاً عليه لولا الحرب الإسرائيلية ضدّ غزة. انخفاض هذه الضغوط لم يأت من موقف سوري رافض، وإنما لأن اليمين المتطرّف الإسرائيلي ممثلاً بالثنائي بنيامين نتنياهو وافيغدور ليبرمان لن يستعجل المفاوضات لأنه لا يبدو مستعداً لإعادة الجولان كما تطالب دمشق.
مصلحة دمشق أوّلاً!
طهران لم تخف مطلقاً حذرها من دمشق وتحذيرها لها من الانخراط في المفاوضات مع إسرائيل. قلق طهران كان مشروعاً، لأن دمشق قادرة على التفاوض على كل شيء. لا يوجد لدى دمشق ثابت دائم سوى مصلحة دمشق. كلام نائب الرئيس الايراني برويز داوودي واضح حداً إذ قال لدى زيارة العطري: يجب التحلي بدرجة كبيرة من الحذر واليقظة في القضايا السياسية المتعلقة بنيل حقوق شعب فلسطين وغزة. مكائد العدو ستكون سياسية. دمشق كانت تدافع عن نفسها أمام طهران بأنّ المفاوضات الجارية هي للمفاوضات. لا يبدو أن طهران كانت مقتنعة بذلك. الآن، يمكن لدمشق أن تفاوض واشنطن وهي مرتاحة إلى أن ظهرها ما زال محميّاً من إيران خصوصاً وأنّ لها مصلحة أساسية في الإبقاء على دمشق حليفة لها.
[ دمشق كما ترى طهران تقف على الخط الأمامي في جبهة الصمود والمقاومة. ترجمة ذلك ان دمشق هي خط الدفاع الأول عن طهران، وهو خط مهم جداً لبقاء إيران على تماس مباشر مع الفلسطينيين من الجانبين اللبناني والفلسطيني معاً.
[ طهران ومعها دمشق تعرفان جيداً لأنه ليس سرّاً ان الولايات المتحدة الأميركية وهي تدخل غمار رقصة التانغو، لن تنسى بأن الإيراني يريد من جهته اللعب على رقعة الشطرنج، لذلك كله حيث لا يسود التناغم والتفاهم في الرقص من الضروري القيام بنقلات مدروسة لإطاحة أحجار الخصم. لذلك فإن واشنطن تريد استخدام عصا العقوبات الاقتصادية، باستثمار الوضع الاقتصادي في طهران ودمشق لمصلحتها، بحيث تكون ازمتها الاقتصادية سلاحاً فاعلاً بيدها، بدلاً من أن يجري الضغط عليها للإسراع بالحل بسبب ازمتها الاقتصادية والمالية. بهذا يتم تحويل الأزمة من ثغرة واسعة لدى المفاوض الأميركي إلى عامل ضغط قوي.
الخطوط الحمر الأميركية
واشنطن، كما يشدد الخبراء فيها قادرة على استثمار انخفاض سعر برميل النفط وتحويله إلى سلاح تضغط به على طهران، كما ان دمشق حسب التقارير الاميركية تعاني من تفاقم الأزمة المالية بما يعني من تأثير سلبي وقوي على الاقتصاد السوري ولذلك فإن دمشق تلح حالياً لرفعها بسرعة من لائحة العقوبات مما يفتح الباب أمام واشنطن مقايضة هذه العجلة السورية بمطالب إضافية.
دمشق وطهران تعيان خطورة وأهمية السلاح الاقتصادي لذلك أكد برويز داوودي نائب الرئيس الايراني، أنه مع توقيع الاتفاقات الاقتصادية بين البلدين فإنّ موقعهما سيرتفع في المفاوضات السياسية على الصعيد الدولي. هذا الإدراك المشترك القوي لأهمية تحالفهما في السياسة والاقتصاد يجعل الطلاق وحتى التباعد الإيراني عن دمشق والعكس صحيح حالياً، غير واقعي مهما بلغت نسبة وعود دمشق للعرب أو غيرهم بالتغيير مرتفعة. دمشق مثل المنشار تعمل دائما على القضم على خطين. المفاوضات مع إسرائيل وحدها هي التي يمكن بعدها العد عدّاً تنازلياً لامكانية حصول هزّة على خط العلاقات الإيرانية ـ السورية.
واشنطن وهي تضع خطوطاً حمراء تحت بعض مواقفها فإنها تؤكد معرفتها الجيدة على قدرة دمشق وطهران على التفاوض واللعب على الوقت لإنهاكها، خصوصاً وأنّ لكل واحدة منهما دوراً مكمّلاً للآخر.
مهم جداً أن هيلاري كلينتون وهي تلتقي المعلم ولو في لقاء قصير جداً تعلن ان الولايات المتحدة الاميركية تؤكد ان لبنان المستقل والآمن لن يكون على أي طاولة صغيرة أو كبيرة للتفاوض حوله أو عليه. هذا الموقف الأميركي يطمئن اللبنانيين لأنه يكاد يكون تعهداً يكتمل ويتثبت عندما يجلس الطرفان إلى طاولة المفاوضات، وهو يأتي في وقت مناسب جداً، أي إنشاء المحكمة الدولية واقتراب ساعة الصفر للصرخة الداوية محكمة.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.