هل الرد الايراني النجادي البارد على اليد الممدودة للرئيس الأميركي باراك أوباما، بارد فعلاً؟ وهل والد العروس الإيراني رفع قيمة المهر الذي يطالب به العريس حتى لا يزوجه ابنته أم أنه بالعكس من نوع: عرف الحبيب مكانه فتدلّل؟.
لو أن أوباما كان جورج بوش وقدّم هذا العرض لكانت المفاجأة أضخم من أن تصدّق. بوش لم يتكلم يوماً مع إيران إلا بلغة فوقية وتهديدية. أوباما بدأ التغيير أثناء حملته الانتخابية ثم أكدها خطوة خطوة مع أول خطاب له للأمة. أيضاً كل من له علاقة بالملف الايراني في واشنطن ساهم في تغيير اُسلوب التصرف باتجاه لغة تضمن الاحترام المتبادل. دنيس روس المعيّن لمتابعة ملف الخليج المتضمن ايران دون تسميتها، جرى تعيينه بعد أن غيّر خطابه. في السابق، كرر دائماً امكانية وحتى احتمال العمل العسكري لمنع إيران من حيازة السلاح النووي. قبل أقل من اسبوعين تحدّث روس عن ضرورة عدم فرض شروط مسبقة للحوار والضغط على ايران، هذا التغيير سبقته مقدمات وتوجهات معلنة وواضحة، انه تغيير بلا مفاجآت يمكن ملاحقته ببرودة وبلا ردود فعل مسبقة.
إيران قوة إقليمية وليس عالمية
مهما بلغ العداء بين واشنطن وطهران، فإن حلقة أساسية تجمعهما هي أن واشنطن كانت وما زالت منذ ثلاثة عقود تأمل وتعمل لاستعادة ايران اليها. الأميركيون لا يستطيعون تحمل ايران بعيدة عنهم خصوصاً في وقت يتشكل فيه العالم على قواعد جديدة واشكال مختلفة من التحالفات والتوازنات. الايرانيون يعرفون أيضاً انهم غير قادرين ولكن أيضاً غير راغبين بالاستمرار في مواجهة الطاحونة الأميركية، وهم الذين لا يستطيعون تغيير الجغرافيا التي جعلت روسيا جارة حدودية أقوى منهم سابقاً وحاضراً ولاحقاً. شعار لا شرقية ولا غربية كان مفيداً وحتى منتجاً في زمن الحرب الباردة، هذا الشعار لم يعد له موقع في عالم ما بعد انهيار الاتحاد السوفياتي. حالياً مهما بلغت طهران من قوة ـ بما فيها احتمال امتلاكها للقوة النووية العسكرية ـ فإنها لن تصبح قوة عظمى. كل ما يمكنها أن تكونه قوة اقليمية عظيمة لها حضورها ودورها في التحالفات التي ستتشكل في عالم متعدد الأقطاب بعد أقل من عقد من الزمن أو أكثر. لذلك عليها أن تأخذ بالاعتبار هذا الواقع، مهما بالغت في استعراض قوتها واستقلاليتها.
باراك أوباما موجود في قلب أزمات كل واحدة أكبر من الأخرى. من الأزمة المالية، الى حرب أفغانستان التي لا يمكن أن تربح عسكرياً ومن غير المقبول أن تنتج هزيمة حقيقية. تكرار تجربة فيتنام أو أفغانستان بالنسبة للاتحاد السوفياتي ممنوع، لأن الهزيمة لن تكون أميركية فقط، بل ستكون عالمية. تحويل أفغانستان الى مركز الحرب ضد الارهاب الدولي، يعني أن هزيمة الولايات المتحدة الأميركية والحلفاء تشكّل انتصاراً للارهاب الدولي الذي سيطال العالم كله، خصوصاً منطقة الشرق الأوسط.
أمام هذه التعقيدات من الطبيعي أن تكون طهران على علم كامل بأن اليد الممدودة لباراك أوباما لا يمكن أن تبقى ممدودة في الفراغ لفترة غير محدودة أو حتى طويلة. يجب حسم الخيار في طهران بسرعة. أقصى ما لدى القيادة الايرانية ـ خصوصاً مركز القرار المرشد آية الله علي خامنئي ـ حتى مطلع تموز المقبل، أي بعد انتخاب الرئيس الايراني سواء كان نجاد لولاية ثانية له أو انتخاب رئيس جديد. اظهار أوباما للحكمة والعقلانية وممارسة الواقعية أمام الأميركيين مقبول جداً وحتى مرحب به من غالبية واسعة. أما اظهار الضعف فإنه سيكون رصاصة رحمة على مشروع التغيير الأوبامي. لهذا كله فإن عرض أوباما محدود زمنياً.
طهران رغم التشدد الظاهر ومطالبتها اقتران الأقوال بالأفعال، ومن ذلك مراجعة الماضي والأخطاء تدرك معنى أن يتكلم الرئيس الأميركي بعد ثلاثة عقود من المقاطعة والحصار والتهديدات باللغة الفارسية، في أصل هذا التغيير خطوات ايرانية سابقة. في الثامن من أيار 2006 وجه الرئيس محمود أحمدي نجاد رسالة الى الرئيس الأميركي جورج بوش يقترح فيها وسائل جديدة لتخفيف احتقان العالم. في تلك المرحلة قيل أن نجاد التف على خطر هجوم أميركي محتمل ضد المشروع النووي وأحبطه. في هذا التفسير شيء كثير من الواقعية والحقيقة. الآن الوضع مختلف جداً.
أوباما الفرصة والتهديد
قوى عديدة في ايران خصوصاً الاصلاحية منها، تجاهر بما لا تقوله القوى المتشددة، التي تعتقد ضمناً انها الأقدر على التحاور مع واشنطن لأنها تعرف أكثر مواقع الضعف والقوة لديها. محمد علي أبطحي نائب الرئيس السابق محمد خاتمي يقول بواقعية شديدة وشفافية عميقة ان باراك أوباما يشكل فرصة مهمة جداً لإيران، لكنه ايضاً يمكن أن يكون تهديداً مهماً أيضاً ـ يتابع أبطحي ـ أوباما يستطيع ان يشكل بسرعة اجماعاً دولياً ضد ايران في الوقت الذي لم يكن بوش بوسعه تحقيق هذا الانجاز.
هذه القراءة التي ليست احادية في ايران، تترجم ادراكاً عميقاً بأن أوباما يستطيع في لحظة اعلان فشله أمام التعنت الايراني اذا حصل: لقد حاولت وعملت لكني فشلت لأن هذا النظام لا يفهم إلا لغة القوة، فكونوا معي كما كنت معكم عندما طالبتم بلادي بعدم الدخول في مغامرة عسكرية في منطقة لا تنقصها الحروب والمواجهات. لا شك ان قوى دولية كبرى ستؤازر الرئيس الأميركي حتى التي هي أكثر تردداً أمام الصدام العسكري.
لا يمكن لطهران رفض يد أوباما الممدودة نحوها. يمكنها رفع سقف شروطها، وطلب وأخذ الاعتراف الكامل بالنظام السياسي الذي رفضته واشنطن منذ اليوم الأول لقيامه. يمكن لطهران أن تأخذ الموافقة على شرعية حقها بامتلاك القوة النووية السلمية مع شروط وضمانات يتم التفاهم حولها، أيضاً المسارعة في رفع العقوبات الاقتصادية، وحتى أخذ تعويضات للضحايا الـ290 الذين قتلوا في حادثة اسقاط طائرة الخطوط الجوية الايرانية في 3 تموز 1988. لكن لا يمكنها رفض الحوار والتفاهم بحجة أنها لن تمد يدها الى الشيطان الأكبر.
لقد سبق لطهران أن تحاورت وتفاهمت وتعاونت مع الأميركيين في افغانستان والعراق. السياسي والمسؤول العراقي أحمد الجلبي الذي رغم أميركيته كان وما زال متفاهماً مع ايران، كشف مؤخراً حجم التعاون الأميركي ـ الايراني في العراق. أكد علم طهران المسبق بالهجوم الأميركي، من ذلك عقد اجتماعات للمعارضة العراقية بمشاركة الجلبي مع قائدي فيلقي القدس ونصر، وتواجد ضابط ايراني كبير في دوكان في كردستان العراق الى جانب بعثة ايرانية لمتابعة مجريات الحرب بعلم الأميركيين.
الجانبان يعرفان بعضهما جيداً
هذه التجارب تؤكد أن الأميركيين كما الايرانيين ليسوا بحاجة للتعارف أو لوساطات أو اقامة جسور بينهم حتى ولو كانت دمشق التي لم تتصالح فعلياً مع واشنطن تعرض نفسها للقيام بهذا الدور، ولا لتجربة بعضهم البعض، لتأكيد مدى التزام كل منهما بالاتفاقات المعقودة وتنفيذها. اللقاء المقبل حول أفغانستان سيشكل بداية الطريق لمرحلة جديدة.
تموز كان دائماً وما زال شهراً للأحداث على مساحة منطقة الشرق الأوسط. هذا العام سيكون تموز نقطة القطع والوصل في المنطقة. إما أن يقع الطلاق فالتفجير نتيجة لقراءة خاطئة قاعدتها أن العالم وفي مقدمه طهران سيشهد انهيار الولايات المتحدة الأميركية كما حصل للاتحاد السوفياتي، أو أن تعتقد واشنطن أن طهران مستعدة من أجل التفاهم معها لخفض سقف مطالبها بما يعيدها تابعاً لها وليس شريكاً لها في المنطقة.
أخيراً أن يعقل الجميع ويتوكلون، فيعيش العالم وخصوصاً منطقة الشرق الأوسط، على وقع يوم جديد لا تستطيع حتى اسرائيل الغارقة في مستنقع اليمين المتطرّف أن تقف بوجهه وأمام مفاعيله.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.