القمة العربية في قطر عاقلة وعقلانية. فتح مسار المصالحات بهدوء وعدم إحراق المراحل والتعامل مع سلة الخلافات على أساس أنها تضم ملفات لا يمكن معالجتها رزمة واحدة، ولا وأدها على طريقة عفا الله عمّا مضى أنتج هذه الحالة الاستثنائية في تاريخ القمم العربية. يوجد وعي إجماعي بأن المنطقة كلها مريضة. الخلافات تدور حول الدواء المناسب. غموض المرحلة يساهم أيضاً في تحديد هذا الدواء، طالما أن المرحلة الانتقالية لم تعرف نهاياتها ولا خياراتها، فإن التردّد سيبقى سيد الموقف.
الرئيس باراك أوباما، على عتبة إنهاء فترة المئة يوم الأولى من ولايته، يعمل لكي لا تخرج السكاكين الطويلة ضدّه قبل أن يكون قد وضع الكثير من النقاط على حروف خطته لمواجهة الارث البوشي الثقيل. بعض هذا الارث الكارثة المالية وخطر فتنمة أفغانستان. خطة الطريق التي يحاول أن يبلورها يجب أن تتضمن موقفاً نهائياً من إيران وسوريا في المنطقة. على الأقل عليه أن يقرر مع مَن يبدأ الحوار أولاً مع طهران أو دمشق أو الاثنتين معاً.
خطر الطالبان المشترك
لكل واحدة أسباب عديدة تضعها في خط الأولوية. طهران حاضرة في ملف أفغانستان وهي إذا كانت تعاونت في السابق مع واشنطن لإسقاط الخطر الطالباني، فإنها حالياً تبدو مضطرة للتعاون معها لمواجهة خطر احتمال عودة الطالبان بطريقة أو بأخرى. كذلك يوجد العراق وضمان عدم تحوله إلى سلاح ضدها بدلاً من أن يكون سلاحاً بيدها، غداة الانسحاب الأميركي منه.
دمشق تعمل على تسريع اختيار واشنطن لها في الحوار والتفاهم معها. أمام دمشق فرصة أن القرار الأميركي في مواجهة طهران معلق على انتهاء الانتخابات الرئاسية وحسم طهران قرارها. في هذه الأثناء تكثر دمشق تقديم العروض إلى واشنطن، من الوساطة مع طهران إلى إبداء حسن النوايا في فلسطين ولبنان. ليس صدفة إبعاد خالد مشعل عن مقدمة المسرح الفلسطيني وترك الساحة لاسماعيل هنية المعتدل. كل شيء مبرمج بدقة، لا يوجد للصدف مكان.
دقة المرحلة تدفع واشنطن إلى الحذر. واشنطن والكثير من العرب يرغبون في تحقيق انفصال دمشق عن طهران. في مرحلة سابقة وجهت طهران انتقادات علنية لدمشق تحت بند فن التفاوض، مشيرة إلى عدد التقديمات الأميركية لها بالتفاوض ولم تفعل في حين أن دمشق سارعت لدى أول عرض وكأنها لا تصدق اذنيها بحصول ذلك.
حالياً، ليس من مصلحة دمشق ولا طهران حصول أي ارتجاج على خط التحالف القائم بينهما. ضعف أي واحد منهما يخلط كل الحسابات والتقديرات ويؤذي الطرف الآخر. لكن في النهاية المصالح أكبر من كل التحالفات، لأنها هي صانعة الأحلاف أساساً.
التنافس على الجوائز
تسلم بنيامين نتنياهو زعامة إسرائيل يريح دمشق وطهران معاً. مسؤولية الجمود والفشل لن يتحملاها في مواجهة واشنطن. لكن أيضاً، جمود الوضع سيؤدي إلى تغلغل العفن إلى قلبه، مما يهدد كل المواقف، خصوصاً إذا ما أصبحت خطابية لا ترجمة ميدانية لها، من ذلك الكلام عن المقاومة في ظل تغييب أو غياب المقاومة، يفقد هذا الخطاب مصداقيته كما حصل ويحصل منذ ثلاثين عاماً مع استمرار الجولان في الثلاجة. كذلك فإن عجز إسرائيل عن السلام يضعفها ويدفعها إما إلى انفجار نسيجها السياسي، أو انزلاقها نحو حرب غير محسوبة على جميع الصعد تكون نتائجها خاسرة حتى ولو ربحتها ميدانياً وهو ما ليس مضموناً.
تنظيم الخلافات وإدارتها عربياً سياسة ضرورية خصوصاً في ظل أخطار محدقة بالعرب. الجميع طامعون بالعرب وإن كان بنسب متفاوتة وبطرق مختلفة ولأهداف محدودة أو مفتوحة. عدم وجود أي مشروع عربي في ظل وجود مشاريع مكتملة أو ناقصة أو قيد التشكل ابتداء من الولايات المتحدة الأميركية مروراً بإسرائيل وصولاً إلى تركيا وإيران، يزيد من وزن الأخطار ويرفعها إلى درجة المصيرية.
لبنان وادارة الخلافات
تنظيم الخلافات العربية، يفيد لبنان. وعلى اللبنانيين استثمار هذه الحالة إلى أقصى مدى، وهذا يتم بتنظيم خلافاتهم والعمل على حلها خطوة خطوة. انتهاء المرحلة الانتقالية بالمصالحة الواسعة بين واشنطن وطهران ودمشق يترتب عليها استحقاقات حقيقية لا يمكن التغافل عن خطورتها. ما يؤكد ذلك، الدعوة العلنية لانضمام لبنان إلى مسار المفاوضات متى أصبحت جدّية، مما يضع لبنان كله أمام إشكالية جديدة من الخلافات. أما إذا فشلت المصالحة، ووقعت المواجهات فإن لبنان سيكون ساحة أولى وأساسية لتسوية الحسابات.
أمام العرب وخصوصاً لبنان أشهر قليلة لمواجهة المرحلة المقبلة. الوضوح في هذه المرحلة يشكل شرطاً مهماً لنجاح عملية الانتقال إلى مرحلة القرارات الحاسمة. عام 2010 هو عام الاستحقاقات الفاصلة، فهل يكون العرب ومعهم لبنان حاضرين للمواجهة، أم لا تكون مرحلة تنظيم الخلافات سوى نهج لتقطيع الوقت على أمل انتصار هذا المعسكر أو ذاك فيكون ذلك انتصاراً له مع العلم أنه أحد الجوائز المعروضة.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.