أخيراً، وجدت هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأميركية أن بلادها تتقاسم مع الجمهورية الإسلامية في إيران مصلحة مشتركة. في الواقع توجد مصالح مشتركة. المصالح هي التي تصنع العلاقات. نائب وزير الخارجية الإيراني أخوند زاده شكر الوزيرة الأميركية على دعوة بلاده الى المؤتمر الدولي حول أفغانستان. بالشكر يدوم الحوار وصولاً الى التفاهمات والتعاون. هذا ما أكدته أيضاً كلينتون بقولها إن الموقف الإيراني بدا مبشراً بإمكانية تعاون في المستقبل.
إرث بوش الثقيل
دعوة طهران الى المؤتمر حول أفغانستان تعني اعترافاً أميركياً بموقع لإيران في هذا الملف، هذا ما كانت طهران تريده منذ البداية، أي أن تعترف واشنطن بأنها قوة اقليمية، هذا الاعتراف سيكتمل في المفاوضات المباشرة، وهو لا بد آتٍ، لأن واشنطن تريد وتلح على مواجهة الملفات الساخنة التي ورثتها إدارة أوباما عن الإدارة البوشية.
التعاون الإيراني ـ الأميركي ليس طارئاً ولا آحادياً. قرار واشنطن غداة 11 أيلول 2001 شن الحرب ضد الإرهاب بدءاً من أفغانستان، أقام هذا التعاون. إسقاط الطالبان تحول بسرعة الى هدف إيراني ـ أميركي، المصلحة المشتركة حوله تشكلت بقوة وعمق. واشنطن أرادت إزالة خطر تحالف الطالبان مع القاعدة. وطهران أرادت اقتلاع الخطر الأصولي عن حدودها وحماية الهزارة الشيعة. حالياً، واشنطن تريد انقاذ نفسها من المستنقع الأفغاني بحيث لا يتحول الى فيتنام أوبامية، كارثتها أكبر بكثير من كارثة فيتنام ـ نيكسون.
وطهران تخاف من عودة الطالبان، وتحولهم مع طالبان باكستان الى إعصار مذهبي ـ أصولي يخلخل وحدة إيران التاريخية، أو يغذي طالبان إيران بزعامة آية الله مصباح يزدي وباقي المحافظين المتشددين الذين لا يؤمنون بالجمهورية ويطالبون بالإمارة سراً وعلانية.
تبلور الاستراتيجية الأوبامية المبدئي، يساهم في دفع مسار التفاوض الأميركي ـ الإيراني من الواضح أن واشنطن وطهران تتقاطعان حول رؤية الحل في أفغانستان، هذا التقاطع يفتح على باقي الملفات الساخنة لأن أفغانستان حالياً هي مركز المشاكل والمواجهات بالنسبة لواشنطن. النجاح في هذا الملف تبعاً للمشاركة الإيرانية الايجابية يفتح على باقي الملفات والساحات.
الحوار هو عمود الاستراتيجية الأوبامية كما يبدو. الجنرال جايمس جونز مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض، أكد بأن بلاده ترغب في محاورة العالم والأخذ برأي الآخرين، انتهى زمن الأحادية البوشية التي لا تعنيها ما يريده العالم وما يقلقه وما يريحه، خريطة الطريق التي وضعها الرئيس الأميركي. لم تنه سياسة العصا، لكنها لم تعد استراتيجية كما كانت في زمن بوش. الحوار يقتضي الاحترام المتبادل وقد قبلت واشنطن وطهران بهذه القاعدة لحوارهما.
بين الأفغنة والعرقنة
أفغنة الحل الأفغاني صاغه الجنرال جايمس جونز مستشار الأمن القومي الأميركي، اعتماداً على تجربة عرقنة الحل العراقي. تحولت العرقنة من كارثة كادت تنهي وجود العراق الى خطة عمل خارجة من قراءة واقعية لطبيعية العراق.
خريطة الطريق لهذا الحل تقوم على تقديم الجانب المدني على الجانب العسكري، وبناء جيش أفغاني قادر على الدفاع عن البلاد ومكافحة المخدرات والجرائم والفساد، وأن تتولى الأمم المتحدة عملية الإعمار. الفشل الأميركي الكامل في العراق وأفغانستان ينتج حالياً هذا التحول. تفكيك الجيش العراقي وقبله الأفغاني وتنظيم سرقة البلاد وإغراق عملية البناء في فساد لم يعرف العالم ولا التاريخ مثله، أوصل الوضع الى هذه الحال، وقد عرفت طهران كيف تستثمر الكارثة لكي تصبح شريكاً في الحل، وبالتالي في ثماره.
تجفيف القاعدة، هو الحل. المواجهة العسكرية وحدها أثبتت أن الانتصارات التكتيكية تتحول الى هزائم استراتيجية. كل اقتحام لمنزل أفغاني أو عراقي، وإهانة أهله المدنيين وقتل أي فرد سواء كان رب عائلة أو طفل يرفع رصيد القاعدة. الحل هو في فصل المجتمع المدني عن الإرهابيين. هذا الحل يقوم على اعتبار أن ليس كل أصولي إرهابياً ولا كل مقاوم عنصراً في القاعدة. النجاح الذي أنجز في العراق فتح الباب حالياً باتجاه أفغانستان وربما باقي الدول التي تعيش على وقع دموية القاعدة وإرهابها.
هذا الفصل يتطلب تعاون كل دول المنطقة خصوصاً إيران وسوريا. وهو بلا شك يريح الجميع لأنه سيقود واشنطن حكماً الى بداية طريقة جديدة للحوار والتعامل مع حزب الله وحماس. عندما ترفع واشنطن الحزب والحركة عن لائحة الإرهاب يصبح كل شيء ممكناً ـ خطوة لندن في استقبال النائب حسن الحاج حسن لا يمكن فصلها مطلقاً عن هذه الاستراتيجية الجديدة ـ التي بدأت واشنطن الأخذ بها مستقبلاً.
سياسة الحوار الأميركية كانت قد بدأت مع دمشق قبل طهران. لكن الفرق بين الحوارين شاسع. مع دمشق كان استطلاعياً وفي أحسن الأحوال يتعلق بشرط تحسين السلوك السوري في لبنان. هذا لا ينفي مطلقاً وجود ملفات أخرى لدمشق دوراً فيها خصوصاً فلسطين وحماس. المشكلة أن دمشق مستعجلة جداً على تطبيع علاقاتها مع واشنطن في حين أن طهران ليست مستعجلة.
القلق السوري
هذا الفرق الذي ينعكس حكماً على مجرى الحوار والمفاوضات والتقديمات في ما بعد، ليس يتيماً، دمشق قلقة كما يبدو من تقدم إيران عليها، خصوصاً وأن التحالف الاستراتيجي بينهما موجود على خط زلازل حقيقي يتضمن ثلاث نقاط حساسة هي: لبنان وحزب الله، فلسطين وحركتي حماس والجهاد، والعراق بكل تفاصيله.
مشكلة طهران أن تواجدها في الملفين اللبناني والفلسطيني مهما كان قوياً وعميقاً، يبقى غياب التماس الجغرافي نقطه أخيل فيه. دمشق معنية مباشرة بالملفين خصوصاً وأن لها أرضاً محتلة هي الجولان. لذلك وهي ذاهبة الى المفاوضات مع واشنطن أو مع تل أبيب لا ترغب ضمناً بـالرقيب الإيراني مهما بلغ حجم شراكته لها في ذلك.
دمشق تريد الانتقال الى المفاوضات المباشرة مع إسرائيل برعاية أميركية. في محاولة علنية لحصر التمثيل بها. أرجع الرئيس بشار الأسد في حديثه مع سيمور هيرتش ملف حزب الله الى لبنان وحماس الى غزة وليس السلطة الوطنية (بهذا عن وعي وتصميم أو لا يتم فصل غزة عن الضفة سلطة ووحدة أرض)، استكمالاً لهذا المسار فإن إيران كما يرى الأسد ليست جزءاً من عملية السلام على كل حال، بمعنى أن طهران ليست طرفاً حول لبنان وفلسطين في أي حوار ومفاوضات مع واشنطن.
ببساطة يجرد الرئيس السوري إيران من ملف حساس وهم على أبواب التفاوض مع واشنطن. فيساهم في إضعافها على أمل أن ينتج ضعفها قوة له في التفاوض والمقايضة.
يبقى أن أكثر العروض الدمشقية خطورة، استعدادها لإصدار بيان تأييد لإيران إذا ما هاجمتها إسرائيل فما الذي تستطيع أن تفعله أكثر من ذلك. دخول دمشق الحرب الى جانب إيران كان دائماً وهماً مثلما كان دخولها الى جانب لبنان وهماً أكبر بكثير. المقاومة والصمود والتصدي كان وما زال بالآخرين سياسة دمشقية، قد تعرفها طهران أو ستتعرف عليها لاحقاً. خطورة هذا الاعتراف شبه الرسمي، لأنه من مسؤول كبير أنه يضعف إيران ويقدم تطمينات لإسرائيل ـ نتنياهو في وقت يعتبر فيها رئيس وزراء إسرائيل الجديد أن إيران خطر على البشرية وليس إسرائيل، مما يؤشر الى إمكانية وقوع مغامرة إسرائيلية بموافقة أميركية أو بدونها ضد إيران.
العروض الحالية والمقايضات اللاحقة تتشكل بوضوح، وهي تؤشر الى أن لبنان وحزب الله في قلبها في وقت اللبنانيون مشغولون في انتخابات يريد معظمهم أن تكون نتائجها مصيرية في حين أن الآخرين خصوصاً منهم دمشق يريدون أن يبقى لبنان أسيراً دائماً لما يرسمونه من مسارات منتجة لهم، على حساب لبنان واللبنانيين.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.