الحرب الاسرائيلية ضد ايران، احتمال قائم، لم يسقط هذا الاحتمال مع انتخاب باراك أوباما رئيساً للولايات المتحدة الأميركية واستراتيجيته في التغيير والبدء بالحوار. بالعكس ارتفع رصيد هذا الاحتمال، لأن لإسرائيل يداً فيه. وصول الثنائي المتطرف بنيامين نتنياهو وافيغدور ليبرمان الى رأس السلطة، ضاعف من خطر وقوع الحرب. بنيامين نتنياهو مصمم كما تؤكد مختلف مصادر الاعلام الاسرائيلية على: ايجاد خيار عسكري في مواجهة ايران. أكثر من ذلك فإن نتنياهو يكرر في الاجتماعات المحدودة: في النهاية لا بد من الوصول الى طهران. أما ليبرمان، فلا حاجة لما تنقله المصادر عنه، لأنه بحد ذاته مشاريع حروب.
خطاب صدّامي لنجاد
أما في واشنطن فإن التباين المعلن بين وزير الدفاع روبرت غيتس وقائد القيادة الوسطى الجنرال بترايوس حول احتمال هجوم اسرائيلي على ايران، فإنه تباين يتعلق بالموعد وليس حول الهجوم نفسه. غيتس يؤكد أنه سيفاجأ اذا ما شنت اسرائيل هجوماً على ايران هذا العام، في حين أن بترايوس يرى أن اسرائيل قد تندفع نحو تحرك عسكري وقائي لعرقلة أو تأخير المشروع النووي الايراني.
في طهران، يتابع الرئيس أحمدي نجاد تصعيده، لأنه يعتبر ان مواقفه المتطرفة هي التي ستعيد انتخابه رئيساً للجمهورية، لذا يعلن بلغة تذكر بلغة الرئيس صدام حسين قبل الهجوم الأميركي في عاصفة الصحراء ومن ثم قبل اسقاطه ان الشعب الايراني لا يقهر... وأن اليد التي تتعرض له ستقطع.
الرهان الأميركي في تحويل مسار الحوار المعروض على طهران الذي افتتح في المؤتمر الدولي حول أفغانستان الى خريطة طريق لاحقاً، يعتمد على ملاحقة المزاج الايراني الرسمي والشعبي الذي ستترجمه الانتخابات الرئاسية. انتخاب أحمدي نجاد لولاية ثالثة ستفهمه واشنطن بأنه قرار من القيادة ممثلة بالمرشد آية الله علي خامنئي في متابعة طريق الممانعة والتصدي والمفاوضات من أجل المفاوضات، للحصول على الاعتراف بشرعية دورها في المنطقة وعلى طول قوس الأزمات من جهة وامتلاكها للقوة النووية التي سيبقي الجانب العسكري منها مبهماً.
واشنطن تستطيع الانتظار حتى مطلع العام 2011، للالتفاف كلياً باتجاه الملف النووي الايراني والمفاوضات مع طهران، خصوصاً انها مشغولة بمواجهة الأزمة المالية والاقتصادية وضرورة حسم الحلول للخروج منها.
اسرائيل المستعجلة
لكن اسرائيل تبدو مستعجلة جداً لأنها تعتبر الخطر النووي الايراني ليس ضدها وحدها وانما ضد البشرية. مهما كان هذا الخطر ضخماً، وهو في واقع الأمر احتمال قائم بدرجات أقل بكثير، فإن لإسرائيل مصلحة عميقة في هذا النهج بالتعامل مع هذا الملف، لأنه يحرف أنظار واشنطن والعالم عن تطرفها ورفضها لمواجهة استحقاق الحل السياسي للصراع مع الفلسطينيين، وبصورة اجمالية لعملية السلام مع العرب.
رغم كل هذه المؤشرات لوقوع هذه الحرب الاسرائيلية، فإن البعض خصوصاً من قوى الممانعة، ترى أن اسرائيل لا يمكنها شن أي حرب ضد ايران حالياً أو لاحقاً. هذا الاطمئنان الذي ينتج منه حالة من الاسترخاء، يقوم على أن عصب الحرب لا تملكه حالياً اسرائيل وهو المال والسلاح.
ذلك أن اسرائيل تمر في ازمة اقتصادية حقيقية ليست نتاج الأزمة المالية الدولية فقط، وانما لها أسبابها وحيثياتها الاسرائيلية. واشنطن وباقي دول الغرب المؤيدة لاسرائيل والداعمة لها مالياً خصوصاً في الأزمات، غارقة حتى أذنيها في مستنقع الأزمة، وهي بحاجة للاموال بارقام خيالية أكثر من اسرائيل وتمويل مغامراتها العسكرية.
أما الجانب الآخر لهذا العصب وهو السلاح، فإن اسرائيل اذا ما دخلت الحرب بحاجة بسرعة الى جسر جوي لملء فراغ ترسانتها. بذلك فإن واشنطن تملك مفتاح القرار الاسرائيلي، وهي لا تستطيع شن أي حرب بدون موافقة أميركية مسبقة.
وقد ثبت خطورة هذا الجانب في كل الحروب التي خاضتها اسرائيل في العام 1956 و1967 و1973 وحتى في حروبها الصغيرة ضد لبنان، ومؤخراً حرب الرصاص المسكوب، حيث تصلها الأسلحة حالياً بواسطة جسر بحري.
دروس عملية السودان
عملية السودان الجوية، فتحت أمام الخبراء سيناريوهات الضربة العسكرية ضد ايران. اسرائيل التي تخاف على طياريها وسلاحها الجوي، أصبحت قادرة على ارسال عشرات الطائرات بلا طيار بدون قلق الى ايران للقيام بقصف جوي واسع وشامل يربك القوى المسلحة الايرانية، الذي وان لن يحدث خسائر تدميرية واسعة في المواقع المقصوفة، فإن هذه العملية يمكن أن تستكمل بقصف جوي بطائرات يقودها طيارون خبراء، لتدمير المواقع النووية المحددة.
السؤال أمام هذا السيناريو أو غيره ما هو الرد الايراني على الهجوم؟
مشكلة ايران انها لا تملك حدوداً برية مع اسرائيل، وسلاح الصواريخ وان كان يلحق خسائر مهمة بالعدو خصوصاً على الصعيد النفسي، الا انه غير قادر على كسر ارادته، فكيف بهزيمته؟
أما أن تقوم ايران باستخدام سلاح اشعاعي غير نظيف، أو كيماوي، أو بيولوجي، فإنه سلاح ذو حدين، لأن اسرائيل قادرة على تدمير عدة مدن ايرانية بما فيها طهران بالسلاح النووي. وهي لن تخشى موقفاً اميركياً وخصوصاً أوروبياً معادياً، بحجة أنها تحمي اليهود من ماسادا ثانية.
أخيراً فإن القلق من ردة فعل سورية، تبدو مستبعدة الى حد ما، خصوصاً وان الرئيس بشار الأسد طمأنها بطريقة غير مباشرة، بأنه سيكتفي بإصدار بيان استنكار في حال حصول الحرب. الأسد يعلم أن دمشق ومدنا أخرى ستزال عن الخريطة، وهو بالطبع لا يريد ذلك ومن حقه وواجبه ان يحمي الشعب السوري من حروب الآخرين.
يبقى حزب الله وغموض موقفه في حال وقعت الحرب الاسرائيلية ـ الايرانية. السؤال هل يمكنه تحميل لبنان واللبنانيين اخطار حرب مدمرة على جميع الصعد، من أجل ايران، وليس من أجل تحرير أراض لبنانية محتلة؟
مهما تعددت الأسئلة يبقى الرهان الأساسي، قائم على القرار الايراني في مواجهة اليد الأميركية الممدودة لها، خصوصاً وان هذا القرار سيكون مؤثراً جداً على القرار الآخر الاسرائيلي الذي كما يبدو في حالة تأهب الى درجة ان اصبعه على زناد البندقية؟.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.