8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

خطر هجوم إسرائيلي على إيران محتمل والحوار الأميركي ـ الإيراني استطلاعي بانتظار الانتخابات الرئاسية الإيرانية

لم ينفِ جو بايدن نائب الرئيس الأميركي، احتمال مهاجمة إسرائيل لإيران. اكتفى بايدن بالقول: إنه احتمال ضئيل وإنه إذا حصل فإنه سيكون عملاً متهوراً. بهذا رسم نائب الرئيس مساراً غامضاً للوضع يماثل غموض الموقف الأميركي بالتعامل مع إيران. هذا المسار ينفعه معرفة الموقف الأميركي من هذا التهور إذا حصل. مشكلة الإدارة الأوبامية أنها واقعة بين سندان المرحلة الجديدة من البراغماتية التي بدأتها ومطرقة علاقاتها المعقدة مع إسرائيل.
جنون التطرف الإسرائيلي
وجود الثنائي بنيامين نتنياهو وافيغدور ليبرمان على رأس السلطة والديبلوماسية الإسرائيلية، يزيد من صعوبة حسم واشنطن للوضع. لو عاد الأمر لهذا الثنائي لبدأت الحرب اليوم قبل الغد. جنون التطرف حاضر ومندفع لتنفيذ أي مغامرة. ايجابية العلاقات الإسرائيلية ـ الأميركية المتميزة جداً، أن القرار الإسرائيلي في مثل هذه القضايا ليس إسرائيلياً مهما بالغ ليبرمان وغيره بالحديث عن استقلال القرار الإسرائيلي. لأميركا الكلمة الأخيرة في مثل هذا القرار الاستراتيجي الذي يعنيها مباشرة.
ريتشارد هاس طالب أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ أثناء مناقشة الخيارات الأميركية مع إيران بـ:
ضرورة إسقاط الخيار العسكري.
ضرورة التخلي عن تغيير النظام الإيراني.
هذه الضرورة عائدة الى: قدرة إيران على الإضرار بالمصالح الأميركية في أفغانستان والعراق، وتخفيض انتاجها من النفط والغاز، ما يرفع الأسعار فيؤدي ذلك الى زيادة عمق الأزمة الاقتصادية ورفع نسبة الكساد وتحصيل إيران لمزيد من الأموال واستمرار مساعداتها الحالية لحزب الله وحركة حماس.
في الوقت نفسه، وبعد الذهاب بعيداً في تحديد أضرار ومخاطر محاربة إيران وعدم الحوار معها، فإن رأياً قوياً داخل الإدارة الأميركية يقول علناً كما فعل السيناتور جون كيري القريب جداً من أوباما بعد عودته من جولته الشرق أوسطية: يجب عدم استبعاد الخيار العسكري مع تنفيذ سياسة فتح باب الحوار مع طهران، مثل هذا التوجه يسمح لإسرائيل الغارقة في مستنقع عميق من التطرق اليميني والعنصري برفع حجم ضغوطها على واشنطن لتنفيذ الضربة العسكرية. صراع الرأي والرأي الآخر مستمر في واشنطن، لكن من الواضح جداً أن خيار الحل العسكري يتراجع في واشنطن، بانتظار الانتخابات الرئاسية في إيران موقف واشنطن الحائر والمتحير من الانتخابات يؤشر إلى عمق الحوار الداخلي في الإدارة الأميركية. تبدو هذه الإدارة منقسمة عمودياً حول كيفية التعامل مع هذا الملف. أوباما وحده القادر على الحسم وهو لم يقل كلمته الأخيرة. البعض يرى أن أي إعلان لموقف أميركي من هذه الانتخابات يقوّي أحمدي نجاد، فيما يرى البعض البدء بالحوار الذي سيفرض نفسه على خيارات إيران بالتفاهم أو المواجهة.
اللاءات العربية ضد النفوذ الإيراني
الواقع يؤشر إلى أن واشنطن تحاور طهران. لم يعد ذلك سراً. الحوار ليس محصوراً في اللقاءات العلنية مهما بدا محدوداً كما جرى في المؤتمر الدولي حول افغانستان. توجد تأكيدات بأن هذا الحوار استطلاعي تمهيداً لصياغة خريطة طريق واضحة أمام المفاوضين مستقبلاً. توجد تأكيدات ديبلوماسية أوروبية بأن لقاءات سرية تجري بين الأميركيين والإيرانيين في اثينا بعد أن أصبحت جنيف مكشوفة.
ما يعزز خيار الحوار ليس الخوف من الحرب فقط وإنما وهو مهم جداً لواشتطن أن إمكانية رفع منسوب الضغوط على طهران ممكن جداً عبر استثمار موقف محيطها الجغرافي الخائف والمتخوّف من نفوذها. كما أن استمرار حالة الستاتيكو الحالية كما تريد تل أبيب وتعمل لها طالما أن الحرب ممنوعة والسلام مقابل الأرض مستحيل كخيار لها. وهو يمكن أن يجعل الحل أكثر صعوبة، وأن ازدياد شريحة الشباب في العالم العربي يشكل مصدر خطر كبيراً وواسعاً إذا استمر مناخ الحرب والتهميش سائداً.
هذا الموقف يعبّر عنه أيضاً تيار قوي داخل الإدارة الأميركية ويسعى لاستثماره في دفع عملية السلام في الشرق الأوسط. جون كيري شدد أخيراً أمام مركز سابان للسياسة في الشرق الأوسط الذي يترأسه مارتين انديك بأن تخلي العرب عن لاءات الخرطوم وهي لا للحوار. لا للاعتراف. لا للسلام مع إسرائيل بلاءات جديدة: لا للسلاح النووي. لا للتدخل. لا للنفوذ الإيراني، يمكن استخدامه واستثماره، وهذا كله يتكامل مع إمكانية البناء على مبادرة السلام العربية التي لم تحظ بالاهتمام الكافي رغم أهميتها.
عقدة العقد في كل ذلك أن الحوار الداخلي في واشنطن حول الحوار مع طهران وعدمه، وإطلاق عملية السلام في منطقة الشرق الأوسط، لا يعالج كما هو واضح حتى الآن المأزق الكبير القائم في مواجهة إسرائيل تحت حكم التطرّف الإسرائيلي، إذا لم تجد واشنطن أوباما إجابة واضحة ومحددة لسياستها في مواجهة الثنائي نتنياهو ـ ليبرمان لا مجال لتنفيذ أي سياسة جديدة مهما بلغت براغماتيتها.
الخطر الإسرائيلي قائم وهو يزداد خطراً على الوجوه الفلسطيني والمستقبل العربي. من الممكن الكلام عن وجود خطر من النفوذ الإيراني، لكنه ليس خطراً وجودياً ولا استيطانياً، لذا يمكن التعامل معه بطريقة أو أخرى. وهو بالإجمال ما زال خطراً محتملاً لم يصل إلى حالة اليقين.
مجرد استعادة النظام العربي حضوره وتمكنه من صياغة مشروع جديد له من عواصم القرار فيه، يمكّن من وضع حدّ لهذا النفوذ. مع إسرائيل لا يمكن السكون الى حالة الستاتيكو، ولا النوم على حرير غياب خطر الحل العسكري، خصوصاً وأن إسرائيل سواء كانت تحت حكم اليسار أو اليمين تعمل على قضم وهضم الأرض الفلسطينية يومياً في مسار واضح لإلغاء مشروع قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة.
واشنطن مسؤولة عن غموض الوضع. إسرائيل مسؤولة عن وضع المنطقة على حافة الجنون. أما العرب فإنهم مسؤولون عن ترك مصيرهم معلقاً على إرادة ومواقف الآخرين.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00