باراك أوباما قادم إلى إسرائيل والضفة الغربية. لم يتم تحديد الموعد رسمياً، لكن يبدو أنها ستكون في النصف الثاني من حزيران المقبل، أي بعد انتهاء الانتخابات الرئاسية الإيرانية ـ وبالمصادفة مع انتخاب برلمان جديد واختيار رئيس وزراء لبنان ـ، الخيار الإيراني يكون عندئذٍ معروفاً حول عرض أوباما للحوار علناً ورسمياً. تبقى الآليات.
قبل وصوله إلى المنطقة، يكون الرئيس الأميركي قد التقى رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو في واشنطن. من الطبيعي أن أوباما سيعرف من نتنياهو حقيقة مواقفه من عملية السلام واختيارات حكومته من مساري التفاوض مع الفلسطينيين والسوريين. لا يمكن لنتنياهو التهرّب من لحظة الحقيقة.
الرسالة الأوبامية لإسرائيل
الإدارة الأميركية تستعد منذ تشكيل نتنياهو الحكومة مع شريكه أفيغدور ليبرلمان لمواجهة معه. في خطوة غير مسبوقة في تاريخ العلاقات الإسرائيلية ـ الأميركية، أوفدت الإدارة الأوبامية مسؤولين منها للتفاهم مع أعضاء رفيعي المستوى من أعضاء الكونغرس الديموقراطيين. قاعدة الحوار: إمكانية نشوب خلافات مع إسرائيل حول العملية السياسية. إسرائيل رأت في هذا التحرك غير المسبوق: عملية من الإدارة الأوبامية لتطويق أي تحرك التفافي من اللوبي اليهودي ومن نتنياهو نفسه على الإدارة. الرسالة التي نقلها موفدو الإدارة إلى أعضاء الكونغرس تضمنت:
* الرئيس أوباما ملتزم أمن إسرائيل.
* يعتزم تنفيذ الاتفاقات العسكرية التي وقعها الرئيس جورج بوش.
* إن قيام دولتين فلسطينية وإسرائيلية يشكل جزءاً مركزياً من السياسة الأميركية في منطقة الشرق الأوسط.
* على نتنياهو احترام التزامات الحكومات الإسرائيلية السابقة التي تضم اتفاقات خريطة الطريق ومؤتمر أنابوليس، ومن ذلك تجميد المستوطنات وإخلاء البؤر الاستيطانية غير القانونية.
* لا تعارض الإدارة المفاوضات بين إسرائيل وسوريا لكنها لن توافق على أن تستغل إسرائيل القناة السورية كي تتهرّب من التزاماتها على المسار الفلسطيني.
طبعاً هذه الرسالة الاستثنائية من الإدارة الأميركية رافقها كلام واضح من أوباما في تركيا حيث اعتبر: أن قيام دولتين إسرائيلية وفلسطينية تعيشان جنباً إلى جنب في سلام وأمن لا يخدم الفلسطينيين والإسرائيليين فقط، وإنما الولايات المتحدة وبقية العالم. لقد ربط أوباما هذا الحل بالمصالح الأميركية، التي لا تعلو فوقها أي مصلحة. هذه لغة مشتركة لجميع الأميركيين، لا يمكن القفز فوقها حتى ولو كانت من جانب إسرائيل.
أفيغدور ليبرمان طالب بعدم التدخل بشؤون إسرائيل لأنها لم تتدخل يوماً بشؤونهم. هذا التبسيط يؤكد مدى هشاشة موقف الروسي القادم من الصقيع الذي لا يعرف ماذا تعني ألف باء العلاقات الإسرائيلية ـ الأميركية. ليبرلمان ليس الفيل الذي يخيف أو سيخيف النسر الأميركي. ربما يكون الذبابة التي تسعى إلى اقتحام اذن الفيل لدفعه نحو الجنون. العديد من الخبراء حتى داخل إسرائيل يرون يجب أن يكون المرء أعمى أو أطرش حتى لا يقرأ ما هو مكتوب وما هو مسموع.
أقصى ما يمكن أن تلوح به إسرائيل كما تفعل حالياً إحداث زلزال سياسي يفتح منطقة الشرق الأوسط ومعها العالم أمام آفاق من الخطر غير المحدود عبر القيام بالهجوم على إيران بحجة ضرب السلاح النووي الإيراني. نتنياهو أبدى غبطته وهو يستمع الى رئيس الأركان الجنرال اشكنازي حول الخطط والتدريبات الإسرائيلية تحضيراً لمثل هذه الضربة.
أيضاً إسرائيل أمام تحول أساسي في السياسة الأميركية ـ الأوبامية. أوباما في كلامه في تركيا يفصل بين حق إيران بامتلاك المعرفة التكنولوجية النووية والاحتفاظ بها، بما في ذلك تخصيب اليورانيوم تحت إشراف دولي، وبين انتاج قنبلة نووية. هذا العرض يحفظ لإيران كرامتها ويحل المشكلة. فماذا يمكن لإسرائيل أن تفعله عندما يتم الاتفاق؟ الجواب بسيط جداً، لا شيء.
مفاوضات للمفاوضات
كل هذا جميل. مواقف جديدة أو متطورة، وحازمة لكن كيف يمكن لأوباما إقناع نتنياهو ومعه ليبرمان بهذه المواقف للخروج من الطريق المسدود والدخول في مسارات من التفاوض لا تكون من أجل المفاوضات ولا أيضاً لتقطيع الوقت بانتظار حصول تغيير كبير في المواقف الأميركية والأوروبية التي تتبلور يوماً بعد يوم؟
أي إدارة أميركية جديدة أو قديمة تخشى من تأثير اللوبي اليهودي على الرأي العام الأميركي أولاً وعلى مؤسسات القرار خصوصاً في الكونغرس، الى جانب إمكانية معاقبة الرئيس في الانتخابات سواء التشريعية منها التي تحصل لنصف المجلس كل سنتين أو الرئاسية المقبلة.
الرئيس باراك أوباما يملك حالياً قاعدة شعبية وسياسية ضخمة جداً قائمة على التغيير وحل الأزمة الاقتصادية. وهو مقتنع ويعمل على إقناع الأميركيين أن الخروج من الحرب في العراق وأفغانستان يجب أن يتضمن حل النزاع العربي ـ الإسرائيلي أي بؤر النزاعات كلها لبناء السلام في المنطقة. وهو أيضاً ما زال في بداية ولايته، أي أمامه ومعه الوقت الكافي للمواجهة، وهو كما يبدو حتى الآن يملك أيضاً قوة الإرادة. أيضاً يستطيع أوباما، وهو بدأ بالتلويح به، طرح الملف النووي الإسرائيلي على طاولة البحث تحت شعار وقف نشر السلاح النووي في منطقة الشرق الأوسط.
من الطبيعي أن يعمل أوباما على إقناع نتنياهو بالمنطق والواقعية السياسية لتغيير مواقفه بما يخدم إرادة فكفكة هذه القنبلة الموقوتة على مساحة الشرق الأوسط. إذا لم يقبل يمكن لأوباما ضمن الممكن تأخير أو تخفيف المعونات الأميركية لإسرائيل، بحجة طغيان الأزمة الاقتصادية. معاناة إسرائيل ستكون مضاعفة لأنها تعاني أيضاً من مشكلات وأزمات مالية واقتصادية عنيفة ومتعددة. كما يمكن لأوباما أن يكرر ما فعله الرئيس جورج بوش ألا وهو تجميد القروض والمساعدات وهي تزيد على عشرة مليارات دولار. يقول البعض إن بوش الأب دفع ثمن ذلك عدم تجديد ولايته لمرة ثانية. وضع أوباما مختلف جداً. لم يقم بوش الأب بربط الوضع بالمصالح القومية الأميركية، كما لم يتجرأ على القيام ولو بعملية تطويق سياسية ضد إسرائيل في الكونغرس. كما يمكن لأوباما انتظار سقوط ليبرلمان جزائياً بسبب ملفات الفساد المنسوبة اليه. الآلة القضائية الإسرائيلية يمكنها لعب دور كبير في ذلك عبر تسريع الإجراءات أو جعل المساءلة بلا مساءلات.
الطلاق لن يقع بين إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية لأن العلاقة بينهما أكبر من علاقة زواج مهما كانت طبيعته. لكن من المؤكد أن واشنطن يمكنها لي ذراع إسرائيل لأنها تمسك بشريان الحياة لديها وهو المال والسلاح.
يوجد مخرج وحيد لإسرائيل من هذه الأزمة، وهو أن تمارس طهران دور الأعمى والاطرش أمام ما يُكتب على جدران المنطقة، فتتمكن إسرائيل من فك الطوق الأميركي الذي بدأ يحيط بها. عندئذٍ لا يبقى سوى الصلاة!.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.