ابتلعت الأزمة المالية والاقتصادية، المئة يوم الأولى من ولاية الرئيس باراك أوباما. لم يكن أمام أوباما أي خيار أمام هذه الكارثة الأميركية أولاً والعالمية ثانياً سوى تكريس كل جهده للتعامل معها على طريق الحل. لأن الولايات المتحدة الأميركية ما زالت القوة الأحادية التي تقود العالم حتى إشعار آخر تسود فيه التعددية، ليس أمام أوباما خيار آخر سوى الالتفات نحو شؤون العالم. بالفعل بدأ ذلك. مشاركته في قمتي العشرين والأطلسي وزيارته للعراق وتركيا، شكلت كلها الطرقات الثلاث لدخوله المسرح الدولي.
سقف التغيير
الارث البوشي الثقيل، يفرض على أوباما، رحلات ولقاءات استطلاعية مكثفة لحقول الألغام الدولية، قبل أن يقرر فعلاً ماذا يريد، وما هي استراتيجيته، وعناصر آليات تحركه، خصوصاً على قوس الأزمات الممتد من أفغانستان الى تركيا مروراً بحلقة القطع والوصل فيه وهي النزاع الفلسطيني ـ الإسرائيلي. خلال أقل من أربعة أسابيع، سيلتقي أوباما بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي مرة في واشنطن وأخرى في تل أبيب، والعاهل الأردني الملك عبدالله والرئيس الفلسطيني محمود عباس، والرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، كل ذلك بعد أن سبق له وأن التقى خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز.
الرئيس الأميركي وعد بالتغيير، معرفة سقف هذا التغيير مطلوب تحديده ومعرفته بعمق واختياره جيداً. لذلك عمليات الاستطلاع ليست أميركية فقط، بل هي من مختلف الأطراف، مع ملاحظة أن كل الأطراف التي لها ملفات مع واشنطن تسعى بدورها لتحديد قاعدة لتحركها، حتى لا تفاجأ إما بمطالب لا تتوقعها، أو مواقف معلقة على شروط واجبة أو وهو الأهم على مبدأ: ساعدوني تساعدون أنفسكم.
الملك الأردني عبدالله، سيلتقي الرئيس الأميركي في 21 من هذا الشهر وهو يحمل هموم الأردن، لكن الأهم أنه سيحمل معه موقفاً عربياً واضحاً من عملية السلام. الموقف صاغه وزراء خارجية ست دول عربية. الرسالة تتضمن:
[ موقف عربي موحد.
[ تتحدث بلغة واحدة مع المجتمع الدولي وخصوصاً الولايات المتحدة الأميركية.
[ تؤكد على الرغبة بالتوصل الى حل شامل يهدف الى إقرار السلام الشامل وعلى قاعدة واضحة هي المبادرة العربية.
جنون التطرف الإسرائيلي
هذه الرسالة ضرورية جداً وفي التوقيت المطلوب. أمام حكومة الرأسين بنيامين نتنياهو وأفيغدور ليبرمان، ايهودا باراك ليس سوى ورقة التوت التي يُراد منها إخفاء جنون التطرف الإسرائيلي، يجب أن يكون الموقف العربي واضحاً وأن يكون عامل دفع وقوة لباراك أوباما. هذه المرة وبدون مبالغة الإدارة الأميركية بحاجة للموقف العربي، حتى تستطيع إعادة كرة النار الى المرمى الإسرائيلي.
من الضروري أيضاً أن يعرف أوباما، أن الدول العربية لا يمكنها انتظار موافقة إسرائيلية للتفاوض على قاعدة المبادرة العربية، وهي لا تسعى وتعمل سوى لتقطيع الوقت لتثبت قضمها وهضمها للأراضي الفلسطينية عبر بناء وتوسيع المستوطنات. مطلوب موقف أميركي فعلي. يجب أن يعرف أوباما أن ساعة الحقيقة تقترب وأنّ يأخذ ذلك في الاعتبار خلال تحركه على خريطة الشرق الأوسط. من حق الإدارة الأميركية أن تهتم بكيفية خروجها من العراق، لكن ما الفائدة إذا ربحت خروجاً سالماً من العراق، وخسرت على مساحة المنطقة، خصوصاً وأن اعترافاً علنياً من أوساط أميركية لها وزنها ومواقفها ترى أن شريحة الشباب في العالم العربي هي الأوسع، وكلما همّشت وبقيت محاصرة في زاوية الحرب والموت نمت في أعماقها عوامل التطرّف الأسود.
يبقى على هامش هذا اللقاء لوزراء خارجية الدول العربية الست في عمان وصياغتهم الرسالة عربية إلى الإدارة الأميركية، أن وليد المعلم وزير الخارجية السوري لم يغب لأسباب لوجيستية. كان بإمكانه حتى ولو كان مرتبطاً مع نظيره الإيراني بموعد مسبق، أن يؤجل هذا اللقاء 24 ساعة. عمق التحالف وقوة العلاقات تسمح بتدوير زوايا البروتوكول بينهما. الواقع أن دمشق أرادت التملص من الدخول في مناقشة حقيقية لبنود الرسالة. حالياً لا يمكنها الخروج عن سياسة التوافق العربية وفي الوقت نفسه لا يمكنها إزعاج حليفتها طهران التي لا تؤيد المبادرة العربية. الأهم أن دمشق تفضل أن تترك موقفها مفتوحاً على كل الاحتمالات متى دقت ساعة التفاوض الجدّي مع واشنطن.
ساركوزي وطوني بلير
هذا على الجانب العربي بالنسبة لأوباما، أما على الجانب الآخر وخصوصاً فرنسا التي تريد أن تلعب دوراً ٍأساسياً في أزمة الشرق الأوسط لعل أي نجاح فيها يضع الرئيس نيكولا ساركوزي على لائحة المرشحين لجائزة نوبل، فيعوض بذلك خسارته لجائزة ثقة الفرنسيين بسياسته الداخلية، فإن أمامه مشكلة عليه مواجهتها فوراً.
ساركوزي كان يرغب أن يكون طوني بلير مع أوباما فإذا به رغم كل ما قدمه ليؤكد أنه أميركي أكثر من كل الفرنسيين، أنه أمام واقع مرّ. فلا ساركوزي قادر على احتلال هذا الموقع والأسوأ أنه على خلاف عميق مع نظيره الأميركي حول التعامل مع إيران وحول أوربة تركيا، وحتى كيفية العمل بكل ما يتعلق بملف النزاع الفلسطيني ـ الإسرائيلي. أزمة ساركوزي أنه غير قادر على أكثر من مزاحمة أوباما تحت خيمته السياسية. لأن واشنطن ما زالت تدير العالم أولاً، ولأن الأطراف المعنية في كل الملفات يهمها الموقف الأميركي منهم، وأن تكون علاقاتهم مباشرة معها أما العلاقات مع فرنسا فإنها تبقى مجرد طرق على الباب لأخذ شهادة حسن سلوك ضرورية.
بعد هذا الموقف العربي الواضح، فإن اللعب سيصبح بين أوباما من جهة والثنائي نتنياهو ـ ليبرمان، نتيجة هذا اللعب ستكون من مسؤولية الطرفين الأميركي والإسرائيلي.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.