8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

أمن لبنان واستقراره ضروريان في مرحلة الحوارات الاقليمية والدولية واتفاق الدوحة قابل للتجديد

الانتخابات التشريعية المقبلة في لبنان، ستبقى موضع متابعة واهتمام من الدوائر السياسية والديبلوماسية الفرنسية. هذه الانتخابات لم تعد مشكلة. السؤال لم يعد هل ستجري أم لا، وماذا ستكون نتائجها. الانتخابات ستجري حكماً، ولا داعي للقلق. يوجد توافق عربي وإقليمي ودولي على ضرورة تنفيذ هذا الالتزام بهدوء. لا يمنع هذا من وقوع بعض الحوادث هنا أو هناك. لكن ذلك يبقى من طبيعة الفولكلور الانتخابي المعروف والمتعارف عليه في لبنان.
الطائف أو المثالثة
السؤال الكبير الذي تعمل دوائر خارجية عديدة ومنها بطبيعة الحال فرنسية: ماذا بعد 7 حزيران؟ كيف سيتم تشكيل الهيئات والمؤسسات من الحكومة ورئاستها الى التشكيلات والتعيينات الإدارية، لأن في هذه الإجابة تكمن عملية بناء السلم الأهلي، وتثبيت مؤسساته. بالنسبة لهذه الدوائر لا أحد من فريقي 14 و8 آذار سيحوز الأغلبية المطلقة التي تؤهله للحكم وحده، ما يتطلب معرفة موقع رئيس الجمهورية في هذه المعادلة، وبالتالي كيفية تحركه وحسمه للأمور، خصوصاً إذا ما تحول الى بيضة القبّان في التجاذب الحاصل بين القوى.
اتفاق الطائف ليس موضع نقاش في العواصم الخارجية خصوصاً في باريس. الاتفاق علني، وهو أن أي محاولة تطرح الآن أو مستقبلاً الاتفاق نصاً وتطبيقاً، تعني إدخال لبنان في دهاليز مظلمة مفتوحة على احتمالات تعريض السلم الأهلي كله للخطر. الجميع يعلم أن اللعب بـمقص التعديل أو التغيير، سيضع العملية كلها على مسار المطالبة بالمثالثة بين المسيحيين والشيعة والسنة.
هذه القاعدة الثابتة، لا تعني أنها تضمن حسن سير الأمور في لبنان. الدليل أن لبنان بدا محتاجاً الى أوكسجين اتفاق آخر، يُنتج توافقاً يضمن إعادة الاستقرار وحماية السلم الأهلي، وقد تمثل ذلك في اتفاق الدوحة. اتفاقية الدوحة برأي باريس هي التي سمحت بتشكيل آلية أعادت الهدوء والاستقرار الى لبنان، وسمحت بانتخاب الرئيس ميشال سليمان وتشكيل حكومة جديدة برئاسة الرئيس فؤاد السنيورة وإقرار قانون 1960 الانتخابي قانوناً للانتخابات الحالية، وإقامة العلاقات الديبلوماسية بين دمشق وبيروت.
اتفاق الدوحة وضع تطبيقه تحت باب مرة واحدة. لكن هذه المرة الواحدة نجحت كما يُقال نجاحاً منقطع النظير، فلماذا ـ برأي باريس ـ لا يتم تجديد العمل به لمرة أخرى أو أكثر بعد الانتخابات التشريعية؟.. خصوصاً وأن هذا التمديد أو التجديد يعني عملياً تمديد وتجديد الهدوء والاستقرار الضامن الوحيد لدعم بناء السلم الأهلي.
أول مرتكزات هذا الاتفاق كما هو معروف وكما ترد باريس هو في تشكيل حكومة وحدة وطنية، تكون تفاصيلها موضعاً للنقاش، خصوصاً ما يتعلق بالثلث الضامن أو المعطل، ما يعزز أهمية هذا التطور في المواقف، أن باريس تشدد على أن واشنطن متفاهمة معها حول ذلك، وأن هذا التفاهم جرى عندما زار جيفري فيلتمان (الذي جرى تثبيته في مركزه أخيراً) باريس بعد زيارته لدمشق وبيروت.
سلة المواقف
الموقف الآخر المهم ضمن سلة المواقف الدولية وخصوصاً باريس، المنفتحة جداً على دمشق، والتي تبدي اغتباطها بانضمام واشنطن الى هذا المسار مما يمكن تطويره نحو الكثير من الايجابية والبناء عليه في مرحلة الحوار الشامل خصوصاً ما يتعلق بالحوار مع طهران.
كما أن مسألة ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا، لم تعد مشكلة تستدعي التركيز عليها. فترسيم الحدود عملية قائمة ولم تعد موضع جدل، والرئيس السوري بشار الأسد أكد تجاوبه وقبوله به. بعد إقامة العلاقات الديبلوماسية يمكن لبيروت ودمشق التعامل مع هذا المسار بهدوء. الأولوية بالنسبة لكل العواصم المعنية بلبنان سواء كانت عربية أو دولية هي ضمان تأمين الحدود. في تفاصيل هذا التأمين ثلاث مسائل متداخلة، حل كل واحدة منها مرتبط بالأخرى:
[ الإرهاب وتسلل الإرهابيين عبر الحدود اللبنانية الى الداخل أو الى الخارج. وقف هذا التسلل تحول الى هدف مركزي أولاً لأنه عامل أساسي لضمان الهدوء والاستقرار في لبنان وعدم القلق أو الخوف من عمليات إرهابية على أرض مفتوحة على كل المخاطر، وبالتالي منع محاولة عبور الإرهابيين من الأراضي اللبنانية الى الخارج، باختصار قطع طرق العبور أمام الإرهابيين في كل الاتجاهات.
[ وقف عمليات تهريب السلاح. أهمية هذا الهدف ارتباطه بـحزب الله. ولا شك أن تجفيف مصادر السلاح الى حزب الله مسألة معقدة جداً ومرتبطة بشكل أو بآخر بمستقبل السلام والحرب في المنطقة وليس لبنان فقط.
[ ملف السلاح الفلسطيني، المتضمن تنظيم السلاح داخل المخيمات الفلسطينية ونزع السلاح خارج المخيمات. وإذا كان اللبنانيون قد اتفقوا على ذلك على طاولة الحوار في البرلمان اللبناني، فإن تنفيذ هذا الاتفاق ما يزال معلقاً. ويبدو أن دمشق أبلغت باريس أن مسألة السلاح الفلسطيني خارج المخيمات، مرتبط باتفاق القاهرة، ولذلك فإن معالجتها مؤجلة. لكن باريس أبلغت دمشق أن اتفاق القاهرة لا ينص على ذلك لأنه لم يتناول انتشار السلاح الفلسطيني على الحدود اللبنانية ـ السورية ولا تخزين السلاح في الناعمة البعيدة عن الخط الأزرق الحالي بين لبنان وإسرائيل.
المحكمة الدولية الثابت الوحيد
هذا الملف سيكون حاضراً وله الأولوية بعد الانتخابات التشريعية. وهو سيكون جزءاً من سلة الملفات التي ستتم مناقشتها بين بيروت ودمشق، لأن ضبط الأمن في المخيمات مهم جداً للشعبين اللبناني والفلسطيني، ذلك أن هذه المسألة تشكل الخاصرة الضعيفة المشتركة للبنانيين والفلسطينيين والتي يجب العمل بسرعة على حمايتها وعدم تعريضها لأي خطر خصوصاً وأنه سيكون قاتلاً تبعاً لتطور الأوضاع الفلسطينية المعرضة لكل الاختبارات في المرحلة المقبلة، خصوصاً في ظل انزلاق الإسرائيليين نحو مستنقع التطرف وليس فقط حكومة الثنائي بنيامين نتنياهو وافيغدور ليبرمان.
يبقى أن الثابت في كل التطورات هو المحكمة الدولية المتعلقة باغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، فقد خرجت المحكمة من دائرة النقاش، وهي أصبحت ثابتاً قائماً بحد ذاته تتشكل حولها ومعها التطورات، فالمحكمة خرجت من تفاصيل المناقشات اللبنانية ـ اللبنانية، ومن كل الضغوط الخارجية، مع العلم أن محاولة جعلها محكمة بلا محاكمة ستستمر عبر التدخل في إجراءاتها وليس على وجودها.
أكثر ما يعني العواصم المعنية تثبيت أمن واستقرار لبنان، لأن لبنان لم يستعد عافيته بعد، وهو ما زال معرضاً لكل الفيروسات العادية والخطيرة. ومن مصلحة الجميع تحصينه ضدها، لأنه في المرحلة القادمة خصوصاً مع بدء مرحلة الحوارات الاقليمية والدولية، يمكن أن يشكل ممراً لنقل العدوى الى محيطه، في وقت يجب أن يتفرغ فيه الجميع لمواجهة استحقاقات السلم والحرب معاً. الحوار يجب أن يصل الى خريطة طريق للحلول ضمن مهلة زمنية محددة ومحدودة.
ساعة الحقيقة دقت. مسؤولية اللبنانيين ضخمة جداً فهل يكونوا على قدرها؟.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00