لماذا يطلق الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي النار على الرئيس الأميركي باراك أوباما قبل أن ينهي المئة يوم الأولى من ولايته الرئاسية؟
ساركوزي توقع الكثير من أوباما قبل انتخابه رئيساً للولايات المتحدة الأميركية، فاستفاض في مدحه والتركيز على أوجه الشبه بينهما، فهما أبناء مهاجرين شق كل واحد طريقه حتى القمة. لم يلتفت ساركوزي كثيراً إلى ان هذا القاسم المشترك، لا يلغي الفرق العميق في شخصيتهما وفي اختلاف المسارات التي سلكاها لكي يحققا هدفهما بالوصول إلى القمة.
الاختلاف فالخلاف
كان يمكن أن لا يصل هذا الاختلاف إلى الخلاف. ساركو كما يطلق عليه في فرنسا، طبعاً يغلب على تطبعه الذي يجب أن يكسبه في قصر الاليزيه. طبع ساركو، حاد وهو لا يتوانى عن توجيه الاهانات إلى وزرائه حول أصغر التفاصيل في عملهم. وقد وصل الأمر في ادارته لشؤون فرنسا، ان الإعلام وصفه بالرئيس الموجود في كل مكان بعد أن اكتسب صفة المتسرّع الذي يحرق المراحل. وإذا كان قد نجح في واحدة، وهي وصوله إلى الرئاسة فإنه لم يحقق النجاح في الباقي. فقد أصبح معروفاً بأنه فشل فشلاً ذريعاً في إدارة الشؤون الداخلية في ظل أزمة مالية واقتصادية عالمية ـ وفرنسية ـ غير مسبوقة.
الرئيس الفرنسي اختار غداءً، جمع نواباً من اليمين واليسار الفرنسي ليقول رأيه في معظم الزعامات الدولية ومنهما اوباما، فوصفه بالضعيف وانه لا يملك الخبرة لأنه لم يتولّ يوماً منصباً وزارياً. أما ما قاله في رئيس الوزراء الاسباني جوزيه لويس ثباتيرو فقد تحول إلى حفلة ردح اسبانية من العيار الثقيل، خصوصاً بعدما وصفه بأنه ربما غير ذكي. الأطرف في كل ذلك ان ساركو اختار أسوأ توقيت لأنه سيزور اسبانيا في السابع والعشرين من هذا الشهر.
يرى البعض ان ما قاله ساركوزي في حق اوباما ليس مجرد هفوة يمكن تلافي آثارها. أكثر من ذلك يرى هؤلاء ان العلاقات الشخصية السيئة بين الرئيسين تكاد تضع العلاقات بين واشنطن وباريس على خط زلازل حقيقي. وإذا كان ساركو يقول بعض ما يفكر به، فإن اوباما يفعل بما يفكر فيه بصمت. الرئيس الأميركي لم يلتق ساركوزي ولن يلتقيه قبل السادس من حزيران، أي بعد خمسة أشهر تقريباً على انتخابه. مع العلم ان الرئيس الفرنسي كان يأمل بأن يكون أول رئيس دولي أو غربي على الأقل يجتمع بالرئيس الأميركي في واشنطن. الأقسى بالنسبة لساركوزي ان هذا اللقاء لن يتم في باريس، بل في النورماندي على هامش الاحتفالات بذكرى إنزال الحلفاء خلال الحرب العالمية الثانية، في حين ان اوباما سيتوجه من فرنسا إلى موسكو لملاقاة الرئيس الروسي ميدفيديف.
إنهيار الثقة باكراً
لماذا خيب أوباما آمال ساركوزي إلى هذه الدرجة؟
* في 13 تشرين الثاني، وفي عزّ الحملة الانتخابية الرئاسية، اتهم ساركوزي، أثناء خطاب له في قصر الاليزيه بعد تلقيه جائزة الشجاعة السياسية لدوره في حل النزاع بين روسيا وجورجيا، صديقه الرئيس جورج بوش بأنه طلب منه عدم الذهاب إلى موسكو لأن الروس يريدون احتلال تبليسي.
لم يتحمل البيت الأبيض هذا الاتهام، فاستدعى ستيف هادلي مسؤول الأمن القومي الاميركي، السفير الفرنسي في واشنطن وسلمه نص المحادثة الهاتفية بين الرئيسين الاميركي والفرنسي وهي عكس ما قاله الاخير. بوش قال له: إذهب معك حق، وأنا أدعمك. النسخة نفسها سلمت إلى اوباما أثناء التحضيرات لتسلمه الرئاسة.بهذا قامت العلاقات من تحت الصفر لغياب عامل الثقة.
* في قصر الاليزيه، أثناء استقبال رسمي لنائب الرئيس الأميركي جو بايدن، ترحرح الرئيس الفرنسي كثيراً مبرزاً أهميته. فأكد علناً بأنه قرأ خطاب ضيفه قبل أن يلقيه. فما كان من بايدن إلا أن رد بقسوة: كان يجب أن تقول بحقي أشياء جميلة أكثر.
القنبلة الصوتية
* القنبلة الصوتية التي أزعجت وأغضبت ساركوزي إلى درجة قوله عن اوباما بأنه تنقصه الخبرة، كما يرى الكثيرون من الخبراء، هي الرسالة التي وجهها الرئيس الاميركي المنتخب إلى الرئيس السابق جاك شيراك والتي تمنى فيها قيام التعاون بينهما من أجل السلام خلال السنوات الأربع المقبلة. الكثيرون رأوا فيها إشادة واضحة من اوباما بالرئيس الفرنسي السابق لموقفه المعارض للحرب ضد العراق، في حين ان ساركوزي انفرد آنذاك بين المسؤولين الفرنسيين بدعم القرار الأميركي بالحرب.
هذه الخلافات الشخصية تبلورت في التعامل مع الملفات الدولية، ذلك ان الرئيس الفرنسي مع وزير خارجيته برنار كوشنير يريان ان اوباما تسرّع كثيراً في عرض الحوار على طهران، وانه بذلك حوّل ست سنوات من الجهود الأوروبية إلى الصفر. وقد وصل الأمر أن ساركوزي قال في الكويت: أتمنى حقاً أن يحاور اوباما طهران لكن بعد انتهاء الانتخابات الرئاسية الايرانية. هذا التوجه فُسّر في واشنطن بأنه يحذر نظيره من لعب لعبة أحمدي نجاد.
هذه الهفوة الساركوزية جرت معالجتها بسرعة، فقد تراجع عن نصيحته واصفاً الانتخابات الايرانية بأنها غير مهمة في المفاوضات. المهم ان الحدث أثّر على تعميق خط الزلازل.
إذا كانت هذه هي الخلافات فإن باريس ترى وجود اتفاقات أبرزها حول مسار التعامل مع دمشق. ساركوزي يبدو سعيداً بأن نظيره الاميركي قد وضع نفسه على مسار التعامل مع دمشق بإيجابية وأن مبدأ الحوار والتفاهم قد تم تثبيته. لا يمكن تحديد حجم هذا النجاح حتى يبدأ الحوار جدياً حول سلة الملفات.
هذا النجاح، معلق أيضاً على الملف الفلسطيني الساخن. صحيح ان باريس تؤكد على ضرورة قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة إلى جانب إسرائيل، لكن العلاقات الشخصية الحادة بين الرئيس الفرنسي ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو تضع علامة سؤال كبيرة حول تطور هذه العلاقات وماذا سيفعل الأول في حال انفجر الخلاف الذي يتشكل حالياً بين واشنطن وتل أبيب حول طبيعة الحل للقضية الفلسطينية، التي تصرّ فيها على قيام الدولتين في حين ان الثنائي نتنياهو ـ ليبرمان يصرّان على الحل الاقتصادي فقط.
الكلمة الأخيرة في مسار الخلافات بين باريس وواشنطن لم تكتب بعد، لكن من الواضح انه لإخراج العلاقات من خط الزلازل على الرئيس الفرنسي بذل مجهود إضافي، علماً ان هذا الخلاف ليس من مصلحة أحد في منطقة الشرق الأوسط، لأنه سيزيد حجم المشاكل مشكلة اضافية، في وقت المطلوب فيه ضم الجهود وتوحيدها لتخفيف المشاكل.
يبقى في دول ديموقراطية مثل فرنسا والولايات المتحدة الاميركية، يكون القرار النهائي في حق الرئيس، حقاً لكل مواطن، الذي هو الضامن الحقيقي لحسن سير المؤسسات ومَن يتولى قيادتها.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.