8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

تحوّل بطيء وثابت داخل المجتمع الأميركي ضدّ السياسة الإسرائيلية يدعم سياسة التغيير الأوبامية

التوافق بين المحافظين المتشددين الإيرانيين والأميركيين في وصف الرئيس باراك أوباما بأنه خروتشوف الولايات المتحدة الأميركية، هل هو مجرد صدفة أو نتيجة لتوقيت محسوب جداً؟ وكيف ولماذا وقع التقاطع والتوافق بين الشيطان الأكبر، ومحور الشر في وقت تصاعدت فيه الدقات الثلاث لافتتاح مسرح الحوار بين واشنطن وطهران؟
المحافظون المتشددين في واشنطن يرون في أوباما خروتشوف جديد يضعف الولايات المتحدة الأميركية، لأنه قيل بالحوار من باب الخصومة مع أعداء الأمس مثل هوغو شافير رئيس فنزويلا، وأن هذا الموقف ليس إلا ورقة التوت للحوار القادم والأخطر مع طهران. أما المحافظون المتشددين في طهران، فإنهم يرون أن الولايات المتحدة الأميركية تمر في المرحلة السابقة لانهيارها وتفتتها على مثال الاتحاد السوفياتي. بذلك يتساوى المرشد آية الله خامنئي، تاريخياً مع الإمام الخميني الذي شهد انهيار الاتحاد السوفياتي، علماً أن الفارق كبير جداً، بعيداً عن الأماني والرغبات، الولايات المتحدة تمر في ظرف صعب بسبب الأزمة المالية والدخول في مرحلة تشكل قد تطول وتقصر لقيام عالم متعدد الأقطاب تنتهي فيه الاحادية الأميركية في إدارة شؤونه، وليس في مرحلة سابقة على الانهيار.
أيضاً وهو مهم جداً أن أوباما ليس خروتشوف ولا التغيير هو برميستوريكا أميركية التغيير الذي يقوم به أوباما، ما زال على قاعدة الاحترام والمصالح ومحاولة الاقتراب من البراكين المشتعلة أو التي تغلي لايجاد حصول لها عبر قراءات عميقة ومتأنية لها.
القمّتان والترحيب
حدثان يؤكدان هذا المسار الأوبامي قمة الأميركيتين حيث شدد على انه جاء للحوار حول المستقبل وليس للحديث عن الماضي مع ضرورة استيعاب تجاربه ودروسه، فكسب ترحيب الد اعداء بلاده وهما شافيز وراوول كاسترو ولقاء أوباما مع العاهل الأردني الملك عبدالله، الذي حمل خلاصة الموقف العربي من السلام كما ورد في الرسالة التي صاغها وزراء خارجية الدول التي اقيمت في عمان. في هذا اللقاء أكد أوباما ضرورة الرجوع عن حافة الهاوية أولاً، وتأييده القوي ثانياً لحل قائم على دولتين فلسطينية وإسرائيلية. لم ينس أوباما من الضغط على بنيامين نتنياهو وافيغدور ليبرمان برفق ولكن بحزم بقوله: هناك الكثير من الإسرائيليين يؤمنون بالحل القائم على دولتين.
باراك أوباما، يعرف الداء في الشرق الأوسط وهو يستطلع الأرض تمهيداً لوصف الدواء. بينما أحمدي نجاد الوجه الساطع للمحافظين المتشددين، يهدر صوته من جنيف ليرفع منسوب شعبيته قبل الانتخابات. بالنهاية لا حل لا سلام لا حرب، واستمرار الجمود السياسي القائم الذي هو أفضل الفرص أمام الجرافات الإسرائيلية لاكمال خطة توسيع المستوطات. خطاب نجاد مهم ومفيد لو لم يكن جزءاً من حملة انتخابية، وفي أحسن الظروف وأكثر النوايا طيبة قوة قنبلة صوتية لتغطية الرغبات والطموحات لسياسة الحوار المطلوبة والتفاهم المرجوة.
التغيير الذي يريده أوباما، ليس فعلاً آحادياً أو بالأحرى طموحاً فردياً. انه نتيجة إرهاصات تحول حقيقي يحصل حالياً داخل الولايات المتحدة الأميركية. طبعاً لا يجب المسارعة للبناء على هذا التحول وكأنه أصبح قائماً. يلزم الكثير من الوقت والمتابعة والمساهمة من العرب والمسلمين والقوى المؤيدة للسلام، لاستكماله وبدون مبالغة مزيداً من التطرف الإسرائيلي والإصرار على أن الولايات المتحدة تقبل كل مواقف إسرائيل وتدعمها كما يقول ليبرمان. هذا التطرف الإسرائيلي هو النار الحامية التي ستنضج التحول الأميركي، لأنه في لحظة معينة سيشعل معه المصالح الأميركية التي كانت وما زالت وستبقى قدس الأقداس لدى الشعب الأميركي.
الدراسة السابقة على زمنها التي أصدرها ستيفن والت وجون ميرشايم عام 2003 في كتاب حول اللوبي الإسرائيلي والسياسة الخارجية الأميركية، والتي كما يبدو أن الكثيرين من العرب قد نسوا وجودها، أو الأصح لم يتعاملوا معها على أساس أن الدراسة تشكل حدثاً استثنائياً يجب البناء عليها وتحويلها الى مسار كامل للتغيير، قام ستيفن والت نفسه بالتأسيس عليها بعد ست سنوات وفي مطلع المئة يوم الاولى لولاية أوباما، بتقديم دراسة جديدة تحت عنوان مثير جداً على الصعيد الأميركي وهو: هل تستطيع الولايات المتحدة الأميركية الضغط على إسرائيل؟
العرب يستبعدون عموماً هذا السؤال لانهم ينطلقون من انعدام الأمل بوجود جواب عليه. لكن يبدو أن الجدية التي يتمتع بها والت تؤكد أن حراكاً حقيقياً يحصل لدى شريحة المثقفين المؤثرين في صناعة القرار الأميركي. قد لا تكون الإجابة التي وضعها والت خريطة عمل كاملة ومتكاملة، وقد لا يكون بمقدور أوباما تنفيذها في ظل موازين القوى بين إدارته واللوبي اليهودي الأميركي، ولكن من الواضح أن الاجابة تقىء على زوايا مهمة لصنّاع القرار الأميركي الجديد.
لوبي يهودي مضاد لـايباك
أكثر من ذلك، أن الإعلان عن تشكيل لوبي يهودي جديد يقف في مواجهة أيباك اللوبي الشريك اليهودي وربما أكثر في صناعة القرار الأميركي في الشرق الأوسط طوال السنوات الماضية، يعني أيضاً أن الحراك الحاصل داخل شرائح واسعة من الأميركيين له صداه لدى شرائح واسعة من اليهود الأميركيين، وان ما يساعد على ذلك معرفة هذا الشرائح من اليهود ان وقوع المصالح الأميركية في تناقض مع الأهداف الإسرائيلية يعني سقوط ضحايا هم من أبرزها.
تقدم الدراسة ثماني أفكار رئيسة للتحرك الأميركي هذه خلاصتها:
[ خفض المساعدات الأميركية، وهي حالياً ثلاثة مليارات دولار. لكن من الضروري كما ينصح والت عدم البدء بها حتى لا تشتعل الحرب داخل الكونغرس.
[ تغيير الخطاب الأميركي. من ذلك استخدام تعبير غير شرعية ومنتهكة للقانون الدولي في وصف المستوطنات الإسرائيلية، ووصف الاحتلال بأنه قسري وغير عادل مما يوجه رسالة للإسرائيليين بأن رفض حل الدولتين يهدد العلاقات الأميركية ـ الإسرائيلية.
[ تدعيم قرار من الأمم المتحدة يدين الاحتلال، مما ينهي سياسة الفيتو الأميركية الداعمة لإسرائيل، ومن ثم رعاية قرار يدعو الى حل الدولتين.
[ خفض مستوى التعاون الاستراتيجي القائم حالياً في الجانبين العسكري والاستخباراتي، مما سيثير اهتمام المؤسسة العسكرية الإسرائيلية ويحولها الى قوة ضغط داخل إسرائيل.
[ خفض نسبة شراء الولايات المتحدة الأميركية معدات عسكرية إسرائيلية، بكل ما يعني ذلك من ضغوط مباشرة على الاقتصاد الإسرائيلية اثناء الوضع الاقتصادي المأزوم.
[ اتخاد موقف متشدد من المنظمات الخاصة التي تدعم بناء المستوطنات. ويشدد والت هنا: كما تراقب الاسهامات الخيرية على المنظمات التي تطلق عليها الارهابية تتم مراقبة الاسهامات الخيرية للمنظمات الصهيونية والنتائج معروفة مالياً وقضائياً.
[ وضع قيود على ضمانات القيود الأميركية لواشنطن تجربه في هذا الجانب مع الرئيس جورج بوش الاب عام 1992 عندما تحفظ على ضمان المليارات العشرة حتى انضمت إسرائيل الى مؤتمر مدريد ووقعت اتفاق أوسلو.
اسحاق شامير ومجيء اسحاق رابين. وفي هذا اشارة كافية نحو سقوط نتنياهو ومجيء آخر يقبل بحل الدولتين.
قد لا يتبنى باراك أوباما هذه النقاط الثمانية أو قد يتبنى بعضها. المهم في كل ذلك أن شجرة صغيرة قد ظهرت براعمها داخل الولايات المتحدة الأميركية. هذه الشجرة في حاجة الى أفعال وليس الى كلمات فماذا سيقدم العرب لها غير الكلام والبكاء على أطلال العجز، في وقت يصول فيها ويجول أحمدي نجاد في حملة حق يراد بها الفوز بسلة كاملة للمصالح الإيرانية؟

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00