العالم كله بخطر. تقدم طالبان ـ باكستان نحو اسلام آباد تهديد حقيقي للعالم وليس فقط للغرب. الطالبان في افغانستان، كانوا وما زالوا مرضا سرطانياً مضبوطاً. الآن وقد أخذ الطالبان باعتراف رئيس جمعية علماء الاسلام في باكستان يستعدون لطرق أبواب اسلام آباد قريباً، اذا ما استمروا في زحفهم بالخطى الحالية. معنى ذلك أن هذا السرطان خرج عن السيطرة وأخذ بالتمدد، وهو قادر على ذلك على طول قوس الأزمات الممتد من أفغانستان الى تركيا.
موقع باكستان الاستراتيجي على هذا القوس من جهة وامتلاكها للقوة النووية، يشكلان مفتاحاً لكل الرموز المانعة أمام تسونامي الأخطار. الولايات المتحدة الأميركية قبل غيرها مسؤولة عن خروج الوضع عن الضبط والانضباط. الأميركيون عرفوا قبل غيرهم أن باكستان تتحول تدريجياً الى أم الأخطار في العالم، ولم يتحركوا كما يجب على قاعدة استراتيجية واضحة. الادارة البوشية تركت الأرض مفتوحة أمام كل التشكلات التي تؤهل لوضع الطالبان يدهم على السلطة.
خطأ اقتحام المسجد الأحمر
في اللحظة التي غضّت واشنطن الطرف عن اقتحام المسجد الأحمر واعتقال الامام فيه، منحت الطالبان شيكاً على بياض لكي ينتشروا في كافة الشرائح الباكستانية. أصلاً الباكستانيون مؤهّلون لذلك، ألم ينموا طالبان أفغانستان في مدارس باكستان وفي أحضان المخابرات الباكستانية؟
أيضاً عندما أساءت واشنطن الحرب في أفغانستان وجعلت الطالبان ينتقلون بأسلحتهم الى منطقة القبائل في باكستان، فإنها قدمت باكستان على طبق من فضة للمتشددين وعلى رأسهم الطالبان بقيادة بيت الله محسود. هذه بعد مئة يوم من تسلم باراك أوباما الرئاسة، تجمع معظم مراكز الدراسات الأميركية وعلى مختلف انتماءاتها أن فييتنام ـ أوباما قد بدأت.
الأوبامية أصبحت ضحية مبكرة للبوشية، حرب فيتنام استمرت أربعة عشر عاماً، حرب أفغانستان مرشحة لأن تطول أكثر. الحرب في فيتنام أجبرت الولايات المتحدة الأميركية على التمدد سواء في عمليات خاصة أو من خلال قصف جوي الى الدول المحطية بها. المسار نفسه حصل مبكراً في أفغانستان، عمليات القصف الجوي داخل باكستان، ضد قواعد الطالبان وسقوط المدنيين، قلبت الوضع. الجيش الباكستاني تحدث علناً عن الخرق لسيادة بلادهم، وغير المقبول منهم ومن الشعب الباكستاني.
الأميركيون خسروا حرب فيتنام، ولم يتأثروا سوى بالخسائر من جنودهم. استطاعت واشنطن استعادة توازنها رغم كل الذكريات الأليمة وفداحة الخسائر. المشكلة في حرب أفغانستان ـ باكستان، انها، كما يقول ريتشارد هولبروك، المبعوث الخاص للرئاسة في أفغانستان وباكستان من غير المقبول الهزيمة في هذه الحرب. الفيتناميون انتصروا في الحرب، وعملوا فوراً على ترميم جراحهم في الداخل. في حال أفغانستان وحالياً باكستان فإن الطالبان ليسوا فيتناميين. كل انتصار يسجلونه، خطوة الى الأمام بالنجاح في الحرب ضد الصليبية الجديدة والشيطان الأكبر. انها حرب مفتوحة على مساحة العالم. حرب تتجاوز الحدود ولسيادات الدول، حرب بلا قواعد، السلاح فيها ليس له الكلمة الأخيرة، لأنها مزيج من الحروب الدينية والعرقية والحضارية.
الرقص مع الذئاب
باكستان ترقص حالياً مع الذئاب. وادي سوات أصبح خاضعاً لسلطة طالبان والشريعة الاسلامية. اذا حصل ودخل الطالبان الى اسلام آباد، فإن السؤال الكبير والخطير من سيضع يده على مفتاح السلاح النووي؟ ماذا لو نجحت مجموعة من القاعدة والطالبان بالاستيلاء على سلاح نووي قابل للاستخدام؟ وماذا لو تم استخدامه؟ هل ترد واشنطن على هذا السلاح النووي بمثله، فتحقق هدفاً ثميناً للطالبان وهو تحويل جميع الباكستانيين الى قنابل بشرية متنقلة؟
حتى ولو جرى استبعاد إمساك الطالبان بالسلاح النووي، فإن استيلاء هم على السلطة وحده هو قنبلة نووية اقليمية. هذا الانقلاب هو أولاً في وجه ايران. الايرانيون لم يتحملوا وجود الطالبان في أفغانستان التي تشكل ضاحية ايران الجغرافية، كيف سيتعاملون مع استيلائهم على باكستان التي لها حسابات مختلفة، فهي دولة عظيمة في المنطقة، وهي بسبب تركيبتها الديموغرافية تشكل خطر مباشراً على ايران. وجود البلوش وأحلام بلوشستان الكبرى، تعرّض وحدة ايران وأفغانستان لخطر التقسيم.
الحل العسكري لن ينجح في مواجهة الطالبان حتى ولو أرسل الناتو نصف مليون جندي ولن يربح الحرب. قد يربح معارك لكن النصر مستحيل، لذلك تبحث واشنطن، عن حلول أخرى. منها التفاوض مع العناصر الأفغانية المعتدلة، مثل المهندس قلب الدين حكمتيار، الذي كان أكثر القيادات الأفغانية تطرفاً أثناء الحرب ضد السوفيات، اصبح الآن قيادة معتدلة بالنسبة للطالبان. قوة حكمتيار أنه قائد بلوشي مهم وهو طموح جداً ويرغب باستلام الرئاسة خلفاً للرئيس الحالي حامد كرزاي. هولبروك أوفد مساعداً له مؤخراً وتفاوض مع مساعد حكمتيار. وطهران يمكنها المساعدة، لأن حكمتيار أقام فيها لسنوات. الخطر المشترك للأميركيين والايرانيين سيدفعهم لتوحيد جهودهم.
أيضاً يمكن لواشنطن أن تقبل بعودة العسكر الى اسلام آباد. كل شيء جاهز أمام هذه العودة. الرجل القوي في الجيش الجنرال اشفاق لن يتمنّع اذا وقع هذا الخيار، الجيش وحده يمكنه مواجهة جهاز الاستخبارات الغاطس حتى أنفه في مستنقع التعاون مع الطالبان.
سؤال أخير وواقعي جداً. ماذا فعل ويفعل العرب أمام الحرب في باكستان. كلما توسعت الحرب ولم تنتصر واشنطن وحلفاؤها، كلما ارتفع منسوب الشعور بالانتصار لدى الطالبان والقاعدة والأصوليين المسلمين. ما سيؤدي الى انتاج أصوليين عرب أين من تشددهم الأفغان العرب الذين، لدى عودتهم الى بلادهم بعد هزيمة السوفيات في افغانستان وتخلي الأميركيين عنهم، أشعلوا حروباً ارهابية فيها الكثير من العبثية المدمرة؟. أما اذا انتصر الأميركيون وحلفاؤهم فإن مرارة الهزيمة ستنتج،حكماً، قاعدةً جديدة عنفها الأسود يتجاوز أكثر الكوابيس رعباً ودمارا ًمن التي عاشتها دول عربية عديدة، مثال العراق الذي سقط فيه ثمانمئة ألف قتيل مدني قد لا يكون شيئاً أمامه.
هل هذا السيناريو مبالغ في تشاؤمه؟
الآن قد يكون فيه شيء من المبالغة، غداً سيكون معتدلاً اذا ما عاد الطالبان العرب من أفغانستان وباكستان الى عالمنا العربي. يكفي التجهيل الذي سيفرضونه على مجتمعاتنا لتقدير حجم الخطر القائم. عندما يطرق الطالبان أبواب اسلام آباد يعني انهم يطرقون كل باب على امتداد دول قوس الأزمات الاسلامي. باكستان أصبحت أولوية بالنسبة لواشنطن لأن خطرها قائم ومتطوّر ونامٍ.
يبقى ماذا ستفعل الدول العربية قبل وقوع الكارثة؟
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.