تحوّلت عملية التفاوض بين واشنطن وطهران الى عامل أساسي من منظومة الانتخابات الرئاسية الايرانية. أما بين واشنطن ودمشق فإنها ما زالت في حالة من الكر والفرّ الديبلوماسية على وقع مستقبل المفاوضات الاسرائيلية ـ السورية، وفي وسط هذه الدورة للمسارين، فإن ما يقارب بينهما الى درجة التقاطع يعود فيباعد بينهما ويجعلهما خطين متوازيين. وفي وسط كل هذه الدورة يبقى التساؤل الأساسي حول طبيعة الدور الأميركي المقبل من المسار الفلسطيني ـ الاسرائيلي الذي يبدو وكأنه أمام حائط مسدود.
قبول التفاوض أو رفضه
أحمدي نجاد الرئيس ـ المرشح، أدرك مؤخراً ان موقفه من التفاوض مع الرئيس باراك أوباما، مطلوب توضيحه أمام الايرانيين قبل الأميركين. لم يعد بإمكانه إدارة ظهره لهذه المسألة. أوباما أحرج نجاد وكل القوى الايرانية المتشددة، لا يمكن تجاهله، لأنه مدّ يده لكل ايران. لم يعد أمام الايرانيين، وعلى رأسهم المرشد آية الله علي خامنئي، خياراً آخر سوى القبول بعرض التفاوض أو رفضه. القبول يفرض عليه توجهاً سياسياً مختلفاً. الرفض يترتب عليه مسؤوليات ضخمة مفتوحة على مخاطر غير محدودة. من الواضح ان الايرانيين لا يريدون مطلقاً الوصول الى نقطة اللاعودة والدخول في مواجهات أولها حصار اقتصادي قاس، لن تكون آثار القرارات السابقة سوى مجرد خدش على جبين الاقتصاد الايراني بالنسبة لما يمكن أن يحصل مستقبلاً. ما يساهم في تعميق الآثار انخفاض سعر النفط الذي يبدو جلياً أنه الى انخفاض حتى نهاية السنة الايرانية في آذار 2010 على الأقل.
الرئيس ـ المرشح الذي كان غير مهتم بالتفاوض ويعمل على التصعيد لعل ذلك يكسبه أصواتاً يحتاج اليها في الانتخابات، لم يعد يضع شروطاً للمفاوضات؛ ما يطلبه وضع اطار واضح للتحاور مع واشنطن. هذا الطلب طبيعي، لكنه، رغم أنه أردفه ضرورة إضافة مسائل جديدة لأنه حصلت تطورات عديدة خلال هذا العام. نجاد تدخل أيضاً في محاكمة الصحافية الايرانية ـ الأميركية التي حوكمت وحكم عليها بالسجن بسرعة قياسية، لكي يوجه رسالة الى واشنطن بأنه بالنسبة لقوى متشددة أخرى في ايران ما يبقى قوة معتدلة يمكن التفاهم معها مستقبلاً.
عمليات الاستكشاف والعروض العلنية مستمرة بين واشنطن وطهران، حتى ظهور نتائج الانتخابات الرئاسية وسماع خطاب الرئيس المنتخب بعد فوزه. نجاد سيقدم عروضاً أخرى أكثر اعتدالاً وسيتحين الفرص لتوجيه رسائل إلى الادارة الأميركية، خصوصاً وأنه يواجه مرشحاً قوياً هو مير حسين موسوي الذي كان أول مسؤول نادى بضرورة التحاور مع واشنطن. كان موسوي رئيساً للوزراء وخامنئي رئيساً للجمهورية، تحت إشراف الإمام الخميني. اختلفت الظروف الآن، لم تعد المطالبة بالحوار مع الشيطان الأكبر خطيئة لا تغتفر. حتى القبول بإسرائيل في حال قبل بها الفلسطينيون (أي حماس والجهاد) لم يعد ممنوعاً.
من الطبيعي جداً أن يحاول كل طرف قبل المفاوضات واثناءها، أن يتعرّف على خصمه، خصوصاً حول ماذا يريد وماذا يستطيع، توصلاً للحصول على أقصى ما يمكنه من خصمه، وأن تكون الكلفة التي سيدفعها أقل ما يمكن. المفاوضات ستجري على سلة كبيرة، أصبحت محتوياتها معروفة، لكن المطالب حولها غامضة، لأن كل طرف يخبئ عن الطرف الآخر حقيقة نواياه. مشكلة المفاوض الايراني المقبل سواء كان نجاد أو موسوي ودائماً تحت عباءة المرشد خامنئي او اوباما لن يترك المفاوضات مفتوحة لأن في صلب سياسته ان الحوار ليس للحوار.
سنكه طق
دمشق، تقف منذ انفتاح فرنسا عليها حسب التعبير العثماني سنكه طق أي جاهزة مئة بالمئة للتقدم بحرارة أمام اوباما. الرئيس السوري يرى في اوباما أنه يشكل مثالاً لتمازج الحضارات. دمشق تتابع مسار الانفتاح المتبادل مع الدول الأوروبية. لكن يبقى في قلب دمشق قراراً ثانياً وهو ان كل ذلك لن يطعمها الخبز حسب المثل الشعبي. فقط التفاهم مع واشنطن هو الأساس. حالياً تؤجل دمشق الرد على الأسئلة الاميركية الصعبة وهي مستقبل علاقاتها مع طهران وحماس وحزب الله. هذا التأجيل طبيعي جداً، لأن أي إجابة تضعفها على طاولة المفاوضات أمام الأميركي ومع حلفائها. لا يمكن لمفاوض أن يتعرّى قبل أن يدخل إلى المفاوضات. على طاولة الحوار، يحدد ماذا سينزع منه وماذا سيبقي. ايضاً في حالة دمشق، فإن انتظار بدء المفاوضات الايرانية ـ الأميركية مهم جداً. إذا جلست طهران على الطاولة جدياً يصبح من الطبيعي معرفة سقف المفاوضات، واللعب فوقه أو تحته حسب التطورات.
دمشق أيضاً، مهما بقيت واشنطن متشددة حيالها خصوصاً بكل ما يتعلق بلبنان، تستطيع اللعب على الوقت مجدداً بعكس ما يحصل لايران. التطرف الإسرائيلي يمنحها هذه الفرصة الاستنسابية. كلما تشدد الاسرائيليون كلما احرجوا اوباما وادارته قبل أن يحرجوا دمشق، التي لن تكون مستعجلة لمعرفة حقيقة موقف نتنياهو ـ ليبرمان. هذا التأخير يعطي دمشق فرصة أطول لمعرفة تفاصيل المسار الأميركي ـ الايراني. وبالتالي اختيار ما يمكن لواشنطن ان تعطيه لها او ما لا تريد أن تعطيه لها.
يبقى الفلسطينيون، الذين يخسرون يومياً أرضهم في عملية إسرائيلية ثابتة من القضم والهضم المستمر من جهة، وفي استمرار الاقتتال الفلسطيني ـ الفلسطيني تحت السكين الإسرائيلية من جهة أخرى. اوباما يريد فعلاً رؤية دولتين فلسطينية وإسرائيلية. لكن السؤال يبقى: كيف سيتدخل عند نتنياهو ـ ليبرمان للتوصل إلى حل؟ حالياً قدّم لهما هدية واضحة تتمثل بإقراره استمرار برنامج المساعدات وقيمته ثلاثة مليارات دولار، وتقديم تسعمئة مليون دولار للفلسطينيين شرط ألا تصل الأموال إلى حماس مما يعني عدم اعتراف ادارته بها، كما قاطع مؤتمر دوربان ـ 2. هذه الهدية هل ستقنع نتنياهو بالتغيير على قاعدة انه لن يتغير الموقف الاميركي الملتزم بإسرائيل وامنها واقتصادها قيد أنملة؟
نجاح الادارة الاوبامية ملح ومطلوب تحقيقاً لسلامة المنطقة والعالم. العاهل الاردني الملك عبدالله العائد من لقائه مع الرئيس اوباما قال ان نزاعاً جديداً بعد 18 شهراً، أي مع مطلع العام ، متوقع بين إسرائيل وفريق آخر إذا لم يحصل تقدم، في اشارة ضمنية الى ايران.
مرة أخرى، المنطقة أمام خيار جديد من الحرب والسلام. الكرة هذه المرة عند طهران وإسرائيل في وقت واحد.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.