8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

العراق لبناء جسور الثقة مع دول الجوار والعلاقات تقوم على المشاركة والتنافس

العراق الخارج من الجحيم، لن يكون مطلقاً العراق القديم، مالك الذهبين النفط والماء وطموحات لا حدود لها، حتى ولو كان العراق ما زال يملك ما ملكه، فإن كل شيء تغير، الطموحات أصبحت محدودة سبقتها إعادة الاستقرار وكامل السيادة والنمو وإقامة علاقات طبيعية لا تخيف ولا يخاف منها. التغيير واضح، نوري المالكي ليس ولن يكون صدام حسين. مثلما أن نيكولا ساركوزي رئيس فرنسا الذي يتمتع بالصلاحيات نفسها، ليس ولن يكون فرنسوا ميتران، الرئيس الراحل ولا جاك شيراك الرئيس السلف الصامت.
المالكي: نجحنا وفشلنا
رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، يريد أن يفتح العراق على العالم. قبل ذلك يعمل لأن يفتح العالم على العراق، ولو تحت وطأة تصعيد أمني جديد يثير المخاوف والتكهنات. بعد لندن جاء المالكي الى باريس. عادل عبد المهدي نائب الرئيس العراقي الذي عاش في فرنسا طويلاً أيام المعارضة ويعرفها كما هي، كان قد سبقه واستقبله نيكولا ساركوزي في الاليزيه قبل أسابيع. نوري المالكي، ليس لديه الكثير ما يهديه لفرنسا، لكن لديه ما يحفزها على العمل واستغلال علاقات قديمة ايجابية مع العراق لإعادة بناء ما أنهار، لكن على أسس جديدة.
رئيس الوزراء العراقي، الذي كان يوصف في فرنسا بأنه ضيف، تحول الى رجل المستقبل بعدما نجح في اختبارات عديدة في السلطة. جاء الى باريس واختار أن يتكلم في الأكاديمية الديبلوماسية الدولية التي يترأسها حالياً جان كلود كوسران، أحد أبرز الخبراء بالمنطقة حيث عاش في لبنان ودرس فيه وعمل سفيراً في دمشق والقدس وموفداً رئاسياً الى لبنان ورئيساً لجهاز الأمن المضاد للتجسس الفرنسي. المالكي اختار التواضع في عرضه، فهو أدرك دقة الكلمة في هذه الأكاديمية التي تأسست عام 1962 وما زالت تسير بدقة وكفاءة حتى الآن.
لقد قمنا بالكثير، أصبنا وأخطأنا. نجحنا وفشلنا. لكن العراق لن يعود الى الديكتاتورية. هذا ملخص بداية الكلام للمالكي، بعد هذا العرض السريع. أخذ المالكي يوجه الرسائل الى الجميع. اختار لغة بسيطة، لم يخصص لأحد بما فيها فرنسا أي مغالاة في التقدير، هذه اللغة الجديدة، خصوصاً وأن العادة جرت أن يطنب الضيف العربي باستذكار الدور التاريخي لفرنسا، أثار بعض الاستغراب في بعض أوساط الحاضرين، لكن يعني استغراباً ممزوجاً بالارتياح لا داعي للاكثار من المدائح وفي النهاية النتائج صفر الواقعية أفضل سلاح للوصول الى العقل، كما شدد أحد المشاركين.
رسالة الداخل التي شدد عليها المالكي قبل لقائه الرئيس نيكولا ساركوزي في الاليزيه لفترة لا تزيد عن نصف ساعة، وقبله رجال الأعمال الفرنسيين، أن الخلافات طبيعية، لا مشكلة بين العراقيين. التصعيد الأمني الأخير لا يخيف لانه محدود. قبل اليوم كانت اقاليم كاملة خاضعة للارهاب، كانوا يتحركون علناً ويعملون على قيام دولهم حالياً أصبحوا مجموعات قليلة العدد تتحرك سراً، كما اننا نجحنا في السنوات القليلة رغم الارهاب، إجراء أربعة انتخابات وحالياً نستعد لإجراء الانتخابات الخامسة وهي نيابية، نحن نأخذ، كما يشدد المالكي ويكرر، على أن العراق يأخذ كل الاحتياطات لمنع عودة الديكتاتورية.
رسائل الى الداخل والخارج
بعد الداخل، الخارج. المالكي قدم عروضاً دون أن يخص فرنسا بعرض لها. مضت الأيام التي كانت فرنسا تطلب فتأخذ، عليها الآن ومستقبلاً أن تنافس وتنجح لتحصل. العراق يعيش فوق بحيرات من النفط هذا التوصيف هو نوع من عرض المجهول من المعلوم لكنه ضروري جداً، هذا الغنى الضخم، أصبح يقوم على قاعدة ذهبية هي الشراكة والاستثمار. العراق مستعد وجاهز للعودة الى الشراكة. حالياً توجد هيئة لدراسة الاستثمار، ما على فرنسا وغيرها من الدول سوى التنافس على شركات النفط أن تتنافس للحصول على العقود، والمنافسة قوية وصعبة. والزيارة التي يقوم بها المالكي لفرنسا وغيرها من الدول بما فيها روسيا التي تثبت زيارتها أن لا محظورات، هي لتأكيد رغبة العراق بالانفتاح وإعادة العلاقات التي انقطعت، الى السابق. بغداد ستنفتح على باريس، السؤال هل ستقوم فرنسا بالانفتاح، وكيف؟
الإشارة الى فرنسا والعقود جاءت ضمنية. المالكي، وهو يعرض العلاقات المتينة، شدد على أن العراق لا يريد السلاح، لأن لا طموحات لديه للعودة الى جيش المليون. الفرنسيون الحاضرون التقطوا الرسالة بسرعة. مضمون الرسالة واضح جداً، لا عقود أسلحة ضخمة. المطلوب فقط المشاركة في بناء الشرطة العراقية. تسليحها معروف، أما تدريبها فيتطلب رؤية كاملة حول دورها المستقبلي. لهذا فإن العلاقات بين العراق وفرنسا وغيرها لم تعد عسكرية وإنما اقتصادية وتجارية.
رسالة أخرى وجهها المالكي عبر فرنسا، مضمونها المطالبة بحل مشكلة الديون المترتبة على العراق نتيجة لقرارات الأمم المتحدة في إطار العقوبات التي فرضت عليه بسبب سياسته القديمة باستخدام الأسلحة الكيمياوية أو بسبب غزو العراق. نادي روما ألغى الجزء الأساسي. بغداد مستعدة لدفع ما بقي مستحقاً عليها وهو حوالي أربعة مليارات دولار. على مجلس الأمن مراجعتها واتخاذ قرار مناسب حولها. كذلك على الدول المعنية بذلك، ومنها الكويت، اتخاذ قرارات مناسبة بمبادرة منها، والمثال واضح من نادي روما وباريس.
يبقى أن المالكي، وهو يستعرض علاقات العراق مع الخارج، حافظ على حذر محسوب بدقة، فالعراق لم يشف نهائياً، وهو في قلب دورة جديدة من العنف. قصف طائرات إيرانية على الأراضي العراقية ضد الأكراد، يتناقض مع السيادة العراقية، لكن لا يمكن الرد بإسهاب على ذلك قبل العودة الى العراق ومعرفة الأسباب والأوضاع. لكن هذا لا يمنع المالكي من الإشارة الى عقدة الإرهاب والنشاط الإرهابي الذي تقوم به حركة مجاهدي خلق الإيرانية ضد إيران ولا العمال الكردستاني ضد تركيا.
كانت تلبية طموحات الرئيس السابق صدام حسين المفتاح الأول والحقيقي للحصول على الصفقات غير المحدودة، حالياً ومستقبلاً لم يعد الأمر سهلاً. لا طموحات للعراق والعراقيين سوى إعادة الأمن والاستقرار أولاً الى العراق، وتحصينه أمام احتمال العودة، ولو كان محدوداً للديكتاتورية من جهة، وإعادة بناء العراق الذي وحده قطاع النفط بحاجة الى خمسين مليار دولار وأكثر، فكيف بالبنى التحتية على مساحته.
يبقى أن المالكي تحدث طويلاً عن الوضع الأمني السابق الذي حال دون عودة العرب إليه. الآن لا عذر أمام أحد. لم يستغرب أحد أن المالكي كان بخيلاً في حديثة عن علاقات العراق مع محيطه العربي. لذلك هو يشدد بعد أن سأله صحافي عن القضية الفلسطينية على محاربة ثقافة العنف هذا الخطر الذي يهدد المنطقة، مع العلم أن القضية الفلسطينية هي قلب القضايا والأزمات في المنطقة.
استعادة العراق عافيته وعودته الى القلب من الوطن العربي والعالم، تعني سقوط العرقنة. هذا فقط بشكل مكسباً لتثبيت السلم الأهلي في لبنان.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00