هل تتغير قواعد اللعبة في لبنان، في الثامن من حزيران غداة الانتخابات التشريعية، وفي أي اتجاه؟
هذا ما تبحث عنه باريس حالياً، للتحضير جيداً في قواعد التعامل والملاحقة للملف اللبناني. باريس تبدو بالإجمال مرتاحة للأوضاع ولمسار الانتخابات. حتى النتائج لا تبدو موضع قلق، طالما أن الهدوء والأمن والاستقرار كلها متوافرة. وإذا ما سار كل شيء دون تطورات دراماتيكية فإن لبنان يكون قد نجح في عبور امتحان آخر افرزه اتفاق الدوحة.
إنجاز يشبه المعجزة
باريس وهي تتسأل عن اليوم التالي للانتخابات تصر على أن المسؤولية عن مسار الوضع أصبحت مسؤولية اللبنانيين. منذ اتفاق الدوحة حتى الآن، نجحت باريس في التعامل بنجاح مع الملف اللبناني. لقد أصبح للبنان رئيس للجمهورية وحكومة وفاق حققت نجاحات واضحة رغم الصعوبات وتعقيدات تركيبتها السياسية القائمة على الثلث المعطل أو الضامن حسب تسمية الطرفين المتواجهين له. وخلال أقل من أربعة أسابيع، سينتخب اللبنانيون مجلساً جديداً للنواب. الأهم من كل ذلك، ولأنه كان جزءاً أساسياً من الدور الفرنسي، أن العلاقات الديبلوماسية قامت بين لبنان وسوريا، وقد تسلم السفير اللبناني السفارة في دمشق بعد أن قدم أوراق اعتماده للرئيس بشار الأسد، في حين تمت تسمية السفير السوري في بيروت.
هذا الإنجاز يشبه المعجزة. قبل أشهر قليلة لم يكن يتصور أحد أن تعترف دمشق اعترافاً سياسياً وديبلوماسياً كاملاً بلبنان. مهما حصل مستقبلاً فإن الزمن لن يرجع الى الوراء.
مهما تكن نتيجة التنافس على عدد المقاعد في البرلمان المنتخب في 8 حزيران، فإن السؤال الكبير بالنسبة لباريس هو أن يرى حزب الله من خلال النتائج بما فيها وقوع تسونامي شيعي على صناديق الاقتراع، أنه حصل على تفويض كامل من خلال هذا التفويض الشعبي الشيعي ـ فيلجأ عندئذ الى اعتماد إستراتيجية هجومية في الداخل لترجمة هذ ا التفويض بقرارات رسمية تناسبه سياسياً.
أخطر من ذلك، أن يحصل العماد ميشال عون على أكثرية مسيحية كبيرة، فيرى أنه حصل بذلك على وكالة عامة مسيحية تمنحه حق القرار والتحرك على وقع طموحاته التي مهما أنجز منها فإنها ستبقى عرجاء إذا لم يحصل على ما يعتبره حقاً له وهو رئاسة الجمهورية.
الخطر في كل ذلك أن التحالف العميق القائم بين حزب الله والعماد ميشال عون يكمن في ان يتحول الى تحالف وكالات عامة، وان تتم ترجمة هذه الوكالات في تنفيذ سياسة أقل ما يقال فيها إنقلابية خصوصاً ما يتعلق باتفاق الطائف. مما يضع لبنان كله أمام المجهول أو على الأقل أمام الشلل المؤسساتي الكامل، ليس من السهل التعافي منه، خصوصاً وأن الشلل الذي حصل في السابق انفجر في تجربة سلاح كادت تغتال السلم الأهلي نهائياً، ولو لم يحصل توافق عربي ـ دولي بسبب المتغيرات لما وجد دواء اتفاق الدوحة. وفي مثل حالة مثل تلك الحالة وفي ظل الأزمة المالية الدولية الحالية وعدم التأكد من أن التوافق العربي ـ العربي سيبقى مستمراً، فإن درجة الخطر ستتضاعف بالتأكيد.
الحل الموقت ـ الدائم
أمام هذا الاحتمال، فإن باريس تبدو مقتنعة بأن الحل الموقت ـ الدائم هو الأفضل أي أن اتفاق الدوحة الموقت قد يصبح أفضل الحلول الدائمة. بهذا فإن استمرار التوافق اللبناني ـ اللبناني بترجمته العملية في حكومة وفاق وطني، أفضل من الاحتمالات التي الكثير منها خطر جداً، وأن تكون العودة الى طاولة الحوار هي أفضل الوسائل لحل الخلافات. على الأقل إذا لم تتوصل الى وضع خطط وقواعد لحل الملفات الخلافية، فإن الحوار المباشر يخلق نوعاً من المعرفة المبنية على شفافية التعارف المباشر بعيداً عن الاعلام والتصاريح التي يكون معظمها للاستهلاك اليومي.
ما يدفع فرنسا أكثر فأكثر الى اعتماد قاعدة الموقت الدائم، أن رئيس الجمهورية ميشال سليمان، قادر على لعب دور إيجابي في ترجيح التوازن فالتوافق. وترى باريس أن ميشال سليمان أثبت منذ انتخابه وفي خلال فترة وجيزة نسبياً أنه فوق الأحزاب، وأنه ليس رهينة لأحد داخلياً وخارجياً، فهو يتحرك بعيداً عن لعبة الجذب والتجاذب. باختصار إنه نجح في عدم الانخراط في لعبة المحاور العربية والإقليمية. والدليل أنه على علاقات متوازنة وممتازة مع الرياض والقاهرة ودمشق. كما أنه نجح في عدم الانجرار نحو رفض طهران أو التحالف معها. كما أنه نجح في إقامة علاقات جيدة وفي وقت واحد مع تركيا وباريس وواشنطن.
هذا النجاح يؤهل الرئيس ميشال سليمان للعب دور أكثر فعالية وحضور متوازن مقبول من الجميع. بهذا أيضاً يستعيد رئيس الجمهورية الكثير من موقعه الرئاسي من دون الانزلاق نحو لعبة تعديل صلاحيات رئيس الجمهورية التي قد تطرح من جديد مستقبل اتفاق الطائف مع ما يعني ذلك من خطر واقعي يتناول المناصفة وصولاً الى المثالثة التي مهما قيل إنها غير مطروحة، ستكون مطروحة فور الانخراط في أي تعديل لاتفاق الطائف.
لم يعد لملف لبنان الأولوية في السياسة الفرنسية. هموم باريس تتجاوز حالياً هذا الملف الذي أصبح بعهدة اللبنانيين. الأولوية حالياً، للملف الإيراني، خصوصاً وأن باريس لم تعد قادرة على تحديد تفاصيل الموقف الأميركي منه. أيضاً مستقبل السلام في منطقة الشرق الأوسط في ظل حكومة بنيامين نتنياهو وتطرفه المتطرف، الذي يجر منطقة الشرق الأوسط كلها نحو انفجارات غير مسبوقة.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.