8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

واشنطن تقترع للحوار مع طهران وتتبادل الرسائل معها حول أفغانستان والأكراد

الولايات المتحدة الأميركية، حاضرة استثنائياً وبقوة في الانتخابات الرئاسية الايرانية. فور كل تصريح على مختلف المستويات يصدر من واشنطن، تبادر طهران على مختلف مواقع القرار أو المرشحين الرد عليه مباشرة أو ضمناً. في هذه العملية، تجري عملية دقيقة ومبرمجة في تبادل الرسائل المباشرة أو المشفرة، لم يحصل في حوالي 29 استحقاقاً انتخابياً ان وصل النقاش حول مستقبل العلاقات بين واشنطن وطهران الى هذا المستوى وبهذا الوضوح.
التغيير والمتغيرات
العالم كله يتابع لعبة كرة القدم القائمة حالياً بين طهران وواشنطن. هذه الديبلوماسية الجديدة تهم العالم، لأن مستقبل السلام والحرب يتناول منطقة الشرق الأوسط. الشرق كما تؤكد كل القراءات حالياً هو القلب من هذا العالم وهمومه، خصوصاً وان قوس الأزمات الاسلامي الممتد من أفغانستان الى تركيا عبر العراق وفلسطين ولبنان، يتضمن كل البؤر البركانية المتفجرة في العالم.
قبل اليوم، كان اي صوت أميركي يلمح الى الانتخابات حتى ولو كانت البلدية منها في ايران، كان يعتبر تدخلاً مكشوفاً مرفوضاً رسمياً وحتى شعبياً. كان مثل هذا التدخل يقلب الكفة، فينتقل الناخبون الى الضفة الرافضة للشيطان الأكبر. حالياً يتم تلقي كل الكرات بما تحمله من رسائل معينة، ويجري الرد عليها بسرعة. الحوار لم يعد مطلباً أميركياً فقط، أصبح حالة ايرانية عامة أيضاً. المسألة ليست في تغير المزاج الشعبي الايراني، أو اعلان التعب الشعبي من الثورة ومن الحصار الأميركي للبلاد. الأمر يتعلق بالاستعداد لتقبل المتغيرات خصوصاً القادمة من واشنطن الأوبامية.
لا تخلو ديبلوماسية الرسائل العلنية من تبادل كرات نارية، علماً ان كل ذلك أصبح من متضمنات مثل هذه الحالة. السؤال الكبير الذي يجتاح واشنطن وطهران أيضاً ومعهما العالم، هل ينجح أحمدي نجاد لولاية ثانية ويستمر الخطاب الشعبوي أم ان الايرانيين يحدثون تسونامي شعبي فيطيحون بنجاد، علماً ان القرار الأخير يبقى بيد المرشد آية الله علي خامنئي؟ سواء كانت النتيجة هذه أو تلك فإن قطبة مخفية مهمة جداً في كل ذلك. في ايران مراكز للقرار لا يمكن تجاوزها أو تجاهلها، فالقرار السياسي على المستوى القومي الايراني صناعة جماعية وليس فردية، على مثال صناعة السجاد حيث العائلة كلها تشارك في صناعتها مع ابقاء القطبة الأخيرة من حق رب العائلة.
لا شك ان الملف النووي هو عقدة القطع والوصل في كل ما يجري وسيجري. الايرانيون لن يتخلوا عن حقهم في امتلاك القوة النووية. المهم حصول واشنطن والعالم على ضمانات كافية لعدم تحويل هذه القوة الى قوة نووية عسكرية، لأنه لا يعود بقدرة أحد ضبط ايران الطموحة جداً، في منطقة ممزقة وفي عالم لا يحترم الا الأقوياء.
الرئيس باراك أوباما يريد فعلاً الحوار مع طهران. المهم ألا تفهم هذه الرغبة بأنها حالة ضعف يمكن المناورة عليها أو التلاعب بها. لذلك يريد أوباما وضع اشارات حمراء أولها أن الحوار لن يكون زمنياً مفتوحاً، لأنه لا مجال للحوار من أجل الحوار. لذلك فإن فترة الأشهر القليلة التي ستعقب الانتخابات الرئاسية في ايران، ستحسم الموقف. سواء كان نجاد أو موسوي في الرئاسة، فإن القرار بالانتقال من الحوار الى التفاوض على قاعدة واضحة كافية جداً. خلال هذه الفترة ستجري اختبارات هنا وهناك، من ذلك ان:
الاختيارات المتبادلة
[ واشنطن تختبر بدقة وحزم موقف طهران من الحرب ضد طالبان في باكستان وأفغانستان. مطلوب بسرعة وقوة موقف يصل الى درجة التحالف للمواجهة في مركز الحرب العالمية الثالثة الجديد.
[ طهران تريد موقفاً أميركياً واضحاً ومحدداً وربما مع ضمانات، بأن تخلي واشنطن عن محاولات قلب النظام أو العمل على تفكيك ايران في اطار ما يعرف الحرب الناعمة نهائىاً. هذا الطلب جرى تسجيله علناً وبوضوح في الاتهامات التي وجهها المرشد آية الله علي خامنئي حول تآمر أميركا على بلاده عبر تدريب أكراد عراقيين لمحاربتها، علماً ان المقصود في ذلك مقاتلي مجموعة بيجاك الكردية الايرانية التي تنفذ عمليات عسكرية داخل ايران نفسها منذ سنوات.
يبقى الموقف الاسرائيلي، الذي يبدو أنه تحول الى مأزق أميركي أيضاً. اذا كانت واشنطن لا تريد ان تتحول ايران الى قوة نووية مع نهاية العام 2013 كما تقول، فإن اسرائيل ترى ان ايران قادرة على انتاج قنبلة نووية من الآن وحتى العام 2012. المشكلة ان الباب أمام القيام بعمل عسكري ضد هذا الخطر المحتمل ينغلق يوماً بعد يوم، بحيث ستتلاشى امكانية التحرك كما تقول تل أبيب.
واشنطن ارسلت رسالة واضحة الى طهران أنها لا تريد أي عمل عسكري ضدها. هذه الرسالة وان كانت ليست رسمية الا انها تشكل حدثاً استثنائياً، خصوصاً وان الطرف المعني هو اسرائيل. نشر مركز الأبحاث والدراسات الاستراتيجية الأميركية في واشنطن تقريره هو نوع من كشف مخطط سري لإسرائيل وفي الوقت نفسه يشكل تحذيراً لإيران. التقرير يقع في مئة وأربع عشرة صفحة حول طبيعية وامكانية أي هجوم عسكري اسرائيلي ضد المنشآت النووية الايرانية، بالتفاصيل وبدقة واضحة مع تحليلات وتقديرات حول امكانية نجاحه وفشله.
بعيداً عن التفاصيل العسكرية الدقيقة (الهجوم يتطلب اشراك تسعين طائرة اسرائيلية مقاتلة وقاصفة وأكثر من عشر طائرات رادارات وحاملة وقود ونوعية القنابل المستخدمة التي تخترق سقفاً من ستة أمتار من الاسمنت المسلح المبنية ثلاثين متراً تحت الأرض، وامكانية خسارة اسرائيل ربع طائراتها) فإن الخلاصة هي الأهم، الخلاصة هي: ان الهجوم ممكن لكن نتائجه غير مضمونة، وانه سيوقع عشرات الآلاف من الضحايا ومئات آلاف الاصابات بالسرطان في ايران وجوارها القريب من الاماكن التي ستقصف في اصفهان وننتز وآراك، الى جانب ذلك كله فإن الهجوم سيثير أزمات سياسية وديبلوماسية مع الدول التي ستعبرها الطائرات الاسرائيلية ومنها تركيا والعراق والأردن وغيرها.
واشنطن ترفض فتح جبهة جديدة غير محددة النتائج والعواقب وهي في قلب حرب ممنوع الخسارة فيها، لأنها ضد الارهاب. بنيامين نتنياهو رفض التعهد أمام أوباما بعدم الاقدام على مثل هذه الخطوة المجنونة، وأحمدي نجاد يهدد بتحويل أي نقطة تنطلق منها قنبلة ضد بلاده الى جحيم مستعر.
من كان يتصور ان مستقبل المنطقة معلق على نتيجة انتخابات رئاسة ايرانية؟.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00