8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

الإدارة الأوبامية تربط استقرار لبنان باستقرار المنطقة فتخرجه من دوره التاريخي مختبراً للمواجهات

زيارة جو بايدن نائب الرئيس الأميركي لبيروت، هي زيارة للدولة اللبنانية. كيفية تقوية الدولة هي المهمة الأولى والأساسية في كل دوائر القرار الدولية وليس فقط واشنطن. ابراز اهتمام الادارة الأوبامية هو جزء أساسي وراسخ من الاستراتيجية الأميركية في منطقة الشرق الأوسط.
وقوع الزيارة قبل خمسة عشر يوماً من الانتخابات التشريعية في لبنان، تفتح الشهية للكثير وللمزيد من التساؤلات حول أهدافها، خصوصاً وأن واشنطن لا تخفي تفضيلها وتأييدها لقوى 14 آذار. لقاء بايدن مع الرؤساء الثلاثة، خصوصاً مع الرئيس نبيه بري في عين التينة، يؤكد التزام الولايات المتحدة الأميركية بالدولة اللبنانية من دون تمييز ولا تفضيل طالما ان هذه الرئاسات هي من أساس بناء الدولة اللبنانية وإليها تعود.
الادارة الأوبامية واضحة جداً في مواقفها حول لبنان. كلام بايدن في بيروت وما سبقه من مواقف من بعض صانعي المواقف والقرارات في واشنطن، يؤكد وجود خريطة طريق كاملة للتعامل مع لبنان حاضراً ومستقبلاً. الأهم ان منطلق هذه الخريطة بما فيها قاعدتها تقوم على صيغة استراتيجية محددة هي:
[ إن منطقة الشرق الأوسط تمر بظروف صعبة، هذا واقع لا يمكن التغافل عنه، المنطقة ترقص فوق صفيح نووي وليس ساخناً فقط.
[ لا يمكن تصّور السلام في المنطقة بلا لبنان مستقر. تأمين وضمان استقرار لبنان أصبح في المركز من العمل لأجل استقرار منطقة الشرق الأوسط. طوال عقود كانت الاختبارات الدامية باسم التغيير تجري في لبنان ـ المختبر. وظيفة هذا المختبر تبدو وكأنها قد تغيّرت، هذا التغيير في التعامل الأميركي المتضمن ـ طبيعياً ـ تغييراً دولياً، يجب على اللبنانيين العمل لتوظيفه وتطويره لاستثماره على جميع الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية.
[ ان استقلال لبنان وسيادته وأمنه وقوة مؤسساته هي شروط أساسية للسلام في المنطقة. هذه رسالة من الادارة الأوبامية ألقاها جو بايدن، موجهة الى المحيط الجغرافي ـ السياسي اللبناني. من غير المسموح بعد الآن حسب الترجمة الميدانية الفورية للآخرين من القوى القادرة على اللعب على مستقبل لبنان، الاستمرار في ذلك. ربما لم يصدر منذ انتخاب أوباما رئيساً للولايات المتحدة الأميركية، موقفاً واضحاً مثل هذا الموقف. حتى موقف الادارة البوشية بلبنان لم تكن بمثل هذه القوة، لأنه كان دائماً يقتصر على التعلق بلبنان المستقل. الآن وبعد ربط استقلال لبنان واستقراره باستقرار المنطقة، فإن من يعمل ضد هذا الخط يعمل ضد المنطقة كلها.
[ ان الادارة الأوبامية وضعت الرئيس ميشال سليمان والرئاسة فوق التداول. لذلك فإن أي طرف داخلي أو خارجي يتحرك ضد الرئاسة تحت أي بند أو صيغة أو هدف، يعمل ضد استقرار لبنان واستقلاله وبالتالي المنطقة.
[ ان الولايات المتحدة تريد أن يحكم لبنان من أجل اللبنانيين وباللبنانيين، لأنها تحتاج الى شريك وحليف وليس وكيلا. ولذلك فإنها ستتابع تقديم الدعم الى الدولة اللبنانية لتحرير لبنان من القوى والهيمنة الأمنية (رئيس اللجنة الفرعية بمجلس النواب للشرق الأوسط وجنوب آسيا).
[ ان تدعيم المحكمة ذات الطابع الدولي هو ضرورة بعيداً عن الانتخابات التشريعية، لأن المحكمة تعبر عن رغبة اللبنانيين، ومعهم المجتمع الدولي،في وضع حد لعهد الافلات من عقوبات الاغتيالات السياسية.
[ ان الديموقراطية لن تكون قوية من دون وجود مؤسسات قوية لبنانية.
زيارة لبنان المقصودة
بايدن الذي لم يزر لبنان صدفة ولا وهو في طريقه الى أو من محطة عربية أساسية أو ثانوية، وإنما زاره عن سابق تصور وتصميم، فإنه قام بذلك وهو يعلم ان قطار السلام وان كان حالياً واقفاً أمام جدار التطرف الاسرائيلي، فإن القطار لا بد أن يتحرك لاحقاً، لأن العالم لم يعد يتحمل عدم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، خصوصاً ان عدم الاستقرار والرقص الدائم مع الذئاب، يفجر أشكالاً من العنف الأسود الذي ينتشر بسرعة أكبر من سرعة انتشار الأوبئة القاتلة.
السلام الشامل المطلوب يعني أن يكون لبنان جزءاً منه. لذلك فإن أي عملية سلام في الشرق الأوسط لن تستثني لبنان. السلام الشامل قد يعني تقاطع المسارات، لكن ذلك لم يعد يعني وحدتها كما كانت في الماضي والدليل ان بايدن وضع شرطاً ملزماً وهو ان لا مساومة على سيادة لبنان.
هذا التوجه الأميركي نحو وضع صيغة لقيام سلام شامل لتجاوز الفيتو الاسرائيلي الحالي القائم حالياً سواء على المسار الفلسطيني أو السوري، لا تكون ناجزة بدون لبنان. من هنا فإن رفض الرئيس ميشال سليمان لتوطين الفلسطينيين في لبنان، يصغ كلمة السر الحقيقية والشرعية لدخول لبنان في اي مسار شامل لتحقيق السلام.
من المبكر جداً، وضع صيغة كاملة لخريطة الطريق الأميركية لتحقيق السلام في الشرق الأوسط، والتي نقطتها المركزية منذ الآن هي: قيام الدولتين الفلسطينية والاسرائيلية معاً. يبدو أن خطوط الاتصال والتواصل مفتوحة بين واشنطن والعواصم المعنية في المنطقة خصوصاً مع دمشق وطهران. من تفاصيل الرسائل المتبادلة، تتجسد عملية لتوحيد المسارات، الهدف منها انجاز اختبارات محددة تؤكد في نهايتها حقيقة النوايا والأهداف.
من وحدة هذه المسارات ان دمشق ملزمة بتوضيح موقفها في العراق وتعاونها فيه، وان دمشق ملزمة باحترام سيادة لبنان واستقلاله، والانتخابات التشريعية ممرّ إلزامي لتحديد موقف دمشق الحقيقي. وبالتالي يمكن البناء عليه أو عدم البناء. الوقت لم يعد مفتوحاً أمامها كما حصل في عهد جورج بوش. أوباما يعرف قواعد اللعبة الدمشقية وهو لن يلعب معها على أساس هذه القواعد، وانما على أساس ما يضمن فرزاً حقيقياً للنوايا والأهداف.
واشنطن أبلغت باريس الحاضنة والراعية لموقف دمشق، بأنه حتى الآن لم تفهم دمشق ما هو مطلوب منها في حين أن باريس ابلغت واشنطن رد سوريا على هذه الرسالة بأنها لم تفعل ما يجب عليها فعله ومن ذلك عدم اعادة أو تسمية سفير لها في دمشق.
الرسائل ستتوالى خلال الأسابيع القليلة المقبلة. بعد ذلك ستأتي مرحلة المواقف النهائية التي ستكون مطروحة للنقاش على طاولة المفاوضات وصياغة الحلول سواء كانت جماعية أو ثنائية، واما للمحاسبة والحساب.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00