التطرف جرثومةُ معدية. الاعتدال معدٍ أيضاً خصوصاً إذا ما جاء من واشنطن. بعد عامين من التشدد إلى درجة التطرف، يدير الرئيس ساركوزي تحولا متطرفا. في السياسة الخارجية ثمة انقلاب على الشيراكية، خصوصاً باتجاه العالم العربي. لم يبقَ لفرنسا سياسة عربية أصبح لها سياسة مع دول العالم العربي. اكتمل هذا التحول الساركوزي، مع إعلانه العلاقة العاطفية مع إسرائيل، وصداقته المتينة مع بيبي بنيامين نتنياهو..
الاعتدال الأميركي يفرض التحول الفرنسي
لم يقع هذا التحول صدفة، ولا حتى عن سابق تصور وتصميم. مراجعة حسابية لساركو، أكدت لها أنه لم يربح شيئا لا بل ان خسارته كانت حقيقية. خسر الكثير ومعه فرنسا في العالم العربي، ولم يربح إسرائيل. صداقته القديمة والمتينة ومراهنته مع بيبي عليه، إنتهت بفاجعة سياسية. لا يمكن تحقيق أي شيء عندما يكون الصديق مثل حائط كلما تكلمت معه، يرتد إليك كلامك كطابة. لا تنفع الهدايا ولا الحوار، الإضافة الأخرى والمهمة جاءت من واشنطن. راهن ساركوزي باكرا على المرشح أوباما على أساس أنه يشبهه. لكن المئة اليوم الأولى من رئاسة أوباما، أكدت أن لاشيء يربط بينهما، مثلما أن لا شيء يجمع بين القطيعة والتغيير.
الرئيس الفرنسي وهو يستعد لإستقبال الرئيس الأميركي باراك أوباما في النورمندي، وليس باريس، للإحتفال بذكرى الإنزال في الحرب العالمية الثانية على الشواطئ الفرنسية، بعد أن طال إنتظاره لهذا اللقاء ولهذه الزيارة، يعمل على التكيف مع السياسية الأوبامية حتى لا يقال ان التحول حصل بعد الزيارة وليس قبلها. لا يمكن لباريس أن تتشدد في وقت تعتدل فيه واشنطن. الأصعب أن الإعتدال الأميركي هو في مواجهة التطرف الإسرائيلي.
القرار الإسرائيلي، كان خلال عقود قرار أميركيا، حتى مناقشته كانت من موقع الشريك. لأول مرة يفترق المساران الأميركي والإسرائيلي. لايعني هذا الإفتراق أنه على طريق الطلاق، وإنما هو محاولة أميركية لإعادة تصويب المسارات. المصلحة القومية الأميركية فوق كل المصالح بما فيها الشريكة منها.
القطيعة مع السياسة الشيراكية برزت بداية بالتحول الساركوزي نحو دمشق. بعد العزلة الطويلة، جاء الإنفتاح، بعد أقل من شهرين على بدء ولايته، دعا الرئيس الفرنسي ساركوزي نظيره السوري بشار الأسد إلى باريس تحت بند المشاركة في المؤتمر التأسيسي للإتحاد المتوسطي {يبدو وكأن المشروع كله وضع على الرف بعد أن تبين أنه لا مجال للتأسيس عليه لإحداث تطبيع للعلاقات العربية الإسرائيلية والدخول عبره إلى التاريخ). كل خطوة سياسية سورية، خصوصا مع لبنان كانت تبادل بالتصفيق الحار وبالتأييد الواسع، من باريس.
الإشارة الصفراء
لم تتراجع باريس بعد عن هذا الإنفتاح على دمشق، لكنها أصبحت تضع علامات تساؤل تثيرها سياسة دمشق إلى درجة إشعال الضوء الأصفر في وجهها، خصوصا وأن الإنتخابات النيابية اللبنانية تثير، توقعات متناقضة ومخاوف متعددة. مصدر ديبلوماسي فرنسي يقول إن ما قامت به دمشق ليس كافيا حتى الآن، إقامة العلاقات الديبلوماسية مع لبنان أمر ممتاز، المشكلة أن طريقة تعاطيها مع لبنان لم تتغير. تدخل دمشق في شؤون لبنان، لم يتوقف. إقامة العلاقات الديبلوماسية أمر بسيط، لكن يجب أن يستكمل بترسيم الحدود بدءا من مزارع شبعا وحسم الغموض حولها، وتأمين الحدود اللبنانية، ومنع تهريب الأسلحة. كل هذا جزء من خريطة الطريق اللبنانية السورية.
دائما في السياسة الفرنسية، التي تعني العالم العربي، تأجيل زيارة بنيامين نتنياهو إلى باريس للمرة الثانية، خلال عشرة أيام، ليس نتيجة لضيق في الأجندة. الحقيقة أن باريس بدت محرجة جدا من زيارته لها. الصداقة شيء، والمصالح السياسية شيء آخر. تخوفت باريس من أن يحتمي بها تطرف نتنياهو وشريكه أفيغدور ليبرمان، فلا هي تربح شيئا منهما، في حين أنها ستخسر كثيرا مع العالم العربي, لا يمكن لباريس مهما بلغت قطيعتها مع الشيراكية، ألا تقوم دولة فلسطينية قابلة للحياة إلى جانب إسرائيل آمنة.
أريك شوفالييه، ناطق الخارجية الفرنسية، والمعين حديثا سفيرا لبلاده في دمشق {كان مساعدا لبرنار كوشنير في أطباء بلا حدود علق على الموقف الإسرائيلي الأخير بلغة ساركوزية مستجدة، بالغة الحدة تجاه تطرف المطالبة الإسرائيلي بأبدية القدس عاصمة لإسرائيل: نحن نعارض الإستيطان، والقدس عاصمة أبدية موحدة لإسرائيل ونستنكره، وهي عاصمة لدولتين.
في السادس من حزيران يلتقي الرئيسان، الأميركي أوباما عائد من الرياض والقاهرة، والفرنسي ساركوزي على شاطئ النورمندي، ليتذكرا نجاح الحلف القديم في الإنتصار في الحرب العالمية الثانية. الآن لا بد أن يتدارسا كيفية كسب الحرب العالمية الثالثة ضد الإرهاب. هذا الإنتصار يبدأ بمعالجة مركز الصراعات في الشرق الأوسط وعقدته النزاع الفلسطيني ـ الإسرائيلي.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.