خمسون عاماً مرت على إعلان الدستور في تونس. الاحتفال بهذا الإنجاز، حق مشروع للتونسيين ولحظة فرح لكل عربي يحلم أو يسعى لمثل هذه الحصافة. اللبنانيون يستطيعون أن يفاخروا أيضاً بأنهم الأقدم في هذا المسار. الدستور اللبناني قام وأعلن 1943غام . لذلك لا جديد ولا داعي للغيرة أو الحسد، رغم ذلك فإن وحدة المسار تفترق عند محطة التنفيذ.
إصلاحات في خمسين سنة
لا أحد يدعي أن الدستور التونسي كامل، لذا فإن عام 1987 شهد أول تطوير، وفي العام 2002 التطوير الثاني أو باللغة التونسية الدارجة حصل التحوير. يفاخر التوانسة اليوم بأنهم في إنجازهم هذا لم تقع القطيعة بين دستور 1959 ودستور 2002. ما حصل كما يشددون هو العمل على فتح أبواب التطوير في إطار التواصلية، النص المحور أو المغير يؤكد ذلك، من ذلك إلغاء الرئاسة مدى الحياة ومعها الخلافة الآلية وإنشأ المجلس الدستوري. قد يأتي اعتراض ناشئ عن استمرارية الرئاسة على دورات متتالية، لكن الفرق يبقى مهماً بين نص دستوري يؤكد على ديمومة الرئاسة ونص متطور يؤكد على تجديدها. الخيار جزء مهم من الدستور والحياة الدستورية.
الإصلاح ضمن التواصل. الأول ضروري، لمواكبة المتغيرات والاحتياجات العصرية الناتجة عنها على مختلف الصعد. الثاني مطلوب حتى لا يقع أي شرخ بين الأجيال من جهة وبين الماضي والحاضر. على هذه القاعدة يقع التغيير بهدوء ولا تحصل الزلازل بشكل مفاجئ. حتى ولو كانت توجد ملاحظات وحتى تحفظات مشروعة، فإن تونس نجحت في خمسين عاماً من تحقيق هذا الإنجاز. الدليل أن تونس تعيش في حالة استقرار كاملة، لم يتعرض فيها المجتمع التونسي لخطر أي زلزال ولو محدود، وأن أي حالة اعتراضية بقيت محدودة، لم تحرف مسارها باتجاه الهاوية.
لا شك أيضاً أن الدستور التونسي العلماني الى حد كبير، نفذ بوضوح ومن دون تردد خصوصاً على صعيد تلبية الحاجات المدنية. المرأة فيه محترمة وحقوقها مصانة من دون إسفاف، كما أن هذه العلمانية المعتدلة، حمت المجتمع من الرفض المتطرف. لأن التشدد يولد التطرف. والتطرف ينتج الانجراف نحو الهاوية. أيضاً فإن تطور الطبقة المتوسطة واتساعها مدنياً داخل المجتمع التونسي، شكل عموداً أساسياً لهذا الاستقرار، فالمجتمعات العربية التي عاشت أو تعيش حالات من التوترات والتراجعات والمراجعات المضنية إنما يعود جزء أساسي منها الى تراجع الطبقة المتوسط الى درجة التفكك والانهيار.
التغيير من الخارج
الدستور اللبناني، كان يمكنه تشكيل الاسمنت للمجتمع اللبناني الفريد بتعدديته. لكن ذلك لم يحصل، في كل مرة جرت فيها المطالبة بالتعديل والإصلاح، جاء الخوف واغتال المحاولات. الدستور المقدس لا يمكن أن ينتج عنه أي إصلاح. الخطأ ليس في الدستور وإنما في عملية زرع الخوف داخل هذه التعددية، ما حولها من منبع غزير للعطاء الى قنابل متفجرة وموقوتة ضد بعضها البعض.
الطائف جاء بعد 17 عاماً من الحروب الأهلية وحروب الآخرين، فأخرج لبنان من الجحيم، ميثاق الطائف هو تعديل واضح للدستور اللبناني وإن كان بصيغة الإضافة الشرعية. الآن يطالب البعض بتعديل الطائف أو حتى الانقلاب عليه، لو كان الأمر تلبية لحاجات لبنان واللبنانيين لما ولّد الخوف، لكن المسألة أنه يأتي وكأنه قنبلة موقوتة تحت شعار: ما أريد يتحقق أو لا شيء آخر مع أن هذا الشيء الآخر ينتج حتماً الأرض المحروقة.
إن كلام اليوم عن الجمهورية الثالثة أو العاشرة هو مشروع حرب بطريقة أو أخرى، لأنه إذا كان البعض يريد الإصلاح بالطرق الشرعية فإن البعض يريد الانقلاب على كل ذلك بعد أن يمتطي حصان الآخر.
هل يعني ذلك الاستسلام وعدم التغيير والإصلاح في لبنان حتى يقع التحجر فوق بركان لا يتوقف عن الغليان؟.
الجواب الطبيعي هو رفض التحجر وتلبية التغيير والإصلاح، لكن إذا كان ذلك سيضع لبنان أمام تجربة ساخنة أخرى فإن البحث عن طريق ثالثة واجب. هذا الطريق يمكن أن يتم عبر الحوار فالحوار سيد الأحكام اليوم وغداً. الاستقواء على الآخر في لبنان، لم ينتج سوى الخراب مهما كان هذا الآخر ضعيفاً. فالضعيف مهما كان ضعيفاً يصبح قوياً في حالة الانفجار والخراب.
قوة لبنان في توازن الرعب القائم بين أطرافه. استثمار هذه العلة بطريقة ايجابية يحمي لبنان من الانفجارات الدامية. أما اللعب على هذا التوازن لأي سبب كان، فإنه لعب مع قنبلة موقوتة، انفجارها قاتل ومدمر للجميع وأولهم اللاعب نفسه.
استطاعت تونس أن تصبح الحلقة الثابتة الهادئة والمستقرة وسط جغرافيا سياسية واجتماعية تغلي بالمتناقضات والتطرف، الاعتدال في كل شيء ساهم في ذلك. فلماذا لا يلجأ اللبنانيون الى هذا الدواء فيحموا أرضهم وأبناءهم ومجتمعاتهم على أمل أن يتمكنوا يوماً من الاحتكام الى العقل وحده فيأتي الإصلاح والتغيير المطلوب بطريقة هادئة ومنتجة ومن دون قلق من الغد؟.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.