ثلاث انتخابات في اسبوع واحد. واحدة في أوروبا لانتخاب البرلمان الأوروبي المشكل من 785 نائباً. والثانية في لبنان حيث البرلمان يضم 128 نائباً. والثالثة في الجمهورية الاسلامية في ايران، حيث سيتم انتخاب رئيس جديد للجمهورية. التباعد الجغرافي واضح، الى درجة الانفصال. التقاطع السياسي بينها قائم. كل واحدة منها هي انتخابات مفصلية بشكل أو بآخر. نتائج كل واحدة منها تشكل جزءاً من خريطة طريق للمرحلة المقبلة.
أوروبا قوة أو سويسرا غنية
البرلمان الأوروبي، لم يصبح حتى الآن همّا محلياً لكل دولة من دول الاتحاد. نسب المشاركة الشعبية في الانتخابات ما زالت متحفظة جداً على المستوى الأوروبي وفي داخل كل دولة على حدة. جزء أساسي من هذا الاهمال الشعبي لهذه الانتخابات ان تحديد دور البرلمان الأوروبي ما زال غير حرفي وغير واضح. حتى الآن البرلمان الأوروبي ليبرالي أكثر من اللزوم، مع ذلك لا يتحمس اليسار الأوروبي بالاندفاع نحو المشاركة الشعبية الكثيفة للعمل على تغيير وجهة هذا البرلمان كما ترغب القواعد الشعبية في دول الاتحاد الأوروبي.
هذا جزء من المشكلة الأساس، فالخلافات كثيرة وعميقة بين دول الاتحاد، وتكاد دول الاتحاد السبع والعشرون تختلف على كل شيء من طبيعة العلاقات بينها وبين الولايات المتحدة الأميركية الى العلاقات مع روسيا والصين الشعبية الى القوة النووية وطبيعة الدفاع المشترك وحيثياته، وصولاً، وهو الأهم، الفكرة حول قوة أوروبا. البعض من السياسيين والمفكرين يرون ان الخطأ الكبير والأساسي يكمن في توسيع الاتحاد بسرعة، الى درجة أنها أصبحت عاملاً للانقسام بدلاً من أن تكون عاملاً لدعم القوة الأوروبية وحضورها.
ما يهم الخارج وما يربط بين هذه الانتخابات وغيرها، هو الجواب المطلوب الذي لم يقع حتى الأن وهو: هل أوروبا ستشكل قوة موحدة يكون لها حق الشراكة الكاملة في عالم مندفع في مسار واضح لتشكيل نظام دولي جديد، أم أن أوروبا لن تكون أكثر من سويسرا كبيرة حيث يعيش فيها أهلها حياة رغيدة؟.
أيضاً، وهو مهم ويعني الضفة الجنوبية لحوض البحر المتوسط، ان الضفة الشمالية تريد التغيير، لكنها حتى الأن لم تتمكن ولم تنجح في تحقيقه. الاختبار الكبير في فرنسا وبريطانيا وألمانيا. التغيير يتطلب مشروعاً حقيقياً مقبولاً من الشعوب وقيادة قادرة على اقناع الأغلبية، تقبل تقديم تضحيات مؤلمة في أكثر الأحيان. هذا الشرط الواجب لم يتكوّن ولم يظهر بعد. حتى الرئيس نيكولا ساركوزي الذي فاز حزبه بالأغلبية، فشل في تحقيق هذا الانجاز سابقاً ولا يبدو أنه قادر على انجازه لاحقاً.
لذلك الازمات مستمرة في مختلف الدول الأوروبية، حتى اشعار آخر، بالتالي فإن سياستها مع الخارج وخصوصاً على قوس الأزمات الممتد من أفغانستان الى تركيا، تقفز في كثير من الأحيان من مواقف حادة الى مواقف متطرفة. الخسارة بينها مشتركة.
في لبنان، جرت الانتخابات التشريعية، لم تكن هذه الانتخابات تعني اللبنانيين فقط. من الثابت انها كانت وما زالت موضع عناية وكأنها انتخابات محلية للعديد من الدول، من واشنطن الى دمشق مروراً بباريس. نقطة تسجل لهذه الانتخابات بعيداً عن نتائجها انها جرت بهدوء وشفافية ودقة، وان لوزير الداخلية زياد بارود دوراً مؤثراً فيها. نجاحه الواضح فيها يؤكد ان وزارة الداخلية لم تكن فضفاضة عليه كما قيل في البداية. بالعكس كان قدها وقدودها كما في المثل الشعبي، وانه أعطى لهذه الوزارة أبعاداً مدنية لم نكن نعرفها طوال عقود سابقة.
هذه الانتخابات التشريعية، أرادها الجميع مساراً للتغيير. وقد حصل ذلك بأسلوب ديموقراطي حضاري. التغيير جاء من الاستمرارية هذه المرة. ما حصل، يذكّر بأن التغيير الانقلابي كان مشروعاً فاشلاً فحصد الخسارة. لا يمكن لأحد، سواء كان قوة داخلية قوية أو قوة خارجية مؤثرة، أن يطلب من اللبنانيين ما لا يطلبه أو يفرضه على شعبه.
لبنان وإيران علاقة تبادلية
التغيير في لبنان هو أساس أيضاً لمشروع أكبر. أن ينجح الاعتدال يعني أن يبتعد لبنان واللبنانيين مسافة مهمة عن كل المشاريع المتطرفة التي تريد ابقاء لبنان ساحة لتصفية الحسابات المتعددة. ان يكون اللبنانيون مع المقاومة شيء، وأن يكونوا مجرد جزء من مشروع اقليمي شيء آخر. فشل المعارضة لا يعني ان الأكثرية ستنخرط في المسار الأميركي. كل التوازنات المصاغة من تركيبة لبنان أصلاً، تمنع هذا الجنوح اذا وجد من لديه الرغبة به. من يريد لبنان مستقراً ومستقلاً لا يمكن أن يدفع بلبنان نحو اي مشروع بدايته ضرب السلم الأهلي ونهايته تفكك لبنان نهائياً.
أخيراً الانتخابات الرئاسية في ايران، هي انتخابات عالمية بكل معنى الكلمة. شخصية الرئيس أحمدي نجاد وخطابه الشعبوي من جهة والملف النووي من جهة أخرى، أدخلت هذه الانتخابات الرئاسية الى كل زاوية في العالم. الكل يريد أن يعرف الآن: هل سيتم التجديد لأحمدي نجاد أم لا؟.
أحمدي نجاد بالتأكيد ليس ديكتاتوراً، لكنه جعل نفسه رمزاً للسلام والحرب في العالم. أمام هذا الوضع المعقد فإن التغيير مطلب دولي وليس ايرانيا فقط. الناخب الايراني وحده هو الذي سيجيب على ذلك. المشكلة ان هذا الناخب حساس جداً. لا يتحمل مطلقاً أن تكون اجابته يوم الجمعة القادم انعكاساً لمطالبة دولية من أي جهة كانت. الناخب الايراني يختار قراره وتعبيره عنه مئة بالمئة ايرانياً.
هذا التوجه الايراني، الذي جذوره خارجة من شعور قومي ايراني حاد، لا علاقة له بطبيعة تكوين الجمهورية الاسلامية. لا يعني هذا، ان ايران جزيرة معزولة عن العالم. مهما بدا الأمر صغيراً ومحدوداً، فإن الانتخابات البرلمانية في لبنان مؤثرة جداً على القرار الشعبي الايراني.
صلة الوصل بين لبنان وايران، موجودة في الضمير الشعبي الايراني، منذ خمسة قرون، وهي مستمرة بلا انقطاع، وجاءت العلاقة بين النظام الجمهوري الاسلامي ومسألة المقاومة والحرب ضد اسرائيل لتضمن التواصلية اليومية لهذه العلاقة. ايضاً فإن دخول الرئيس ـ المرشح على خط نتائج الانتخابات التشريعية اللبنانية يزيد من تأثيرها على الانتخابات الرئاسية الايرانية.
أن يكون أحمدي نجاد مع المعارضة في لبنان يعني أنه أصبح طرفاً في معركة خاسرة. هذه الخسارة تقوي المعسكر الاصلاحي المواجه له. هذا المعسكر يستطيع ان يقول لقواعده ان التغيير حصل دون انقلاب في لبنان. فلماذا نحن لا ننجح في تحقيق ذلك؟. اللبنانيون يتخلون اليوم أو غداً عن المقاومة طالما ان جزءاً من أراضيهم محتل، نحن أيضاً اذا نجحنا في التغيير لن نتخلى عنهم، فلماذا المزايدات؟.
محمد خاتمي الرئيس السابق، كان مع المقاومة في عزّ مواجهتها للعدو الاسرائيلي، وفي عزّ حاجة المقاومة للدعم. لا أحد يستطيع أن يزايد عليه في هذا الجانب. خاتمي الذي كان يشارك في مؤتمر حول حوار الحضارات، أكد بحضوره الى تونس انه يمكن، لا بل يجب، دعم الاعتدال الاسلامي كما هو حاصل في تونس، بدورها فإن تونس بدعوتها لخاتمي أكدت ان الفكر الاسلامي المعتدل ليس مقيداً بلون عمامته ولا بالبلد القادم منه حيث رئيسه أحمدي نجاد. خاتمي بدا مهتماً بتفاصييل الانتخابات التشريعية في لبنان، رغم كل تحفظه في الكلام عن الانتخابات الرئاسية في ايران لأنه خارج البلاد. بدا واضحاً اهتمامه بنتائج الانتخابات اللبنانية. وقد بدا محيطاً بتأثيرها القوي على المسارات التي تتشكل في المنطقة.
بانتظار ما ستنتجه الانتخابات الرئاسية في ايران، فإن الانتخابات التشريعية في لبنان فتحت الطريق في المنطقة باتجاه التغيير الهادئ، وهو ما يعني دولاً عديدة في مقدمتها ايران، وخصوصاً العراق الذي يستعد لانتخابات جديدة ومهمة جداً تحت مظلة الانسحاب الأميركي المعلن.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.