8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

إيران بين تطوير الجمهورية ووضعها تحت سلطة الدستور وخطر العسكر والطالبان الإيراني

لن تعود ايران الى الوراء. 13 حزيران دخل تاريخ ايران الحديث. تحديداً تاريخ الجمهورية الاسلامية في ايران. الانتفاضة الخضراء، التي امتدت وتمددت من الأوردة الأساسية للعاصمة طهران الى داخل أزقتها الضيقة وصولاً الى ساحة ازادي (الحرية) في سلسلة بشرية من أجل الديموقراطية والحرية. منذ البداية قال آية الله العظمى حسين علي منتظري قائمقام الامام الخميني وخليفته، الذي أسقط وأبعد في عملية مدبرة ومرسومة ببراعة: لقد حصلنا على الاستقلال لكننا لم نحصل على الحرية. لا قيمة للاستقلال بدون الحرية، بها يصنع الانسان خياراته ومستقبله.
الأحداث التي تعيشها إيران كلها وليس طهران تتجاوز أحمدي نجاد وانتخابه بهذه الطريقة. التظاهرات ليست محصورة في طهران. اصفهان المدينة التي تضع منذ مئات السنوات كادرات الدولة كائنة ما كانت هُويتها، عاشت وتعيش على وقع تظاهرات المواجهات فيها أكثر قوة وقسوة، كذلك مدن كثيرة. منذ الإثنين 15 حزيران شهدت مدينة قم تظاهرة محدودة. لكن موقعها يجعل منها تظاهرة ضخمة لأنها حساسة سمعت أصواتها في كل مكاتب المراجع الدينية الذين قرارهم يكتسب أهمية خاصة تجعل هذه الكفة أو تلك مرجحة.
إلغاء الولاية المطلقة
أحمدي نجاد سواء كان رئيساً أو كبش فداء، ليس أكثر من وسيلة لحدث أكبر وأهم. لا شك ان نجاد يلعب دوره بمهارة وحماسة وقوة حضور لكنه ليس صانعاً للدور نفسه. الصانع الكبير هو المرشد آية الله علي خامنئي. طوال ثلاثة عقود عرف السيد كيف يصنع لنفسه موقعاً تفوق فيه على الثعلب الكبير في الثورة والدولة هاشمي رفسنجاني. كان الشيخ متقدماً عليه. وصلت الأوضاع الى مرحلة أصبح فيها تحت وصاية السيد. لكن هذا الشيخ ماهر جداً في أن يلعب الضد ضد ضده لمصلحته. صبر على صبره، جاءت الآن مرحلة جديدة، لكلمته موقعاً حقيقاً ووازناً في التطورات.
لا يمكن للمرشد السيد علي خامنئي ان يتجاوز الشيخ رفسنجاني الا اذا قرر أن يفعل ما فعله يوماً الرئيس المصري أنور السادات وندم، عندما وضع الجميع في السجن ودفع الثمن غالياً. ليس بالضرورة ولا مطلوب أن يحصل في طهران ما حصل في مصر. الوضع مختلف جداً. المؤسسة العسكرية في مصر قادرة ومقتدرة عرفت ونجحت كيف تتجاوز الأزمة ـ القطوع، وأن تعيد تثبيت الدولة عبر المؤسسة الرئاسية. في ايران المؤسسة العسكرية بالكاد تتشكل وتمسك بمفاصل اساسية في الدولة، الاقتصاد ومؤسساته وهيئاته في مقدمتها.
ما يجري في مقدمة المسرح السياسي وفي شوارع طهران وباقي المدن الكبرى الايرانية، يتجاوز بكثير الانتخابات الرئاسية ليطال مستقبل لا بل مصير الجمهورية الاسلامية في إيران. الهدف الأساسي داخل دوائر السلطة والمعارضة في إيران، هو مستقبل الولاية المطلقة للمرشد أو الولي الفقيه.
منذ مدة والعديد من القوى الايرانية وفي مقدمتها آية الله العظمى حسين منتظري المبعد وشبه المعزول في قم تريد إلغاء المطلقية من الولاية، مع التأكيد على استمرار موقع المرشد المعمم في الجمهورية الاسلامية. الشيخ منتظري كان الأوضح. أهمية موقفه انه هو مع الامام الخميني واضع نظرية ولاية الفقيه وصياغتها في الدستور الايراني. هذا الموقف يتجسد في موقف المعارضة وعلى رأسها مير حسين موسوي ان يكون كل شيء تحت الدستور وليس فوقه، باختصار الدستور هو العمامة للجمهورية وليست عمامة الولي الفقيه. منتظري بلور ذلك بقوله: يجب الأخذ بولاية النظارة بديلاً عن الولاية المطلقة. الولي الفقيه يلاحق ويتابع ويرشد لكنه لا يفرض رأيه وموقفه كانه تكليف شرعي لا يخالف. الفرق كبير ومهم بين المراقبة والإرشاد من جهة والقيادة المطلقة على الدولة والقوى المسلحة، هذا التحول هو لتثبيت الجمهورية الإسلامية ومنع انزلاقها نحو الديكتاتورية.
انتفاضة بلا قيادة دينية
ليست المطالبة بهذا التحوّل دينية فقط، إنها تعبير مدني بكل تلاوين وفئات الشعب الإيراني. لأول مرة منذ أكثر من مئة عام لا يكون للانتفاضة الشعبية مرجع ديني يظللها أو يقودها المراجع لحقت بالانتفاضة وليس العكس، عن خوف يتطور ويكبر من تقدم العسكر بمعناه الواسع نحو السيطرة وإمساك مفاتيح كل السلطة وهيمنتهم عليها. أي الانقلاب بدون الانقلاب. العملية كلها تجري تحت عباءة الولي الفقيه. الاخر برأي هذه القوى ان للسيد خامنئي تاريخ طويل في الثورة. بدون تردد انه يمتلك الشرعية التاريخية والثورية والخبرة الكاملة والعميقة في الدولة. لم يأت من فراغ حتى وإن كان لا يتمتع بالأعلمية. كان مؤسساً لـالحزب الجمهوري الإسلامي ولروحانيات مبارز (رجال الدين المناضلين) ورئيساً للجمهورية وصولاً إلى موقع المرشد. السؤال: ماذا عن المستقبل؟
خلال عشرين سنة تراجع دور المراجع والمعممين في القمة، وتقدم الكثيرون في مواقع السلطة. الفارق كبير بين استقلالية المراجع وتحوّل رجال الدين إلى موظفين وسياسيين لكل واحد منهم حساباته للاستمرار والصعود وكيفية حماية نفسه من الآخرين. لذلك توجد أزمة خلافة ليس لأن خامنئي مهدد أو أنه سيغيب غداً، فالأعمار بيد الله كما يقولون. المشكلة مَن سيخلفه وكيف؟ وإذا كان الخليفة مرجعاً كبيراً وهو ليس مطروحاً هل يمكنه مهما كان كبيراً في مرجعيته أن يدير الدولة شؤوناً وشجوناً، خصوصاً بعد الموقع الكبير الذي أخذته إيران على المسرح السياسي في الشرق الأوسط وعالمياً؟ أما إذا كان رجل دين وسياسة في الوقت نفسه فإن الصراع سينعكس بقوة وقسوة على الجمهورية نفسها في مرحلة تقف فيها إيران على خط زلازل داخلي وخارجي.
المشكلة الثانية وهي خطيرة جداً، وقد طرحت قبل انتخاب احمدي نجاد رئيساً للجمهورية للمرة الأولى. المشكلة نشأت بعد تسلم الطالبان في افغانستان السلطة، وما قاموا به هناك من إلغاء للدولة وإعلان الامارة وما فعلوه بالمرأة الافغانية. في إيران برز خوف من ولادة الطالبان الايراني من أحشاء المحافظين المتشددين. بدا الشعار غريباً كيف يمكن ان تنشأ علاقة بين الطالبان الأصولي السنّي مع تشدّد أصولي شيعي؟ الخوف من العمل لقيام الإمارة في إيران بعد إلغاء أو إسقاط الجمهورية بدا حاضراً بقوة. ما حفز على لك وجود منظر كبير لـطالبان إيران هو آية الله مصباح يزدي. وصل الأمر به أن نافس هاشمي رفسنجاني. فشله أجبره على التراجع، لكنه لم ينته.
الصراع الحقيقي في إيران هو بين مَن يريد بقاء الجمهورية الإسلامية في إيران من خلال تطويرها وتحصينها دستورياً ووضعها في مسار واقعي ينتج منه الحصول على الحرية والديموقراطية. وبين مَن يعمل عبر تثبيت الولاية المطلقة لولاية الفقيه للوصول إلى حكم العسكر باسم العباءة أو الأسوأ وهو طلبنة إيران وتحويلها فعلياً امارة إسلامية تضع المنطقة كلها على حافة كل الأخطار خصوصاً خطر تحكم الخطر الأصولي فيها.
مهما حصل وكيفما كان الحل، فإن أمراً مؤكداً وهو ان المرشد آية الله علي خامنئي، أخطأ في إدارة المعركة الأخيرةعندما تحوّل إلى طرف في المواجهة بدلاً من أن يبقى مرشداً يلعب الجميع تحت عباءته. لذلك فإن الضحية الأولى لكل ذلك هي الولاية المطلقة. المرشد رغم ما حصل ما زال قادراً على إصلاح الأوضاع وصيانة الجمهورية. كل يوم يتأخر عن ذلك ترتفع الكلفة إلى درجة ضخمة قد لا يعود بإمكان أحد دفعها. الأهم أيضاً ان لا أحد في المنطقة بعيداً عما يحصل في إيران. أي تحول فيها لا بد أن يكون لتداعياته آثار زلزالية في المنطقة خصوصاً عندنا في لبنان والعراق وفلسطين، العالم كله يراقب ويتابع ما يجري في إيران لأنها اليوم وغداً في قلب العالم.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00