الولايات المتحدة الأميركية كانت حاضرة بقوة أثناء حملة الانتخابات الرئاسية في الجمهورية الإسلامية في إيران، وهي الآن أكثر حضوراً في الأحداث والتطورات الجارية. لا يعني هذا الحضور أنّها شاركت في الاقتراع، مثلما أنها أيضاً لا تقوم بصناعة التطورات من الرفض إلى المواجهات. مسألة الحوار مع واشنطن شكّلت محوراً أساسياً في الانتخابات، المرشحون الأربعة للرئاسة طرحوها ولم يطرحوها مباشرة. الخوف من الدخول في التفاصيل حال دون الغرق في حيثياتها وشروطها؟
اعقل وتوكل
الإيرانيون تابعوا ما يحصل وهم على يقين أنها مسألة حسّاسة ومصيرية لأنها تتعلق بمستقبلهم وذلك على قدر المساواة وربما أكثر من القضية الأخرى التي تهم كل إيراني وهي الاقتصاد. ارتفاع نسبتي البطالة والتضخم يعني كل إيراني. عملية خفض النسبتين وضعت نجاد في موقع ضعيف خصوصاً وأنه فرض خلال ولايته الاقتصاد الريعي عبر توزيع جزء مهم من العائدات النفطية على سكان الأرياف، بدلاً من أن يستثمر الأموال في مشاريع تنموية تنهض بالريف العميق الفقير جداً.
الحوار مع واشنطن يبدو موضع إجماع. نجاد لم يقل لا، مثله في ذلك مثل المرشحين الثلاثة مير حسين موسوي والشيخ مهدي كروبي ومحسن رضائي. الخلاف كان وما زال على النهج الذي يجب أن يُتبع في هذا الحوار. النجاديون يريدون متابعة نهج التشدّد مع واشنطن، طالما أنه نجح في الماضي مع الرئيس جورج بوش، فلماذا لا ينجح مع الرئيس باراك أوباما؟. في هذا النهج يبدو النجاديون وكأنهم إما لا يعرفون الأوبامية أو أنهم يغمضون أعينهم عن قصد. حتى عندما قلنا لهم إن الشيخ هاشمي رفسنجاني وهو الخبير الكبير في الحوار مع واشنطن منذ قضية ماكفرلين، يرى أن باراك أوباما أخطر من جورج بوش لأنه قادر على جمع ما لا يجمع من الدول المؤيدة له في جبهة واسعة ضدها في حال فشل الحوار بعكس جورج بوش، فإنهم يهزّون رؤوسهم مؤكدين أنهم توكلوا على الله، متناسين أن الأساس هو اعقل وتوكل.
قمة هذا الموقف النجادي المتشدّد وعلى لسان الديبلوماسية الإيرانية أنّ نتائج الانتخابات لن تؤثر في إجراء الحوار، وبالعكس سيبدأ مع الرئيس الذي جرى التجديد له أي نجاد فور تسلمه الرئاسة وليس بعدها بيوم واحد. بهذا التسليم يرى النجاديون أنهم أبلغوا ويبلغون واشنطن بأن نجاد أضاء الضوء الأخضر أمام الرئيس أوباما للتقدم خطوة إلى الأمام. أخيراً فإن النجاديين يؤكدون أن ملف الحوار مع واشنطن في يد المرشد آية الله علي خامنئي كائناً مّن كان الرئيس، فلماذا القلق وطرح الأسئلة الكثيرة. المرشد يأمر والرئيس يطيع ويُطاع.
للموسويين رأياً آخر. لمير حسين موسوي شخصية تجعله يندفع لمناقشة أي قرار. التجربة أكدت ذلك عندما اختلف مع الرئيس علي خامنئي عندما كان هو رئيساً للوزراء. وهو فضّل المنزل والجامعة على جميع المناصب التي عُرضت عليه حتى لا يدخل في مواجهات على حافة الهاوية وإيران ليست في خطر. لموسوي نهجاً آخر. في جميع الأحوال كل شيء مؤجّل الآن إلى حين حسم الأزمة العميقة جداً، والتي ما زالت مفتوحة على جميع الاحتمالات. إذا كان قرار الولي الفقيه الذي ما زالت ولايته مطلقة لم يضع نقطة نهاية للاعتراضات، فمَن سيختمها الحرس أم الشارع أم التوافق المصنوع في مدينة قم؟.
الأزمة المزدوجة
الأزمة ليست فقط في إيران. واشنطن تعاني من هذه الأزمة إلى درجة تحول هذه المعاناة إلى أزمة داخلية أميركية. الخلاف حول كيفية تعامل الإدارة الأوبامية مع تداعيات الوضع الإيراني، الذي أصبح أميركياً ـ أميركياً. أوباما واقع حالياً بين سندان قراره بالحوار مع طهران ومطرقة الضغوط الأميركية الداخلية خصوصاً من المحافظين المتشددين الذين وجدوا في هذه الأزمة نقطة آخيل لضرب أوباما وإبراز أنهم على حق.
الرئيس باراك أوباما صعّد موقفه من الأحداث في إيران مندّداً بـالممارسات الظالمة. لكنه كما يبدو ما زال مستعداً للتحاور مع مَن يرأس الجمهورية. الخطر أن لا يهدأ الشارع الإيراني، وأن ترتفع حدّة المواجهة ويتم اللجوء إلى العنف الثوري كما يهدّد النجاديون خصوصاً من قادة الأمن والحرس الثوري، فيضطر أوباما إلى تصعيد موقفه الاعتراضي.
الخطر الحقيقي أن قوى المحافظين المتشدّدين في واشنطن تريد من الإدارة الأوبامية عدم الاعتراف بأحمدي نجاد رئيساً، وعدم الاتصال به وتوجيه رسالة دعم إلى مير حسين موسوي. الخطر أن طهران وجّهت اتهامات علناً إلى المخابرات المركزية بأنها وراء المشاغبين والذين يقومون بإحراق بعض المراكز والآليات تنفيذاً لخطة مماثلة لما فعلته هذه المخابرات لضرب الثورة المصدقية ونجحت فيه فاستعاد الشاه محمد رضا بهلوي عرشه. مع العلم أن الموقف الرسمي لأوباما ما زال معتدلاً فكيف إذا اندفع وانزلق في اتجاه دعم المعارضة وتحديداً مير حسين موسوي؟
الأزمة في الجمهورية الإسلامية في إيران ما زالت إيرانية ـ إيرانية. لكن إذا دخلت واشنطن على خطها كما يريد المحافظون المتشددون في واشنطن، فإن المواجهة ستتسع أكثر فأكثر وتضع المنطقة كلها على حافة الهاوية. أسهل الحلول بالنسبة لـالنجاديين، الهجوم بدلاً من الدفاع. في الداخل تخوين الموسويين، وفي الخارج شنّ هجوم مضادّ في جميع الاتجاهات وعلى مساحة قوس الأزمات الإسلامي لإشغال واشنطن وإغراقها في معارك على ضفاف إيران بدلاً من أن تركز واشنطن على إيران من الداخل.
هذا الاحتمال لا تتحدث عنه طهران المتشددة بالتفصيل لكن لا تمتنع من التلويح به خصوصاً وأنها تقول علناً إن دعمها لـحزب الله وحركتي حماس والجهاد وقوى معروفة في العراق، وتحالفها الوثيق مع دمشق، وعلاقاتها الجيدة والإيجابية مع أنقرة وعملها لإبقاء الحصار على الطالبان في أفغانستان وموقفها المتفاهم مع اسلام اباد، كل ذلك ليس لأسباب عقائدية إسلامية فقط وإنما لأن كل واحد من هذه المواقع يشكل ملفاً كبيراً أو صغيراً من ملفات الأمن القومي الإيراني.
أكثر من ذلك يشدّد النجاديون، أن المرحلة الحالية هي مرحلة تهدئة واستطلاع، من الأفضل أن تستمر هذه المرحلة إلى حين اكتمال الاستطلاع وصدور القرارات الحاسمة وسط هدوء كامل.
من الطبيعي أن هذا الهدوء مطلوب. لكن ماذا يفعل الجميع إذا كانوا يرون أمامهم بيت العنكبوت ويندفعون إليه وكأن العنكبوت لا تنتظرهم لتشلهم وتقوم بما يجب أن تقوم به. هل الذنب يكون ذنب العنكبوت أم مَن اندفع إليها؟
الجواب معروف. المهم أن لا يقول الآخرون - غير واشنطن وطهران - إنهم فوجئوا بالتطورات واستتباعاتها فلم يحصّنوا أنفسهم خصوصاً في الداخل ومن الداخل.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.