8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

الحل للأزمة الإيرانية بعيد وإلغاء التطرّف الإسرائيلي أبعد ودمشق تتابع سياسة استثمار الضد وضدّه

حل الأزمة في الجمهورية الإسلامية في إيران، ما زال بعيداً. لم تنضج شروط الحل ولا حيثياته. المعسكران في بيت اليك الولي الفقيه آية الله علي خامنئي ومعه النجاديين، لا يمكنهم التراجع عن إعلان فوز أحمدي نجاد بالرئاسة، حتى ولو انفجر الشارع كلياً أو تراجع موقتاً لتتراكم فيه كل الأسباب لانفجار ثورة جديدة بدلاً من الإصلاح من الداخل من خلال الانتفاضة الخضراء. الإصلاحيون وفي مقدمهم الموسويين لا يمكنهم القبول بفوز أحمدي نجاد. مجرد قبولهم بهذه النتيجة وهم الذين يقولون إن تزويراً فاضحاً ومفضوحاً قد وقع، يعني التسليم للنجاديين المتواجدين بقوة والناشطين على يمين المحافظين المتشددين بالهيمنة على الدولة، وتكرار ما حصل في الانتخابات الرئاسية في أي انتخابات مقبلة ولو على مستوى البلديات. هذا التسليم يعني نهاية الإصلاحيين وخصوصاً الموسويين من جهة ووضع إيران كلها من جهة أخرى في مسار لا علاقة له بـالجمهورية الإسلامية وما قامت عليه وذلك باتجاه قيام الدولة الإسلامية أو الإمارة الإسلامية.
جمود إيراني داخلي وخارجي
عدم إلقاء هاشمي رفسنجاني خطبة الجمعة في جامعة طهران، يؤكد أن الحل ما زال معقداً ومعلقاً، وأن الأزمة مستمرة. قد لا تشهد شوارع طهران حالياً تحركات شعبية وصدامات دموية. لكن من المؤكد أن الاحتكاكات والمزاحمات والصدامات الكلامية تحصل في الغرف المغلقة، خصوصاً التي تشهد اجتماعات المراجع وكبار الشخصيات في الدولة مثل الشيخ رفسنجاني.
أحياناً تؤكد التسريبات أن الحوار يجري بالنار لأنها في الواقع مفاوضات حقيقية بين معسكرين. من ذلك أن الرئيس باراك أوباما وجه رسالة شخصية الى المرشد آية الله خامنئي يؤكد فيها استعداده للحوار مباشرة وبسرعة مع القيادة (كانت المستقبل قد أشارت الى هذه الرسالة في 12 حزيران في رسالة من طهران في يوم الانتخابات الرئاسية) مما يطرح السؤال حول نوايا المرشد ونجاد في إدارة الحوار. التسريبة الثانية وهي من نوع الضرب تحت الزنار الإعلان عن تجميد مصارف بريطانية حسابات ابن المرشد آية الله علي خامنئي وهي بقيمة مليار ونصف مليار دولار. هذه التسريبة تحولت فوراً الى سلاح بيد هاشمي رفسنجاني بكل ما يتعلق باتهامات فساد أولاده وحجم ثروته الشخصية.
هذا الجمود خطير جداً ليس على مستوى السياسة الداخلية في إيران، وإنما على مستوى علاقاتها الخارجية. خطورة الوضع أن مشروع الحوار كله مع واشنطن قد تأجل. لا طهران قادرة على الحوار وهي منشغلة بالأزمة وعدم الاستقرار، ولا واشنطن باستطاعتها التفاوض مع سلطة وتحديداً مع رئيس لم يحسم مسألة انتخابه. كيف يمكن التسليم برئاسة أحمدي نجاد وقد غاب عن حفل التهنئة بانتخابه مئة نائب محافظ في مقدمتهم علي لاريجاني رئيس مجلس الشورى وذلك من أصل مئتي نائب محافظ عدا النواب الإصلاحيين؟
هذا الانتظار المفروض على الإدارة الأوبامية، انتظار غير صحي ومقلق. كون الأزمة في إيران مفتوحة على مختلف الاحتمالات، ما يعني أن التطورات قد تفرض على أوباما اتخاذ مواقف أكثر راديكالية أو أن الوضع الإيراني كله سينزلق فجأة نحو مفاجآت غير محسوبة تلغي في ما تلغيه مبدأ الحوار نفسه. هذا الانزلاق يفتح الباب أمام اللاعبين المتطرفين داخل الولايات المتحدة الأميركية كالمحافظين المتشددين وخارجياً مثل إسرائيل للعب بالنار لتفتح بذلك أبواب الجحيم على مصراعيها.
اللاعب الماهر
ما يرفع من حجم المخاطر أن هذا الجمود القائم على حافة الهاوية، يزاوجه أزمة إسرائيلية عميقة. اليمين المتطرف الإسرائيلي بزعامة الثنائي بنيامين نتنياهو وأفيغدور ليبرمان متقوقع في موقعه ولا يبدو مستعداً للخروج والذهاب الى الأمام. هذا الموقف الإسرائيلي يصيب الإدارة الأوبامية وتوجهاتها لحل النزاع العربي الإسرائيلي في صميمها. طموح هذه الإدارة كبير، مع إمكانات محدودة. مهما بدت قوة أوباما واضحة ونواياه الطيبة جاهزة فإن إمكاناته في رفض الموقف الإسرائيلي ومعالجته محدودة جداً. تركيبة المؤسسات الأميركية تحول دون ذلك. حتى لو أراد باراك أوباما القيام بثورة فإنه لن يستطيع القيام بذلك في هذه الولاية الرئاسية. أمامه مسؤولية الفوز بالانتخابات الفرعية للكونغرس بعد حوالى عام ونصف. بعد ذلك تبدأ معركة التجديد لولاية ثانية، وهو لا يمكنه الدخول في مواجهات تجعله وكأنه يحارب وحده، طواحين الهواء!
ثلاث أزمات في واحدة مهما بدت كل واحدة متباعدة عن الأخرى، علماً أن عقدة الوصل فيها واحدة هي واشنطن. الأزمة الإيرانية تجمد مسار الحوار، والأزمة الإسرائيلية تجمد مسار الحل السياسي للنزاع العربي الإسرائيلي، وبين رحى الأولى والثانية يوجد أوباما، لتقع عليه مسؤولية الجمود ونتائجه، والأهم مفاجآت هذا الجمود الذي ليس إلا جموداً على السطح لأنه في الأعماق حمم بركانية تتجمع مهددة بالكوارث.
وسط كل هذه المخاطر، يوجد لاعب ماهر يعمل على استثمار الضد وضده للحصول على مزيد من المكاسب. دمشق هي هذا اللاعب الذي يرفض الأزمة الإيرانية ويريد الحل بسرعة تبعاً لقرار المرشد آية الله علي خامنئي وأحمدي نجاد، لكنه يجد فيها منجماً قابل للاستثمار بسرعة، جمود الحوار الأميركي - الإيراني يعفيه من المراقبة الإيرانية اليومية. تغيب المراقب الإيراني أو عدم فاعليته يسمح لدمشق بالاندفاع أكثر فأكثر باتجاه واشنطن، خصوصاً وأن مرحلة الحصول على جوائز مهمة بعد جوائز الترضية قد بدأ. من ذلك عودة السفير الأميركي قريباً الى دمشق، والإعلان الأميركي بأن دور دمشق في المنطقة حالياً ايجابي.
أيضاً الأزمة الإسرائيلية وعدم قدرة بنيامين نتنياهو على الحوار معها حول السلام تريح دمشق. إعاقة الحل وتجميد عملية السلام تأتي من تل أبيب. دمشق لم تكتفِ بالمراقبة والمتابعة للموقف الإسرائيلي. بالعكس كثفت من جهودها من أجل إطلاق المفاوضات غير المباشرة بواسطة تركيا. كل خطوة بهذا الاتجاه ترفع من رصيدها الايجابي في واشنطن المطلوب حضورها ومشاركتها في المفاوضات.
هذا الجمود على المسارين الأميركي الإيراني والإسرائيلي السوري غير مريح لأنه جمود على حافة الهاوية. أي خطوة غير محسوبة أو غير مدروسة، تعني الانزلاق بسرعة نحو الهاوية. لذلك كله من الأفضل عدم السقوط في أوهام من نوع: طالما جاري في مأزق فأنا سأكون أكثر اطمئناناً الى الغير لأن الأساس طالما أن جاري بخير فأنا بخير خصوصاً وأن الجميع في مغطس واحد!

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00