لأول مرّة تظهر حساسية شعبية إيرانية من اللبناني غريبة عن الإيرانيين. أثناء الثورة وقبلها بمئات السنوات كان اللبناني موضع اهتمام وتقدير ومحبة لديهم، بعيداً عن الحساسيات التاريخية الفارسية ـ العربية. التقدير الإيراني للبناني مزدوج. الأول، كون لبنان ارضاً خصبة للثقافة والعلم. كادرات إيرانية مهمّة ومؤثّرة تعلمت في لبنان خصوصاً في الجامعة الأميركية. الثاني، وهو ما يصحّ وضعه في اطار قاعدة العلاقات الإيرانية ـ الشيعية. الإيرانيون لا يفصلون هذه العلاقة عن دور جبل عامل في نشر المذهب الشيعي في إيران.
الإشاعة والشرخ
الحساسية ظهرت أثناء التظاهرات، وهي نتجت من شائعات موضوعة ومدروسة بعناية، وهي اجتاحت بعض الشوارع والمتظاهرين: بأنّ النظام استقدم المئات من عناصر حزب الله وحتى حماس إلى شوارع طهران لقمع المتظاهرين، وانّ هذا الاستقدام تمّ لأن الإيرانيين سواء كانوا من الحرس الثوري والباسيدج، لا يمكن أن يستخدموا العنف بهذه القسوة ضد شعبهم، بالنهاية وحدة الدماء والمصير تمنعهم من ذلك. الغريب وحده يمكنه أن يواجه الإيرانيين بهذه القسوة المفرطة. ولا شك انّ بعض الأصوات المعارضة خصوصاً الشاهنشاهية منها في واشنطن دفعت بهذا الاتجاه، وعملت على بث الإشاعة بقوّة وتصميم لتحريض الإيرانيين ضد النظام من جهة، واستثارة واشنطن من جهة ثانية لكي تدعم المتظاهرين مباشرة وبقوة.
طبعاً، لا المرشد آية الله علي خامنئي، ولا أحمدي نجاد الرئيس ـ المرشح المعلن فوزه، طلبا أيضاً هذه المساعدة، ولا حزب الله أرسل مقاتليه إلى شوارع طهران، لأنهم ليسوا مرتزقة أساساً، وإن تواجد البعض منهم في إيران، فإنما في معسكرات التدريب وفي الحوزات الدينية للتثقف دينياً. لكن بعض العنف الأمني الذي حصل في بعض الشوارع في طهران أثار الإيرانيين المتظاهرين.
هذه الإشاعة، تكاد تكون نسخة طبق الأصل عن إشاعة أخرى سادت طهران عندما وصل الإمام الخميني إليها وهي: انه استقدم معه إلى طهران مئات المقاتلين من الفلسطينيين في حركة فتح وانهم نظموا المواجهات العسكرية في شوارع طهران وباقي المدن الإيرانية. وقد تبين فيما بعد ان الفتحاويين الذين جاؤوا مع الإمام الخميني كانوا إيرانيين تدرّبوا وقاتلوا في بيروت والجنوب. ومن الطبيعي أن تأطيرهم للمقاتلين والجماهير الإيرانية في شوارع المدن كان ضرورياً. ومن أبرز هؤلاء الحاج رفيق دوست الذي كان أحد مؤسّسي الحرس الثوري ووزير الحرس لعشر سنوات، وجلال الدين فارسي المرشح الخائب لرئاسة الجمهورية، ومحمد صالح الحسيني الذي اغتيل بعد الثورة في بيروت، والدكتور مصطفى شمران الذي لم يكن فتحاوياً وإنما مع الإمام الصدر في حركة أمل وقد قُتل وهو وزير للدفاع على الجبهة أثناء الحرب الإيرانية ـ العراقية.
كل هذا وإن كان من التاريخ وبعض الحاضر، فإنما للقول بأنّ شرخاً شعبياً في العلاقة التاريخية الشيعية ـ الإيرانية قد وقع، وانه يجب العمل بجدّية لإزالة هذا الشرخ مستقبلاً. ويبدو أنّ مراكز القرار في طهران واعية جداً لأبعاد ما حصل، خصوصاً وأنّ لكل ذلك صدى في لبنان. من هنا التركيز الإيراني الرسمي في مختلف الدوائر بأنّ الجمهورية الإسلامية في إيران مع وحدة الشعب اللبناني وانها مع كل ما يدعم هذا الوضع خصوصاً على صعيد الوفاق الوطني.
الأوساط النجادية الرسمية التي ترى انه لم يحصل أي تغيير في لبنان بعد فوز قوى 14 آذار في الانتخابات التشريعية، عملت على تغطية ما حصل عبر تجيير النواب السبعة والخمسين التي فازت بها قوى 8 آذار لـحزب الله. في حين انّ القوى المعتدلة خاصة الموسوية منها، مع تأكيدها على ضرورة الالتفاف حول المقاومة لأنها نقطة قوة للبنان لا يجب التفريط بها. فإنها تضيف إذا كان الاختلاف مشروعاً لأن اختلاف أمتي رحمة فإن الخلاف ممنوع خصوصاً في هذه المرحلة.
تحرير الجولان واجب على دمشق
النوايا الطيبة والشعارات الإيجابية لا تروي عطشاً. ماذا عن المستقبل خصوصاً وأن الحوار الإيراني ـ الأميركي مؤجّل حتى يستقر الوضع الداخلي ويثبت على موقف ونهج ومسار. في حين ان دمشق التي تشكل عقدة القطع والوصل في المنطقة خصوصاً بين طهران ولبنان، راغبة جداّ في التفاوض مع إسرائيل من جهة وبناء علاقات حارّة مع واشنطن؟
يشدّد الإيرانيون على ان لدمشق حقاً وواجباً هو العمل لاستعادة الجولان المحتل. وهي وإن كانت تعمل على استعادته بالمفاوضات، فإنها دعمت وتدعم بكل قواها المقاومة في جنوب لبنان. وتضيف هذه المصادر الإيرانية ومنها ديبلوماسية عملت في لبنان ودمشق، نحن مطمئنون لما تقوم به دمشق بالتفاوض مع إسرائيل عبر تركيا. سبب هذا الاطمئنان:
[ ان الزواج الإيراني ـ السوري وإن كان زواجاً شرعياً فإنه غير قابل للطلاق. الطلاق يشكل خسارة كبيرة لن تقدم عليها دمشق لأن نتائجه معروفة. هذه المصادر لا تشرح كل ذلك، لكن مصادر أخرى تقول على سوريا ان تغيّر جلدها وليس ثيابها. في هذه الحالة لهذا ثمن كبير قد لا تكون دمشق قادرة على دفعه، خصوصاً وانها اعتادت دائماً على الربح.
[ ان قبر المفاوضات السورية ـ الإسرائيلية لا يوجد فيه ميت، لذلك لا داعي للقلق. ما يحصل مفاوضات من أجل المفاوضات، وهذه النتيجة موثقة بكلام سوري رسمي لطهران.
[ان تركيا في عهد اردوغان وغول ليست تركيا السابقة عليهما. يوجد نوع من الثقة الإيرانية بالدور التركي، خصوصاً بعد موقفها أثناء الحرب الإسرائيلية ضد غزة الأخيرة. كما ان طهران لم يعد لديها حساسية من الدور التركي، لأن لا طهران صفوية ولا اسطمبول عثمانية.
[ان الجرافة التركية صغيرة على فتح الطريق بين إسرائيل وسوريا، ولذلك الجميع بحاجة للجرافة الأميركية. حتى مجيء هذه الجرافة وضمن خريطة طريق واضحة، ما زال الطريق طويلاً.
[ ان تركيا وهي تلعب دور الوسيط بين تل أبيب ودمشق، وتعمل لصالح السوريين، إلا أن فاتورة جهودها لا تريد استيفاءها من دمشق مباشرة وإنما من اوروبا والولايات المتحدة الأميركية، وهذا يشكل عاملاً إضافياً لعدم القلق من الوضع السوري وعليه. تفسير هذا الكلام الديبلوماسي الإيراني انه لا خوف من انزلاق دمشق بعيداً عن طهران باتجاه أنقرة.
المشكلة ليست في كل هذا المسار. المشكلة كما يطرحها مصدر إيراني مطلع، كما يقول: كلما طالت الأزمة في إيران، ولم تتوصّل القيادة إلى فرض استتباب الوضع بسرعة على قاعدة تسليم المعارضة بالنتيجة التي أعلنت بفوز احمدي نجاد أولا، فإن القرار سواء بفتح الحوار مع واشنطن أو إقفاله سيتأخر. خصوصاً ان واشنطن لن تكون مستعجلة كما في السابق لاجراء هذا الحوار، في ظل الخلاف حول أحمدي نجاد الذي أصبح بدوره خلافاً أميركياً ـ أميركياً. في هذه الأثناء فإنّ القطار السوري، يبدو مسرعاً جداً باتجاه واشنطن، والتفاوض مع إسرائيل مما يفرض النقار في العلاقة الزوجية بين دمشق وطهران.
في قلب هذا الوضع المعقّد يوجد حزب الله، وهو يبدو في وضع دقيق وحتى محرج، لأنه بدلاً من أن يكون في قطار واحد ذي سرعة واحدة فإنه يجد نفسه بين قطارين أحدهما سريع والآخر بطيء جداً، إلى درجة أنه يبدو غير مستعد لمغادرة المحطة التي توقف فيها بعد إعلان نتائج الانتخابات وما استتبعها من انتفاضة خضراء رافضة لها.
هذه الحالة لا شك مربكة للحزب. كلما طالت الأزمة ازداد ارتباكه. ربما لهذا كله، وجّه المرشد آية الله علي خامنئي ـ حسب مصدر إيراني مطلع ـ رسالة إلى حزب الله أكد فيها انه إذا كان الأمر شورى داخل القيادة فإن كلام وموقف السيد حسن نصرالله يبقى هو الأساس.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.