في العلن، حزب الله يؤكد يومياً أمام اللبنانيين وخصوصاً قواعده الحزبية ومناصريه، بأن حدث فوز قوى 14 آذار بالانتخابات التشريعية في 7 حزيران، أصبح وراء ظهره. المستقبل هو ما يعنيه. أيضاً الانتفاضة الخضراء في الجمهورية الإسلامية في إيران، حدث انتهى لأنه خرج من الشارع ولم يعد حدثاً دولياً. ما يجري حالياً هو شأن إيراني داخلي لا علاقة لأحد به. الإيرانيون وخصوصاً القيادة الإيرانية أدرى بشعابها.
أجواء ايجابية
هذا بالمبدأ، أما في الواقع، فإن الحزب يدرس كل التفاصيل التي حدثت أو نتجت عن حدث 7 حزيران. فوز قوى 14 آذار بهذا العدد من النواب والذي كان يمكن أن يكون أكبر وربما أخطر لو صدقت الحسابات في المتن وربما جبيل، ما حصل شكل كما تعترف مصادر مطلعة على مواقف الحزب الداخلية هزة وصدمة. وتتابع هذه المصادر أن الحزب اعتاد على إعادة قراءة كل حدث بحدثه ليستفيد من الدروس الخارجة منه، يعمل منذ انتهت الانتخابات على استعادة مسارات الانتخابات في أدق تفاصيلها، للبناء عليها تحضيراً منه للمستقبل.
أولى نتائج القراءة العميقة للمواقع والمراكز المختصة وذات الصلاحيات داخل الحزب، الخروج بوثيقة كاملة بعنوان نحو قيام دولة قوية وعادلة. وإذا كانت تفاصيل هذه الدراسة لم تصبح معروفة حالياً، فإن بعض المصادر التي على احتكاك بالحزب مباشرة تقول: إن قراراً جدياً قد اتخذ في الحزب يقضي بتعزيز علاقة الحزب بالدولة اللبنانية وأن تعزيز هذه العلاقة سيكون في إطار الانخراط في الدولة بفاعلية، وأن بناء الدولة القوية والمقتدرة سيكون جزءاً منها.
هذه المشاركة لن تكون محصورة في وجود وزير أو أكثر فقط وإنما في تقديم أفكار إصلاحية بارزة وعملانية ضمن برنامج تفصيلي حول الإصلاح السياسي والاقتصادي المطلوب تنفيذه. ولذلك كله فإن جو الحزب حول تشكيل الحكومة جو ايجابي. هذه الايجابية لم تبدأ مع تشكيل الحكومة وإنما قبل ذلك في اللقاءين المباشرين بين الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله والنائب وليد جنبلاط ومؤخراً مع الشيخ سعد الحريري وذلك قبل تسميته رئيساً للوزراء. وتشدد هذه المصادر على أن اللقاءات ستتكرر وستتعزز من القمة الى القاعدة، لأن المطلوب مستقبلاً إجراء مصالحة حقيقية على مستوى القواعد التي تزلزلت العديد من ثوابتها في المرحلة الماضية.
من تورا ـ بورا الى عائشة بكار
تشدد هذه المصادر أن الحزب وهو يستعد ويعمل لتعزيز هذه المصالحات لتثبيت السلم الأهلي يدرك أن مشكلة حقيقية قد قامت بين السنّة والشيعة، وأن اللعب عليها لم يعد مجرد لعب بالنار وإنما أكثر، لأنه لعب على حافة براكين قديمة ومستحدثة الى درجة أن بعض المتابعين لاهتمامات الحزب وشجونه يرون أن بدايات المشكلة التي تمركزت في تورا بورا في أفغانستان ستصل حالياً الى حي عائشة بكار في بيروت. لذلك كله، ما لم يتم بسرعة وجدية ومن دون تردد إعادة بناء علاقات صحية بين السنّة والشيعة في لبنان، فإن كل عمليات التهدئة ستكون محدودة ومفاعيلها واقفة وسط خط زلازل، من السهل تحريكه. ولذلك كما ترى المصادر نفسها جاء غياب الحزب بشكل كامل عن التوترات الشارعية أخيراً وأبرزها حادثة عائشة بكار.
رغم الأهمية الخاصة التي يوليها الحزب حالياً لإعادة بناء العلاقة الشيعية السنّية، فإن المصادر المقربة منه تشدد أن هذه العملية لن تتم على حساب الأطراف الحليفة والعاملة في المعارضة وتحديداً قوى 8 آذار. وأن أكثر القوى المقصودة بتثبيت التعاون معها هي التيار العوني. ولذلك فإنه حتى ولو تدلل الجنرال عون بمطالبه فإنه يمكن العمل على إرضائه وتثبيت التحالف معه.
ضمن العمل على دروس 7 حزيران، فإن الحزب قرر من ضمن العمل على تعزيز المعارضة وجوداً وحضوراً وممارسة تحويلها الى جبهة تعمل بشكل جماعي. ترجمة ذلك تكون في عقد اجتماعات منظمة لكل أطراف قوى 8 آذار، وصدور ضمانات وقرارات جماعية، أي اللحاق المتأخر بصيغة 14 آذار مهما كانت الملاحظات عليها حقيقية. علماً ان لا شيء يحول أو يمنع اللقاءات الثنائية. فمن الطبيعي في حال قيام جبهة ان توجد خصوصية في العلاقات بين بعض أطيافها المتعددة والانتماءات السياسية والفكرية والدينية.
من هو خليفة المرشد؟
الانتفاضة الخضراء واستتباعاتها، همّ داخلي في حزب الله. الخطاب العلني يشدد على انتهاء الأزمة، لأن الحدث خرج من الشارع ولم يعد تحت مجهر الخارج. القوى الإيرانية المختلفة ما زالت تنشط وتختلف وتتواجه لكن تحت عباءة الجمهورية. هذا الاطمئنان متزاوج بآخر وهو أنه مهما جرى النقاش حول علاقة طهران بالحزب حتى بما يتعلق بالاتفاق عليه، فإن العلاقة لن تهتز لأنها علاقة مفصلية في إيران تاريخاً وانتماء ومصلحة قومية.
هذا الاطمئنان المزدوج للوضع في إيران لا يمنع مطلقاً من النقاش الهادئ والمقفل كما يبدو خصوصاً بين قوى على تماس مباشر بالحزب، بكل ما يتعلق بمستقبل الجمهورية الاسلامية في ايران وعلى أرضية من القلق المباشر الذي خرج الى السطح. من ذلك:
المقارنة بين الجمهورية الاسلامية في ايران والاتحاد السوفياتي في سنواته الأخيرة التي سبقت تفككه. ومن ذلك انه يجري تحميل ايران خصوصاً في المرحلة النجادية اكثر مما تستطيع تحمله وأن الأعباء نتيجة لذلك اكبر مما يمكنها متابعتها والاتفاق عليها خصوصاً وأن الكثير منها غير منتج. يشار هنا الى الأعباء العسكرية المرهقة في وقت تعيش فيه البلاد على وقع ارتفاع نسبة البطالة وحجم التضخم.
إن شرخاً سياسياً عميقاً قد وقع وما لم تتم مواجهته واصلاحه بقرارات جزئية وشجاعة فإنه سيتسع يومياً.
إن الحرس الثوري يمسك اكثر فأكثر بمفاصل النظام ولذلك فإن المرشد أصبح بخدمة الحرس بدلاً من أن يكون الحرس بخدمته.
إن الأزمة فتحت بطريقة وأخرى مسألة خلافة الولي الفقيه أي المرشد آية الله علي خامنئي. وهذا لا يتعلق بالحاضر ولا بصحته. السؤال أصبح اساسياً وهو ماذا عن المستقبل سواء كان منظوراً أم بعيداً؟ ومن هو القادر على الامساك بالجمهورية ويكون مقبولاً من الجميع اي القوى الدينية والسياسية وحتى العسكرية المتمثلة بالحرس. ولذلك مطلوب معالجتها بسرعة حتى لا تقع مفاجأة غير محسوبة.
طبعاً تؤكد هذه الأوساط قدرة الجمهورية على استيعاب أزمتها واعادة انتاج مفاعيلها في عملية تجديد حقيقية للنظام. ولا يتأخر البعض عن المقارنة بين ايران والصين الشعبية. فقد خرجت الصين بعد أحداث ساحة تيان آن مين (ساحة السلام الأبدي) أقوى ونجحت في إحداث نهضة اقتصادية ضخمة من دون تقديم تنازلات عميقة على صعيد النظام.
المهم ان زمن الأسئلة قد بدأ داخل الحزب وحوله. الإجابات عليها تجسدها مفاعيل تعامله مع الآخرين على الأرض. الأهم في كل هذا ان مسارات جديدة تُرسم حالياً، قد يكون الكثير منها في صالح لبنان دولة وشعباً، اذا كانت الارادات صافية.
الامتحان الأول لكل هذه التوجهات قائم بقوة فوراً، متمثل في الإسراع بتشكيل الحكومة وتثبيت الهدوء والاستقرار.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.