8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

لـحزب الله دور في عدم اندفاع القيادة الإيرانية نحو التشدد لتحقيق تماسك النظام

مستقبل الجمهورية الإسلامية في إيران، بعد الانتفاضة الخضراء، شأن دولي وإقليمي وعربي.. ولبناني خصوصاً. التطورات في إيران، من فعل الإيرانيين، لكنها لم تعد شأناً خاصاً بهم فقط. لذلك فإن كل حدث إيراني مهما بدا صغيراً، سيرصد ويتابع ويلاحق من مختلف العواصم في العالم. جزء أساسي من مستقبل الحرب والسلام في المنطقة معلق على طبيعة هذه التطورات واتجاهاتها وتردداتها داخل المجتمع الإيراني من جهة ومراكز صنع القرار من جهة أخرى.
وأد الانتفاضة الخضراء
الشارع الإيراني، هدأ حالياً وضمن المستقبل المنظور. هذا الهدوء ليس ناتجاً عن قناعات شعبية ولا سياسية. ما حصل أن الانتفاضة الخضراء لم تكن ثورة ولا كانت تمتلك عوامل الثورة وأدواتها. لذلك تمكن النظام من لملمة قواه بسرعة ملحوظة ونجح في وأدها فور اقترابها من الخطوط الحمر. المشكلة لم تكن في قيادتها وإنما في السرعة التي انفجر فيها الشارع دون استعدادات ولا تصورات حول المدى الذي يمكن أن تذهب إليه الانتفاضة لمجرد صدور قرار ذاتي بأن الانتفاضة هي تحت عباءة النظام، لم يعد للشارع من مكان. الإصلاحات تحت عباءة النظام، تجري بالتداول والتفاهم والتوافق داخل الجدران وفي أعماق مؤسسات النظام.
الترميم المطلوب
حالياً، النظام كما تقول أوساط على احتكاك بالداخل الإيراني ممسوك. المشكلة في كيفية إعادة التماسك الى هذا النظام رغم كل الخطوط الحمر الموضوعة حالياً، يبدو واضحاً عمق الشرخ الذي وقع وتأثيراته على مراكز القرار المتعددة. المرشد آية الله علي خامنئي يلزمه بعض الوقت، أحادية قراره ليست موضع امتحان، استعادة الوحدة حوله هي المطلوبة. هاشمي رفسنجاني أعطاه تأييده لكنه ضمناً تأييد مشروط. المرشد أصبح بحاجة إليه أو الأصح أعاد اكتشاف أهمية الارتكاز على هذا الحصن الخبير بكل أنواع الحروب.
المحافظون مفككون، ليس بين تيارات معتدلة ومتشددة فقط وإنما بين القيادات. علي لاريجاني رئيس مجلس الشعب لم يتحفظ عن مقاطعة احتفال النواب بالرئيس أحمدي نجاد. وغيره كثيرون. الحرس الثوري المفترض أنه شكل الصخرة التي ارتكز عليها أحمدي نجاد، لم يلتزم بتوجهات قيادته التي انحازت علناً لنجاد ـ وهو ما ليس مسموحاً لها. ولذلك فإن 60 في المئة من عديده اقترعوا للمرشح مير حسين موسوي. أيضاً يجب العمل على إعادة التماسك بين القيادة والقاعدة داخل الحرس.
المراجع الدينية منقسمة على ذاتها. لأول مرة يقع حدث في إيران فتضطر المؤسسة الدينية الى اللحاق به والانقسام حوله. في السابق كانت الجماهير تلحق بالمراجع. العكس حصل الآن. النقاش حالياً داخل كل الحوزات ومكاتب المراجع حول ما يجب عمله مستقبلاً خصوصاً أن النقاش مفتوح الآن حول الولاية والخلافة.
الإصلاحيون، أثبتوا أنهم تيار شعبي حاشد. الشباب الإيراني ويمثلون سبعين بالمئة من الشعب الإيراني وهم تحت الثلاثين من سنهم أي أنهم ولدوا بعد الثورة، يبحثون عن صيغة جديدة لهذه الجمهورية. الانتفاضة الخضراء وئدت. ما لم يرد النظام على رسالتهم، فإن زلزالاً ضخماً سيحصل لاحقاً.
أيضاً ما لم يذهب النظام بعيداً في المواجهة فيلجأ الى القمع بدلاً من المصالحة فإن الإصلاحيين وعلى رأسهم مير حسين موسوي الصلب ومهدي كروبي المتصلّب قادرون على تشكيل تيار سياسي منظم يقلب المعادلة في الانتخابات التشريعية المقبلة بعد عامين. لا شيء يضمن شيئاً. لكن محاولة اللعب على الانتخابات في ظل وجود تيار منظم تعني فعلاً اللعب بنار الشارع.
أحمدي نجاد2
أحمدي نجاد الثاني لا يشبه مطلقاً أحمدي نجاد الأول. لقد ضعفت صورته. داخل النظام وشعبياً. مجرد الشك عند البعض واليقين عند البعض الآخر أنه لم يحصل على هذه الأغلبية أضعفه.. أمام أحمدي نجاد الاختيار بين:
[ المصالحة مع القوى الأخرى من الإصلاحيين، خصوصاً الشباب منهم وأيضاً داخل معسكره المحافظ. وهذا يتطلب منه الابتعاد عن خطابه الشعبوي واقتصاده الريعي، ومحاصرة المواقع التي أضعفت المجتمع الإيراني رغم كل غناه وأثارت شرائح واسعة داخل الطبقة الوسطى ضده.
[ أو الهروب الى الأمام. في افتعال معارك خارجية وصولاً الى إشعال الحرب مع إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية بهدف تصليب الجبهة الداخلية تحت شعار مواجهة العدوان الخارجي. هذا الخطر قائم رغم أنه كارثي على الجميع: إيران والمنطقة وخصوصاً لبنان وسوريا.
أيضاً أمام النظام اتخاذ القرار بعلاقاته مع الخارج. اما أن تأخذ هذه العلاقات منحى الهدوء والتهدئة والاعتدال مع الصلابة دون التصلّب، فيجري الحوار فالمفاوضات واما أن هذا النظام يغرق في أوهام تحصيل المكاسب من خلال تنفيذ سياسة متشددة من دون الأخذ في الاعتبار أن الإدارة الموجودة في واشنطن هي الإدارة الأوبامية القادرة على تشريع أي مبادرة تقوم بها دولياً وحتى إقليمياً.
أي مسار؟
من أسس هذا الانفتاح والدخول في مسار العقلانية السياسية استعادة الثقة مع المحيط الإقليمي. الانتباه الى أن جسور الثقة قد اهتزت مع السعودية والى أن المشكلة مع القاهرة لا تجدي وأن تمتين التحالف مع دمشق فقط ليس هو السياسة الرشيدة. فما هو قائم حالياً يعني أن الخلل قد طال أسس القرار الاستراتيجي في إيران. على القيادة الإيرانية أن تبادر لتتفاهم مع محيطها بعيداً عن ترددات الانتفاضة الخضراء، لا أن تنتظر من الآخرين القدوم إليها طلباً للعلاقات معها. لطهران مصلحة حقيقية في إعادة التماسك الى علاقاتها، لا تعزيز خط الزلازل القائم أساساً مع محيطها الإقليمي.
تبقى الحلقة الصعبة وهي لبنان وفلسطين. من مصلحة أطراف هذه الحلقة وتحديداً حزب الله العمل على دفع طهران للاعتدال. الأمر يعني الحزب مباشرة ويعني مستقبل جماهيره وجميع اللبنانيين. الحزب قادر على لعب دور مهم في رسم هذا المسار بالمشاركة مع القيادة الإيرانية. مجرد تخليه عن الإعلان بأن فوز نجاد هو فوز للعلاقة بينه وبين الجمهورية، يفتح باب الاعتدال.
مهمة القيادة الإيرانية صعبة جداً لأنها هذه المرة تجري على وقع خسارتها لجزء أساسي من شرعيتها. مستقبل إيران والمنطقة يستحق الجهود المطلوبة، وهي ليست إيرانية فقط وإنما أيضاً جماعية من المنطقة. وأولى تلك المؤشرات إسقاط فكرة أن النظام في إيران قد انهار أو صار على طريق الانهيار. مجرد شعور النظام الإيراني بأن حركته تجري تحت هذه الصيغة سيجعل التطرف سيد التحوّلات.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00