انتقاد الزعماء الكبار في مجموعة الثماني لإيران حيال تعاملها مع الاحتجاجات الشعبية التي اندلعت في طهران ومعظم المدن الكبيرة، بعد إعلان فوز أحمدي نجاد بالانتخابات الرئاسية طبيعي وهو أقل ما يُقال، الأهم أن زعماء الثماني تعاملوا مع إيران وكأن حدث الانتخابات ونتيجتها والمظاهرات التي وقعت قد أصبحت من الماضي. لقد حدث ما حدث. المطلوب النظر الى المستقبل.
واقعية الثماني الكبار
هذا الموقف الجماعي للثماني الكبار ومن بينهم الرئيس الروسي ميدفيديف، يؤكد الواقعية التي تعاملوا بها مع هذا الحدث، الملف النووي له المرتبة الأولى والمطلقة، الأمور الأخرى تعني الشعب الإيراني وحده، كيفية حل مشكلته مع أحمدي نجاد تبقى مهمة إيرانية، التدخل فيها يتم في وقته. إيران ليست لبنان حتى تتقاسم الدول ولو كانت الدول الثماني الكبار، دعم هذا الطرف أو ذاك، لكل شيء حدوده.
الإعلان المشترك للقمة حول إيران، يؤكد أن باراك أوباما، لاعب ماهر، رغم كل ما قيل عن جهله للسياسة الدولية. وسط هذه المجموعة من الزعماء اختار أن يجمع ما لا يجمع، وأن يكون نتاج ذلك إعلاناً جماعياً، لا أحادياً. بهذا أثبت أنه يفضل العمل الجماعي على الأحادي، حتى ولو كانت بلاده المعنية الأولى بذلك. بهذا العمل يكون الجميع شركاء له ومعه في أي قرار. من هنا القول إن أوباما أخطر من جورج بوش بالنسبة لإيران. يستطيع أوباما في لحظة معينة تشكيل جبهة واسعة وقوية للعمل ضد إيران، فيكون أي قرار له قراراً دولياً، على إيران تحمل عواقبه ونتائجه.
التعامل مع إيران بدا حذراً جداً. جميع المشاركين يعرفون الحساسية الإيرانية بكل ما يتعلق باستقلالها وسيادتها، لذلك جاء الإعلان مبنياً على ركائز واضحة هي:
* الالتزام بحل ديبلوماسي لبرنامج إيران النووي. من الواضح جداً أن عملية تنسيق حقيقية قد جرت. لقد نجح أوباما في دفع المعتدلين نحو التشدد. ولجم المتشددين ودفعهم باتجاه الاعتدال، إقرار الحل الديبلوماسي يعني أيضاً توجيه رسالة دولية الى إسرائيل مضمونها العلني والرسمي أن الحل العسكري ممنوع حالياً، ويجب استتنفاد كل حظوظ وإمكانات العمل السياسي.
* التأكيد على احترام مجموعة الثماني السيادة الإيرانية، وفي هذا القرار دغدغة واضحة للإيرانيين. وذلك قبل أن يأتي البند الأهم وهو أن هذه الدول الثماني لن تنتظر الإيرانيين الى ما لا نهاية. أصبح أمام طهران خط أحمر عليها ألا تتجاوزه، بعد هذا الخط تبدأ الخطوة التالية وهي دائماً ضمن الحل الديبلوماسي.
24 أيلول هو نهاية الجمود، عملياً الزعماء الثمانية ومن ضمنهم الرئيس الروسي، منحوا القيادة الإيرانية مئة يوم للحسم. لقد احتسبوا لنجاد ضمن المهلة الأيام العشرة للمظاهرات، المعروف أن أي رئيس يُنتخب في العالم الغربي يمنح مئة يوم سماح، لقد تم الافتراض أن انتخاب نجاد كان سليماً ومُنح فترة السماح هذه. بعد ذلك ستأتي فترة القرارات وهي ستكون جماعية وقد تتضمن أعلى درجات العقوبات الاقتصادية والمالية. العقوبات المحدودة التي صدرت في السابق أزعجت إيران وأحياناً أوجعتها، العقوبات اللاحقة إذا وقعت ستكون مؤذية، وستكون مقدمة لقرارات تصعيدية. لم يعد أمام أحمدي نجاد فرصة للتهرب من القرار الصعب. الكثيرون في إيران يقولون إن أحمدي نجاد الثاني غير الأول، في الواقع يجب معرفة ماذا يريد المرشد آية الله علي خامنئي. هل ما زال يعتقد أن التشدد في المواقف مثمر لإيران أكثر من الحوار والتفاهم على قاعدة الاحترام المتبادل أم العكس؟.
دمشق والاختيار المر
يبقى أن دعوة إيران من قمة الثماني الكبار حل الأزمة الداخلية عن طريق الحوار الديموقراطي والقانون مع إبداء القلق العميق تجاه أعمال العنف ليس أكثر من مظاهرة لا مفعول لها حالياً، مفاعيل الشدة التي تعاملت بها السلطات ضد المتظاهرين الإيرانيين أثمرت في دفع الانتفاضة الخضراء الى داخل مراكز القرار العميقة في طهران أو قم للتعامل معها سواء في العثور على حل سياسي لها أو التعامل معها بدون حساب للزمن وما تحدثه التراكمات على المستقبل.
خلاصة هذا الإعلان، أن العمل العسكري مستبعد هذا العام ضد إيران سواء من إسرائيل أو الولايات المتحدة الأميركية مع الحلفاء والشركاء أو بدونهم. هذا الاستبعاد، لأن 24 أيلول هو موعد آخر للعمل السياسي. بعملية حسابية صغيرة يمكن القول، إن مئة يوم أخرى ستترك لإيران في مواجهة أي قرارات عقابية تصعيدية، أي حتى عطلة أعياد الميلاد ورأس السنة. للعالم ولإيران موعد آخر مع بداية العام القادم.
هذا الموعد، ليس جديداً وإن كان أصبح شبه رسمي. الملفت في كل ذلك، شهادة حسن السلوك التي أصدرها الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي بحق دمشق.
الشهادة ليست جديدة وإن كانت أكثر تفصيلاً وتحديداً. المهم في هذه الرسالة توقيتها، اختار ساركوزي تقديم شهادته مع انعقاد قمة الثماني الكبار. هذا التوقيت ليس صدفة، إنه مدروس جيداً وبعناية شديدة.
الرئيس الفرنسي أراد سحب أي اتهام أو مساءلة دمشق بكل ما يعني لبنان. لقد أدت دمشق واجبها للعلى في الأزمة اللبنانية، بعد التبادل الديبلوماسي بين دمشق وبيروت أصبحت الملفات ملكاً للعاصمتين السورية واللبنانية.
هذه العملية الساركوزية، هي لسحب أي بحث داخل قمة الثماني حول موقع دمشق مما يحدث في لبنان والمنطقة.
الهدف الأساسي لساركوزي فصل دمشق عن مسار التعامل الدولي مع طهران. دمشق لا تقع في محور الشر الذي تحتله طهران. هذا الفصل يخدم دمشق، العقوبات ضد طهران ستبقى بعيدة عن سوريا.
هذا الموقف برأي ساركوزي يشجع دمشق عن الابتعاد عن طهران. وإن لم تبتعد باختيارها، فإنها ستكون بالتأكيد محرجة أمام طهران. فإذا هي اختارت الحياد فإن ذلك لن يكون لرحابة لدى الإيرانيين. وإذا اختارت الالتزام بالقرارات الدولية الجماعية فإن ذلك سيحدث أزمة عميقة مع شريكتها إيران.
مشكلة دمشق أنه لا يمكنها التلاعب كما فعلت مع العراق في فترة الحصار الاقتصادي. الحدود المشتركة الطويلة بينهما سمحت لدمشق بلعب لعبة مزدوجة إطارها التهريب الشعبي وفي الوقت نفسه التشديد على الالتزام بالقرارات الدولية فجنت مكاسب مالية واقتصادية وحتى سياسية تحت صيغة قيادة الممانعة العربية. مع إيران لا توجد حدود مشتركة. القرار سياسي يكون ايجابياً أو سلبياً أو لا يكون.
مهلة المئة يوم الأولى أمام طهران، تعني لبنان كثيراً مثلما تعني دمشق. هذه المهلة تعني أن لبنان سيجد نفسه أمام استحقاقات جدية. تشدد طهران سيقابله تشدد دولي وليس أميركياً أو أوروبياً أو إسرائيلياً فقط. أي تشدد ستكون تردداته ومفاعيله عامة على المنطقة وتحديداً لبنان لأنه مرشح لأن يعود ساحة للاختبار والمواجهة.
إخراج لبنان من أزمة تشكيل الوزارة بسرعة وعلى قاعدة وفاق متينة وثابتة، عملية ملحة وسريعة جداً. قد تأتي لبنان والمنطقة رياح الخطر فيعتدل القادة في إيران وتحديداً المرشد آية الله علي خامنئي وأحمدي نجاد. لكن لا شيء مضموناً. كل شيء يؤشر الى التشدد. أحمدي نجاد من طينة المسؤولين الذين يفتعلون معارك طواحين الهواء الخارجية لتوحيد الجبهة الداخلية.
فهل من يسمع في لبنان، ويتنبه لحركة الرياح التي تحمل في طياتها الأعاصير.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.