في 12 تموز، قبل ثلاث سنوات، وقعت عملية الوعد الصادق، الناجحة عسكرياً، تخطيطاً وتنفيذاً. شيء واحد لم يتوقعه أحد وعلى رأسهم السيد حسن نصرالله، أن تقع الحرب. قائد المقاومة أكد في كلمته المتلفزة بعد العملية أن المقاومة لا تريد التصعيد، وأنها لا تريد جر المنطقة الى الحرب. ما حصل هو العكس. وقع التصعيد بقرار إسرائيلي فامتدت الحرب ثلاثة وثلاثين يوماً، زرع خلالها مقاتلو المقاومة أرجلهم في الأرض، ولم يغادروها حتى حققوا نصراً عظيماً بعزيمتهم وصمودهم، ولم تُجّر المنطقة رغم كل الملاحم التي سطرت. بقي الجولان هادئاً وإيران تصرفت كراعية للحرب تمدها بالسلاح والمال الطاهر.
لقد قاد السيد حسن نصرالله الحرب ببراعة لا شك فيها، بدا قائداً ممسكاً حتى بالتفاصيل الصغيرة، قادراً على التعامل مع رجال المقاومة على كل الجبهات بثقة ومحبة واقتدار. فرفعت عمامته السوداء على امتداد الوطن العربي بما فيها باحات جامع الأزهر في القاهرة. كان يمكن لهذا المسار أن يحدث انقلاباً في تاريخ الأمة. لكن ما حصل بعد ذلك قلب الصورة، حتى حلت الذكرى الثالثة والهم الأكبر حالياً لـحزب الله هو كيفية لمّ الشمل السني الشيعي داخل لبنان، بعد أن كان مجرد جروح خارجية على طول قوس الأزمات خصوصاً في العراق.
حاجة الوطن العربي الى المقاومة
الوطن العربي، كان بحاجة الى مقاومة وقائد للمقاومة، وحصل ذلك في جنوب لبنان. للأسف ما حصل بعد ذلك من حصار لبيروت من داخل بيروت في مخيم ساحة رياض الصلح وصولاً الى 7 أيار الذي مهما كانت أسبابه ومبرراته فإنه أدى الى انزلاق المقاومة نحو داخل أزقة بيروت، لتقع في قلب بيت العنكبوت.
لقد ربح السيد حسن نصرالله زعامة المعارضة في لبنان. لكنه وبدون مكابرة وبمرارة خسر موقعاً كانت شرائح عربية واسعة تريده أن يحتله بعد الصمود والمقاومة والانتصار في جنوب لبنان. لا شك أن قوى خارجية لعبت أدواراً في صياغة هذه الخسارة، لكن هذا لا يعفي أحداً من مسؤوليته.
إن استحضار كل ما جرى من العام 2006 حتى الآن، ليس لإعلان الفخر أو البكاء على الأطلال، وإنما هو استعادة واقعية للماضي، لقراءة الحاضر وبناء المستقبل.
وما يعزز ذلك أن لبنان أمام مفترق حساس وربما مصيري، وهو في هذا الموقع لأنه شريك في كل تطورات المنطقة سواء أراد ذلك أو لم يرد. لذلك فإن الشراكة الداخلية في تحصينه وتثبيت السلم الأهلي ملحة أكثر من أي وقت مضى. لقاءات القواعد والشيوخ والعلماء، تسهل استعادة عملية بناء جسور الثقة. لكن المواد الضرورية للبناء تبقى موجودة في تثبيت العملية الكبرى وهي بناء الدولة.
هل ستقع حرب جديدة؟
المواطن اللبناني، ينام ويستفيق اليوم وحتى إشعار آخر على سؤالين متلازمين:
هل ستقع حرب جديدة ومتى؟ ولا تنفع المكابرة حول صمود المواطن اللبناني. لا شك أن اللبناني ينسى آلامه إذا ما اضطر لخوض حرب جديدة وسيشارك فيها ويضحي فيها، لكن بالتأكيد أيضاً أنه لا يريد حرباً من أجل الآخرين ولا حرباً بقرار من الآخرين. إذا ما كان قدره الدخول في حرب تدمر ما لم يستطع إعادة بنائه في الحرب السابقة فإنه سيدخلها من أجل أرضه وأبنائه. أما إذا كانت لأجل دولة أخرى وتحديداً إيران أو سوريا، فإنه بالتأكيد لا يريد أن يكون ابناؤه لحم مدافع للآخرين ولا أرضه محروقة فيما الآخرون يفاوضون بنتائج ما يحصل في لبنان.
الحفر المتبادلة
متى ستشكل الحكومة الجديدة ويدخل لبنان في حالة استقرار تمكنه من مواجهة الاستحقاقات وتؤهله لجلب النزر القليل والمتبقي من الاستثمارات بعد ضياع أكثرها في الأزمة المالية الدولية. ذلك أن أمام الجميع فرصة لإثبات تعلقهم بمصلحة لبنان. سلاح المقاومة لم يعد ملفاً للنقاش. وهذا السلاح طالما أنه غير مرئي وخارج الاستخدام الداخلي، فيمكن تحمله على أساس أنه مع سلاح الجيش وصمود اللبنانيين قادر على حماية الوطن من إسرائيل، وأي مطالبة بضمان ما هو مضمون تصبح من نوع لزوم ما لا يلزم. أيضاً تجميد الحكومة أمام عقدة الثلث المعطل هو تجميد لاستعادة الدولة قدرتها على مواجهة استحقاقات المستقبل، ما معنى مطلب الثلث الضامن؟ أهو لمنع اتخاذ قرارات مصيرية مضادة لخط المعارضة والمقاومة، في وقت إذا انسحب فيه الوزراء الشيعة الذين سيكونون من حركة أمل وحزب الله تصبح فيه الحكومة غير ميثاقية وغير وفاقية؟
حان الوقت للخروج الجماعي من الحفر التي حفرها كل طرف لنفسه للتحصن فيها في مواجهة الآخر، وكانت النتيجة أن الوطن كله هو الذي وقع فيها. لدى قوى 8 آذار و14 آذار ألف جواب وجواب على كل نقطة مثارة. لكن المواطن اللبناني يريد جواباً واحداً ووحيداً وهو الخروج من هذه الحفر، والعمل على إعادة بناء ما تهدم داخل البشر قبل إعادة بناء الحجر أولاً، وثانياً أن يشعر أن للدولة اللبنانية حق المشاركة إن لم يكن الانفراد في قرار الحرب والسلام، حتى لا تقع مفاجأة هذه المرة ستكون أكثر تدميراً وأكبر ثمناً بعيداً عن إمكانات الفشل والفوز.
الجمود الخطر
ما يعزز ذلك أن الهدوء الذي يسود المنطقة حالياً هو نوع من الجمود الخطر. ليس لدى إسرائيل حكومة قادرة بسبب تشكيلتها وبسبب حصار الإسرائيليين لأنفسهم بأنفسهم في مستنقع التطرف. إيران المتشددة تريد الحوار ولا تريده لأنها تنظر الى الآخرين على أنهم أعداء وليسوا خصوماً والفارق كبير في كيفية الحوار مع الأعداء عنه مع الخصوم. الغرب من واشنطن الى باريس فتح باب الحوار مع طهران حتى 24 أيلول وبعد ذلك تبدأ إجراءات أخرى. من الواضح أنها لن تكون الحرب لكن للحصار الاقتصادي مفاعيل مؤلمة وسيئة تؤهل لاتخاذ قرارات ليس بالضرورة أن تكون عقلانية. والعجز العربي حدّث ولا حرج. فقط ما يحصل في العراق من مآسٍ يكفي لاستثارة كل القوى المشلولة، ومع ذلك لم ينجح في إخراج العرب من عجزهم.
للمرة الألف، يجب أن يكون لبنان في وضع سليم ومتين قبل 24 أيلول، حتى يواجه الاستحقاقات المقبلة سواء كانت في التشدد أو التفاوض بالنار وهو يلعب فوق صفيح ساخن. هذه المرة قد لا يكون لبنان مجرد ساحة لتسوية حسابات الآخرين عليه، قد يتحول هو نفسه الى جزء من حسابات التسوية كلها، خصوصاً وأن البحث في مؤتمر لصياغة حل شامل لكل مسارات النزاع العربي الإسرائيلي دفعة واحدة وليس التزام كل مسار على حدة، يبدو جدياً عاجلاً أو آجلاً.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.