8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

فصل لبنان عن العلاقات الفرنسية ـ السورية .. باريس لا تصدق دمشق بأنها ستترك اللبنانيين يلعبون وحدهم

برنار كوشنير وزير الخارجية الفرنسي، يحاول دوماً ان يوحي بأنه يعمل ويتحرك وفق خريطة طريق موضوعة بعناية وبعد دراسة عميقة لأدق تفاصيل الأوضاع. الواقع أن الوزير ـ الطبيب، أتى الى دمشق وقبلها بيروت، للقيام بعملية اخراج لما رسمه، كلود غيان أمين عام الرئاسة الفرنسية ورجل ملف العلاقات الفرنسية ـ السورية الذي سبقه في ملاقاة الرئيس بشار الأسد.
بالشكر تتطور العلاقات
من تفاصيل خريطة الطريق الفرنسية ـ السورية، ان توقيت زيارة كوشنير الى دمشق وعقد مؤتمر السفراء الفرنسيين في دول المشرق، جرى تحديده بدقة. الذكرى السنوية الأولى والأرجح الأخيرة، لقيام الاتحاد من أجل المتوسط، شكلت الدافع الفعلي لزيارة دمشق وتخصيصها بلفتة ديبلوماسية تؤكد متانة العلاقات وهي عقد مؤتمر السفراء الفرنسيين في دمشق. الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي لم ينسَ مشاركة نظيره السوري بشار الأسد في احتفالية اعلان الاتحاد، وخصوصاً انها شكلت قوة دفع اعلامية ثمينة جداً. لكن الأهم من ذلك كله أنها دغدغت أحلام ساركوزي بلعب دور تاريخي في حل النزاع العربي ـ الاسرائيلي ودخوله التاريخ.
الاتفاق بين دمشق وباريس لدى انتهاء زيارة الوزير الفرنسي شبه شامل لكل الملفات. فالاتفاق يطال: عدم التدخل في الشأن الداخلي اللبناني. دعم العملية السياسية في العراق. دعم جهود المصالحة. التحضير الجيد لعملية السلام والحل القائم على الدولتين. عودة الجَوْلان السوري، ذلك ان لا سلام ممكناً قبل أن يشمل المسار السوري.
نقطتان سجلتا على هامش هذا الاتفاق الشامل:
*ان الاختلاف المهم الذي كشفته المحادثات يتناول كيفية معالجة الملف الايراني. هذا الخلاف أساسي في كل مسار العلاقات الفرنسية ـ السورية. باريس ترغب وتعمل كما واشنطن على فصل دمشق عن طهران، وسوريا غير راغبة ولا هي تريد مقايضة هذا الملف الأثمن والمفاوضات لم تبدأ بينها وبين الولايات المتحدة الأميركية. اذا كان من الأمر بدّ فإن دمشق لن تقدم هذه الثروة لباريس. الطبيعي ان تكون هذه الثروة حاضرة أمام الأميركي لقبض الثمن منها مباشرة.
يصح في الاختلاف بين باريس ودمشق حول الملف الايراني القول حسب المثل الشعبي، ان الاتفاق شامل حول مبدأ زواج الأولاد بين العائلتين، يبقى الحصول على موافقة العروس التي تفكر في أمور أخرى بعيدة من الزواج.
*ان كل الملفات التي ذكر انها موضع اتفاق، تتضمن تفاصيل بعضها أساسي تتطلب جلسات كثيرة من الحوار والمفاوضات للاتفاق عليها، والأهم ان هذه الملفات ليست ثنائية بل هي في واقع الحال ثلاثية سواءٌ منها الملف اللبناني، حيث اللبنانيون مواقفهم غير موحدة أصلاً، أو العراق حيث العراقيون منقسمون بعضهم على بعض. منهم من يرغب بدمشق طرفاً فاعلاً ومنهم من يخافها أو يفترق عن مواقفها. أيضاً الكلام نفسه عن فلسطين، اما ملف المسار السوري في عملية السلام، فإن وجود حكومة التطرف الاسرائيلية كافية وحدها للاشارة الى ان هذا الاتفاق إعلاميّ فقط.
باريس جسر لدمشق الى واشنطن
بعيداً من الكلام الرسمي أو المسرب، فإن واقع العلاقات بين دمشق وباريس، يؤشر الى نوع من التفاهم الكامل على بناء علاقات متينة على قاعدة الاتفاق على الأساسيات وترك التعامل، مع التفاصيل الى وقتها. وتشدد مصادر مطلعة رافقت زيارة كوشنير ولاحقت قبله زيارة كلود غيان الى دمشق على انه جرى فصل لبنان والتعامل مع مشاكله عن مسار العلاقات السورية ـ الفرنسية. العلاقات بين باريس ودمشق لم تعد ثلاثية كما كانت في السابق أي لبنان واسطة عقدها. أصبحت العلاقات بين العاصمتين ثنائية، ومباشرة تعالج الملفات المشتركة دون مؤثرات الوضع اللبناني. ما يعزز ذلك ان غيان وكوشنير سمعا مباشرةً من الرئيس بشار الأسد بأن دمشق لا تتدخل في اللعبة السياسية اللبنانية وأن القرار السوري هو ترك اللبنانيين يلعبون وحدهم لوحدهم.
المصادر نفسها تقول ان الفرنسيين يتساءلون في مجالسهم المقفلة حول مدى صدق هذا التعهد السوري وهل هو فعلي وحقيقي، لذلك كله فإن باريس لم تتخلَ ولن تتخلى مطلقاً عن متابعة وملاحقة السلوك السوري في لبنان. باريس رغم كل شيء لا تحب المفاجآت، وخصوصاً أن كل شروط اللعبة الثنائية لم تكتمل بعد، ولذلك كله فإن أعينها ستبقى مفتوحة حتى وهي تتظاهر علناً بأنها غافلة عما يجري.
أيضاً لم تعد تخفي باريس رغبتها وتصميمها في لعب دور الوساطة بين دمشق وتل أبيب. حتى مجيء نتنياهو الى رئاسة الوزراء، كانت باريس تعبّر عن أمنيتها في لعب هذا الدور. مؤخراً نقل غيان لدمشق ما دار بين الرئيس ساركوزي ورئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو. أبرز ما في ذلك ان تل أبيب لم تعد تثق بأنقرة بعد موقفها المعادي لها في الحرب ضد غزة. لذلك فإن باريس كلها مستعدة للحلول مكان أنقرة ولعب دور الوسيط المباشر بين دمشق وتل أبيب. والانتقال بسرعة من مرحلة التشاور الى مرحلة الانطلاق الفعلية.
المشكلة التي تواجه عرض باريس وطموحها مزدوجة، وهي من دمشق وتل أبيب على السواء. اسرائيل ـ نتنياهو وليبرمان غير مستعجلة للتفاوض مع دمشق حول الجولان وشرط الانسحاب منه. عدم استعجال تل أبيب وان كان مبدئيا نابع من التطرف الشديد الذي يحكم مواقف الحكومة الاسرائيلية، إلا ان له جانباً آخر وهو حاجتها لمعرفة الموقف الأميركي خصوصاً الى أي مدى سيذهب الرئيس باراك أوباما في الضغط عليها لفرض حل الدولتين. معرفة الموقف الأميركي شرط أساسي قبل تحديد اسرائيل لموقفها.
أيضاً دمشق تريد إكمال مسار الانفتاح الأميركي عليها. دمشق تريد استعادة دفء علاقاتها مع واشنطن. هذا الدفْء هو الذي يحدد فعلياً وعملياً ماذا ستحصل عليه وماذا ستعطي مقابله. العلاقات مع باريس كانت وما زالت بالنسبة لدمشق جسراً يجب عبوره للوصول الى واشنطن. هذا الدور الذي قامت به باريس مشكورة من دمشق لأنها أعادتها الى قلب المجتمع الدولي وفتحت أمامها أبواب أوروبا وأخيراً واشنطن، حقق كل ما كان مأمولاً منه. دمشق تستعد حالياً لاستقبال السفير الأميركي العائد اليها، بذلك ستعود الاتصالات المباشرة، لم تعد دمشق وواشنطن بحاجة الى وسيط ولا حتى الى جسر.
أمام دمشق وتل أبيب وباريس مرحلة انتظار لم تعد طويلة حتى يحدد أوباما مواقفه وتحديد قدراته على التنفيذ. حتى ذلك الوقت، لا شيء يمنع من حصول المزيد من الامتحانات والاختيارات ولبنان سبيقى في قلب كل ذلك.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00