لم يكن ياسر عرفات، قائداً عادياً. تحبه أو لا تحبه، معه أو ضده، فإن عرفات كان قائداً استثنائياً للشعب الفلسطيني. الختيار ناضل وقاتل طوال حياته، وصمد في المقاطعة مع رفيق دربه توفيق الطيراوي، حتى اللحظة الأخيرة، عندما نجح الإسرائيليون في اغتياله. إقفال ملف اغتياله بالطريقة التي جرت، زرعت الشك وألف قنبلة وقنبلة. سيبقى ملف اغتيال الختيار مفتوحاً في ضمير الشعب الفلسطيني، حتى تنجلي الحقيقة.
من قتل عرفات؟
فاروق القدومي أمين سر حركة التحرير الفلسطينية، البعثي تاريخياً، ورفيق درب عرفات منذ تأسيس فتح يحمل في اسمه وتاريخه شرعية لا يمكن لأحد المجادلة فيها. لكن أبو اللطف تاريخياً أيضاً لم يتمتع كما عرفات وصلاح خلف (أبو أياد) بالقدرة على المناورة والحنكة في التعامل. اتهاماته للرئيس محمود عباس ومحمد دحلان بهذه الطريقة الإعلامية، بدلاً من تفجير قنبلته داخل المؤتمر سواء حضورياً أو بمن يمثّله، تؤكد الى حد كبير سذاجته الثورية. اختار أبو اللطف أن يقوم بنفسه بعملية انتحارية داخل البيت الفلسطيني كله وليس حركة فتح.
لا أحد بعد العملية الانتحارية التي قام بها أبو اللطف يستطيع تجاهل ما جرى وما سيجري، خصوصاً وأن ما يجري داخل فتح ليس شأناً داخلياً، وإنما هو شأن وطني فلسطيني، يجب التعامل معه بحذر شديد، خصوصاً وأن أبعاده عربية واقليمية. تردد صدى العملية لا بد أن يطال الجميع بما فيهم لبنان.
حركة فتح مريضة جداً. لا أحد يجادل بذلك. بدأ مرضها في لبنان وانتشر داخلها في الشتات وصولاً الى أرض فلسطين، كان من المفترض أن يتحول تراب فلسطين الى إسمنت يعيد تصليب الحركة ويجعلها نداً من الداخل للإسرائيليين. ما حصل العكس تماماً. ازداد تمزق حركة فتح بين الداخل والخارج. ثم بين أهل الداخل أنفسهم حتى تحولت الحركة الى حركات تتداخل فيها كل أمراض العشائرية والاستقطاب. ثم جاء التناحر مع حماس حتى وصل الأمر الى تحقيق حلم إسرائيل في إنجاز فصل الضفة عن غزة.
الخلافات التي برزت فور الإعلان عن المؤتمر السادس لحركة فتح، كانت وما زالت حول امتلاك السلطة مستقبلاً. ليس سراً الصراع بين من يعتبرون أنفسهم الورثة ومنهم محمد دحلان. وليس سراً أن هذا المؤتمر إذا ما انعقد واعترف بشرعيته سيعيد رسم الاصطفاف داخل الحركة من جديد وسيؤثر على مجمل الوضع الفلسطيني. تأكيداً لأهمية هذا المؤتمر فإن الرئيس محمود عباس كما يقال في الأوساط الفلسطينية شكل مع دحلان قائمة ائتلافية للفوز بالأغلبية في اللجنة المركزية والمجلس الثوري. فوزهما بالأغلبية يمنحهما القدرة على صياغة مستقبل الحركة وخطاً سياسياً ونهجاً مجدداً في التنفيذ.
الخطر الكبير الآن، حصول انشقاق داخل فتح كما حصل عام 1984. لم يكن أبو موسى يفكر عندما قام بانشقاقه مع أبو خالد العملة أنه ليس أكثرمن وسيلة لإحداث الانشقاق وإبعاد أبو عمار إلى تونس، اليوم أبو اللطف يقع بدوره في بيت العنكبوت الاقليمي بعيداً عن مصداقية ما يقوله أو عدم صحته. الانشقاق وقع، ولذلك فإن الكلام عن عدم شرعية مؤتمر بيت لحم إذا انعقد قد يشكل السكين التي ستقطع الحركة الى حركات.
مفاوضات بالنار
قد يكون من المبكر الدخول في تفاصيل ما يحصل وكيفية انعقاد المؤتمر بعد موافقة إسرائيل على لائحة الأسماء التي ستقدم إليها لدخول بيت لحم، إلى جانب معضلة قبول حماس بخروج وعودة الأعضاء من الحركة إلى الضفة. لكن من الواضح جداً وبعد قراءة المحضر الذي أعلنه أبو اللطف أن مفاعيل العملية الانتحارية ستكون واسعة وعميقة على:
مسار الحوار الفلسطيني الفلسطيني سيتأثر كله لأن حماس ستطرح مستقبلاً مع أي فتح ستتفاوض. إلى جانب ذلك، فإنّ الشكوك التي كانت تراود حماس والتي سبق لها وأعلنتها عن دور معين لأفراد من السلطة وتحديداً محمد دحلان في ضرب قياداتها واغتيالهم، أصبحت منذ الآن محضر اتهام يمكنها به رفع مستوى اتهاماتها بالأسماء والأهداف.
مرحلة الحوار والمفاوضات بين واشنطن ودمشق وطهران، قد دخلت مرحلة مفاعيل ساخنة. عملية التفاوض بالنار جرت تجربتها في الماضي، الآن أصبحت أسلوباً ونهجاً. دمشق سواء عن عمد أو في عملية استثمار مشروعة للعملية الانتحارية التي أقدم عليها أبو اللطف، تستطيع أن توجه رسالة إلى واشنطن مسندة بدعم إيراني (كل ما يضعف فتح يقوي حليفها حركة حماس). إن المفاوضات تكون معها أو لا تكون على المسارين الفلسطيني والسوري. أيضاً تستطيع دمشق الآن أن تقول للقاهرة تعاوننا لحل النزاع الفلسطيني الفلسطيني، يجب أن يطلب وأن يعطى مقابله. دمشق ليست كاريتاس على كل الصعد وكل الملفات، وهي تعرف جيداً كيف ترفع سقف مطالبها وثمن كل خطوة وكل قرار.
جميع المنظمات الفلسطينية، أصبحت في مغطس الانقسام الفتحاوي. ولذلك فإن أي قرار تتخذه سيحسب عليها مستقبلاً.
لبنان مدعو بدوره إلى الحذر الشديد. كانت مشكلته محصورة بالمنظمات الفلسطينية المتطرفة، أصبحت الآن مشكلته مزدوجة، هذا الانقسام داخل حركة فتح على خلفية عربية واقليمية خطير جداً. ما يجري وسيجري حتى نهاية العام 2009، هو نوع من مواجهة القنابل العنقودية الكامنة والمنتشرة على مساحة واسعة، انفجارها متوقف على اكتشافها أولاً، وثانياً الاصطدام بها.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.