العملية الانتحارية القدومية، داخل حركة فتح وفي قلب السلطة الفلسطينية، لم تنته مفاعيلها ولا تردداتها، بعيداً عن لغة التخوين الضمني أو المباشر، التي لا تؤكد سوى العجز عن التعامل الجدي والواقعي مع هكذا حدث، ودائماً في ظل الوضع الفلسطيني العاجز، أكثر من غيره من العرب، عن تجاوز أسباب أزماته الداخلية أولاً وخصوصاً انقساماته الدموية تحت سكين الاحتلال الإسرائيلي، فإن العملية تثير من حيث توقيتها الاستغراب الشديد.
لعل السؤال الكبير، بعيداً عن صحة الوثيقة أو زيفها، هو: لماذا انتظر أبو اللطف، أربع سنوات تقريباً ليكشف عنها؟ ولماذا بايع أبو مازن بالرئاسة، طالما انه يمتلك هذه الأدلة المفصلة في الاجتماع بينه وبين الأميركيين والإسرائيليين وحليفه محمد الدحلان؟ وما معنى التفجير حالياً على أبواب المؤتمر السادس لحركة فتح؟
الخلافات حول المكان والأعضاء
فاروق القدومي، أبو اللطف، سياسي مخضرم احتل مواقع عديدة ومهمة داخل حركة فتح، لكن لم يكن دائماً مؤثراً في القرار مثلما كان حاضراً في التمثيل الخارجي للحركة والمنظمة.
وقد اختار بعد اتفاقات أوسلو عودة أبو عمار الى الداخل وقيام السلطة الوطنية الفلسطينية البقاء في الخارج فازدادات عزلته وبعده عن القرار. قد يكون تفجيره للفتيل على أبواب المؤتمر السادس لفتح، تعبيراً عن قلق مشروع، لكن عملياً ضربت الشظايا مواقع أخرى بعيداً عن الهدف الذي أراد تحقيقه، وعما اذا كان أبو اللطف يريد دعم التيار المناهض لأبو مازن ورئيس وزرائه سلام فياض، فإنه عكس ما أراد، إذ أضاف الأثقال على كاهل تيار التغيير.
ليس خافياً أبداً، أن معركة حقيقية تدور بشراسة داخل حركة فتح، وهي معركة عنوانها الصراع على السلطة، أما فعلياً فإنها حول خطر ونهج حركة فتح السياسي والتنظيمي.
على ضوء نتيجة ذلك تتوقف مسائل التعامل مع إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية بكل ما يتعلق بالمفاوضات وتقرير المصير. علماً أن ذلك يجري وسط الصراعات العربية العربية، مما يزيد من مصاعب صياغة الحلول وبالتالي الخروج من وسط حزام النار القائم حول الشعب الفلسطيني أولاً وأخيراً.
واستناداً الى مصادر فلسطينية مطلعة، فإن الاستعدادات لعقد المؤتمر السادس للحركة، الذي شهد منذ بداية طرح انعقاده خلافات حادة حول مكانه وعدد أعضائه فتحت الأبواب لمناقشات ومداولات وخلافات حادة جداً. فالمكان المطروح تنقل بين القاهرة وعمان ورام الله في الداخل. كل عاصمة أخذت أبعاداً معينة من الإشكالات والأسئلة، لأن كل واحدة تختصر توجهاً معيناً من شكل الانعقاد الى الخلافات الختامية. وقد لوحظ أن الرئيس الفلسطيني وحليفه محمد دخلان أصرا منذ البداية أن تكون رام الله مكاناً للانعقاد. علماً أن ذلك وإن كان لأول مرة أرضاً فلسطينية خاضعة للسلطة الفلسطينية، فإن استمرار سكين الاحتلال حاضراً بطرح إشكاليات كثيرة ومنها ضمان الأمن للمشاركين الى جانب الحصول على الموافقة الإسرائيلية، ثم الى جانب ذلك حل مشكلة موافقة حركة حماس على السماح للأعضاء المشاركين من غزة وعددهم يتجاوز الخمسمئة، بمغادرة غزة وضمان عودتهم اليها.
الألغام الداخلية والخارجية.
المشكلة الاخرى وهي مهمة جداً تتعلق بعدد الأعضاء تبعاً لطبيعة تمثيلهم ومواقعهم، مما يعني التحكم بمسار تكوين الاتجاهات والتوجهات، وبالتالي على النتيجة النهائية لتشكيل المؤسسات والهيئات التابعة منه. وطبقاً لذلك، فإن المؤتمر لا معنى له بدون مشاركة الأعضاء الغزّاويين، الذين استعاد أغلبيتهم صلابتهم وايمانهم وانخراطهم بخط فتح الصاعد من الينابيع الاولى لها بعد أن عرفوا من جديد العمل في ظل الحصار والملاحقة وحتى القتل والعطب خلال السنوات الأخيرة التي أعقبت سيطرة حماس على غزة من جهة، ومن جهة أخرى بعد أن خاضوا معارك مواجهة حقيقية مع الجيش الإسرائيلي في حربه ضد غزة والتي سقط فيها العشرات من شهداء الحركة بعضهم خاض معارك مواجهة حقيقية في داخل الشوارع الضيقة في القطاع.
لكن اقسى ما يواجه المؤتمر السادس لحركة فتح اذا انعقد في الرابع من آب، الانقسام الحاصل حول قضايا اساسية بين تيارين، احدهما بزعامة الرئيس محمود عباس وحليفه محمد دحلان والآخر لم تعلن بعد قياداته المهمة، وان كانت بعض الوجوه معروفة. ويرى التيار الثاني او ما يطلق عليه تيار التغيير ان الصراع منذ العودة الى الداخل يدور حول:
المفاوضات مع الاسرائيليين، هل هي مفاوضات من اجل المفاوضات ام من اجل العثور على حل.
ان المفاوضات يجب الا تبقى مفتوحة الى الابد بدون وضع مهل وآجال مما يعني ايضا وضع خطوط حمر وسقفا محددا للتنازلات، وان تكون فترة من الوقت محددة نهايتها بما يجب التوصل اليه من قضايا ونقاط.
انه لا يجب حاليا التخلي بالكامل عن حق المقاومة بالسلاح لان مثل هذا التنازل يعني فورا التسليم بالشروط الاسرائيلية وهذه هي القاعدة الاولى لموازين القوى المختلة.
اسقاط الفردية والتفرد التي حكمت مجمل عمل السلطة الوطنية الفلسطينية. واذا كانت شخصية الرئيس الشهيد ياسر عرفات قد فرضت، بسبب شرعيتها التاريخية والثورية، نهجاً معيناً في القيادة، فان ذلك لا يجب ان يشكل نهجا للقيادات اللاحقة، خصوصا اذا كان الهدف بناء دولة. ذلك ان شروط قيادة الثورة مختلفة جدا عن قيادة دولة ذات مؤسسات متكاملة ومستقلة.
ان العلاقة مع حركة حماس يجب ان تحسم بالتوجه نحو التفاهم والتعاون على قاعدة ان حماس شريكة وليست بديلا عن فتح وغيرها من القوى الفلسطينية.
اخيراً، وهو ما يعني لبنان، خصوصا وان الحدث الفلسطيني هو حدث لبناني بالكامل. فإن التوجه هو المحافظة على وحدة الشعب الفلسطيني داخل المخيمات بحيث لا تنعكس على المخيمات اي تجاذبات او حتى انقسامات اذا ما وقعت في الداخل الفلسطيني. وان عملية الصيانة هذه خارجة ايضا عن معادلة ان صيانة السلم الاهلي اللبناني جزء من صيانة السلم الاهلي الفلسطيني. ومن اجل ذلك فإن المحافظة على السلاح الفلسطيني داخل المخيمات جزء من عملية المحافظة على روح العودة وعدم التدجين والتوطين لدى فلسطينيي المخيمات. اما السلاح الموجود خارج المخيمات تحت شعار سلاح فلسطيني، فإنه لا يعني مطلقا الشعب الفلسطيني في المخيمات. انه سلاح موظف لاغراض واهداف اخرى عربية واقليمية، للبنان حق القرار والتصرف به انطلاقا من حقه الكامل بالسيادة على كامل ارضه.
امام انعقاد المؤتمر السادس لحركة فتح الغام داخلية وخارجية يجب ازالتها. لكن من مصلحة الجميع خصوصا الشعب الفلسطيني انعقاد المؤتمر، حتى تستعيد حركة فتح حضورها وقرارها داخل البيت الفلسطيني والذي سينعكس بلا شك ايجابا على الخارج وتحديدا لبنان، لأن خطر التطرف، خطر مشترك ضد الفلسطينيين واللبنانيين معاً، ومواجهته معاً هو الحل الذي يضع مستقبل السلام الاهلي المشترك.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.