8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

واشنطن تنوي إعطاء دمشق على حساب طهران لضرب جسور الثقة بينهما والعراق مركز المفاوضات

برنار كوشنير وزير خارجية فرنسا، مثل قارئة الفنجان، قراءته للطالع يجب ألا تخيب، لذلك تتضمن كل الاحتمالات والإمكانات. في النهاية عندما يحدث ما يجب أن يحدث، باستطاعته أن يقول مبتهجاً للذين حضروا قراءته: ألم أقل لكم ذلك؟.
آخر قراءات كوشنير بصفته وزيراً لخارجية فرنسا التي يعنيها لبنان كثيراً وتتابع أصغر تفاصيل التفاصيل ليومياته أنه: قد يستغرق تشكيل الحكومة (اللبنانية) أياماً أو أسابيع وربما أشهراً، لا أدري لكنها ستتشكل في لبنان. لا شك أن كوشنير قارئ الحدث اللبناني مصيب جداً، لكن الأيام والأشهر فترة طويلة جداً، وهي أكثر طولاً في منطقة مثل منطقة الشرق الأوسط حيث كل شيء يغلي وحيث التحولات أكثر من الثوابت، وهي بلا شك أطول بالنسبة للبنان، حيث تختبر كل الاحتمالات والمعادلات.
في الوقائع أن المشكلة ليست في لبنان، ولا هي لبنانية لبنانية، فاللبنانيون على مختلف ألوانهم وأطيافهم يريدون الخلاص وتشكيل الحكومة اليوم قبل الغد. المشكلة حسب مصدر مطلع على المطبخ السوري، تقع في الخارج. ويتابع المصدر على الأقل يجب انتظار معرفة مسار المفاوضات السورية الأميركية، ونهاية تفاهمات الحوار السوري السعودي. أما مسألة الحوار المصري السوري فإنها خارج اللعبة.
المصدر نفسه يؤكد، أنه بعكس ما كان يجري في السابق، فإن المفاوضات والحوارات التي تتم أحياناً بالنار، فإن لبنان ليس ساحتها. ولذلك كله فإن لبنان ممسوك، وكل ما يجري سيبقى تحت سقف الهدوء والاستقرار. ومهما طالت المشكلة في لبنان ولم يتم التوصل إلى تشكيل حكومة تحت بند الشراكة، فالوضع مستقر والصيف هادئ ونعمة السياحة والسياح مستمرة.
وضع لبنان تحت مظلة الهدوء والاستقرار رغم ما تنتجه مفاوضات دقيقة وحساسة وصعبة بين دمشق وواشنطن، ليس نتيجة لتعلق بلبنان، وإنما لأن مركز كل المفاوضات انتقل إلى العراق. واشنطن تريد تحصيل أكثر ما يمكنها من الضمانات للوضع العراقي، ليس حاضراً فقط، الأهم المستقبل. دمشق تؤكد لواشنطن أنها قادرة جداً على المساهمة في فرز هذه الضمانات والمساهمة في صياغتها. واشنطن تدرس كل ذلك، خصوصاً أن العرض السوري يستكمل بجملة مطالب واستحقاقات.
أخطر ما في كل هذه المفاوضات أن بحثاً جدياً يجري لاستبدال الديموقراطية العراقية الوليدة التي لم تحقق أي نسبة من الاستقرار ولا صلابة في قيام الدولة، يجري لتوكيل السلطة إلى الجيش عبر جنرال جاهز أو مجموعة من الضباط، وأن الجيش العراقي أصبح مستعداً لاستعادة دوره القديم خصوصاً وأن العراق لا يُحكم إلا من نظام مركزي من بغداد. الخطورة في هكذا تفكير وحتى هكذا عرض، هو موقع الأكراد منه الذين يجرون حالياً انتخاباتهم الرئاسية. دمشق يبدو من خلال عروضها متفائلة لأنها تعرف جيداً خريطة الجيش العراقي وتركيبته خصوصاً كل ما يتعلق بقوة بقايا حزب البعث فيه، السؤال يبقى: هل تخاطر واشنطن التي غزت العراق لدمقرطته بهكذا انقلاب على نفسها أولاً وما يتضمنه من خطر حرب أهلية جديدة؟
المغري لواشنطن في هذا العرض، أنه يُحدث شرخاً في العلاقات الإيرانية ـ السورية، لأنه كلما أخذت دمشق في العراق فإنه سيكون على حساب إيران ـ ولا شك أن طهران لن تكون مرحبة بمثل هكذا تحول. والأصعب بالنسبة لطهران، أن هذه المفاوضات السورية ـ الأميركية تجري في وقت توقف فيه قطار الحوار الأميركي الإيراني في محطة الوضع الإيراني الداخلي المربك.
انفلات جنون التطرف الإسرائيلي
لا شك أن أي مفاوضات سورية ـ أميركية، من جهة، وحوار وتفاهمات سعودية ـ سورية من جهة أخرى (إن كان بصورة أقل) بعيداً عنها وقبل أن تدخل هي في مرحلة تفاوض حقيقية، يزعج طهران كثيراً، لأن أي تطبيع أميركي ـ سوري، وأي تفاهم سوري ـ سعودي يضعف موقفها. فرق كبير أن تجلس طهران على طاولة المفاوضات مع واشنطن وهي تستند الى تحالفها الوثيق مع دمشق، أو أن تجلس والأميركي نجح في ضمان وضع خاص له مع دمشق بدايته التطبيع.
ما يعزز كل ذلك، أن دمشق ـ استناداً الى المصدر نفسه ـ تعلم أن نقاشاً عميقاً دار في واشنطن حول طريقة وجدوى الحوار والتفاوض مع دمشق، قد توصل الى نتيجة مغايرة لكل ما سبق، هذا النقاش الذي دار خلص ـ وبموقف ايجابي من الجنرال جونز رئيس مجلس الأمن القومي، الى عقم مطالبة دمشق بالانفصال أو الطلاق مع طهران، ومن ثم التضحية بـحزب الله وحركة حماس اللذين مهما كانت ارتباطاتهما مع طهران، فإنهما يبقيان بشكل أو آخر سنداً لها في لبنان وفلسطين. ولذلك يجب استبدال هذا الطلب أو هذه الاستراتيجية بأخرى في صلبها:
اعط لدمشق حيث طهران موجودة ولها مصالح حيوية. كلما أخذت دمشق، ارتفع منسوب الحساسية بينها وبين طهران، أيضاً سيخلق هذا نوعاً من المنافسة فالمزاحمة فانهيار جسور الثقة تدريجياً بينهما. فإن لم يقع الطلاق، على الأقل فإن كل طرف سيتحصن بمكاسبه وسيعمل على زيادتها على حساب شريكه السابق، فتقع معرفة نقطة اخيل في هذه العلاقات المعقدة ويسهل في لحظة معينة توجيه السهم القاتل الى الهدف.
حزب الله في كل هذه اللعبة واقع بين حجري الرحى. وهو يشعر بالخطر، لأنه أحد التفاصيل الأساسية في لعبة المفاوضات، الى جانب ذلك، فإنه واقع حالياً أمام خطر يعتبر جدياً جداً، انفلات جنون التطرف الإسرائيلي ضده يشكل خطوته الواسعة والكبيرة لعملية هروبه الى الأمام، عبر افتعال مواجهة معه في الجنوب اللبناني. ما يعزز ذلك أن إمكانيات شن حرب ضد إيران تتضاءل يوماً بعد يوم. إسرائيل أصبحت واعية لكل ذلك، ليس عبر التحذيرات الأميركية المباشرة فقط وإنما أيضاً من خلال ما قالته هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأميركية من أن بلادها مستعدة لنشر مظلة نووية لحلفائها إذا ما حصلت طهران على قنبلتها النووية، المسألة لم تعد في المنع وإنما في الردع.
اندفاع حزب الله في تثبيت وحدة لبنان، تحميه مئة في المئة، حتى ولو كانت المشكلة في الخارج. الحزب ومعه كل المعارضة التي يتزعمها قادر على تحريك المياه الراكدة، ووضع الخارج أمام فعل الداخل. ولا يمكن لهذا الخارج أن يسقط مفاعيل تحولات الداخل من حساباته.
ماذا ينفع حزب الله ومعه المعارضة إذا ربح وزيراً، وبقي لبنان في مهب التحولات الاقليمية ونتائج المفاوضات بين القوى سواء كانت عربية أو اقليمية أو دولية؟.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00