تركيا لن تسمح لأحد بأن يسرق أو يصادر منها دورها في حل النزاع السوري ـ الاسرائيلي، أولاً لانها نجحت في دور الوسيط ولولا حرب غزة التي شنتها اسرائيل، لكانت الجلسة الخامسة غير المباشرة في انقرة بين الطرفين السوري والاسرائيلي قد توصلت الى انطلاق مسار المفاوضات المباشرة، وثانياً، لأن تركيا لن تسمح لباريس تحديداً القفز فوق منها، تمهيدا لاستبعادها، ويكفي ان باريس ترفض انضمامها الى الاتحاد الأوروبي، فحالت بينها وبين تحقيق هذا الحلم الذي يؤكد طرحاً تاريخياً يتعلق بأوروبيتها بعيدا عن الشرف وذكريات التاريخ العثماني، وثالثاً لأن انقرة تصنع لنفسها بهذا الدور موقعاً لها في المشرق يعوضها عن خسارتها المتعلقة بأوروبيتها، الى جانب انها قادرة على استثمار هذا الدور اقليمياً ودولياً.
اردوغان يعمل للغير
طيب رجب أردوغان رئيس الوزراء التركي ليس بحاجة للتشجيع خصوصاً وانه يلقى الكثير من الترحيب لزيارة سوريا خصوصاً حلب منها، ولقاء الرئيس بشار الاسد لنسج المزيد من العلاقات الشخصية والسياسية استعداداً للمرحلة القادمة الى جانب حل القضايا المشتركة وتعزيز العلاقات الثنائية. الاسد واردوغان يعملان اذن وكأن قطار المفاوضات لم يتوقف في المحطة الاسرائيلية المعروفة باسم اقصى التطرف.
الدكتور الفرنسي برنار كوشنير يضع احياناً كثيرة يده على بيت الداء لكنه اما يستنكف عن وصف الدواء اللازم او يتغاضى عنه لمعرفته الكاملة حول استحالة الحصول عليه، لأن تركيبته غامضة جداً، من ذلك كلامه حول المفاوضات بين اسرائيل وسوريا، فيقول: اعلم ان اسرائيل لا تريد المفاوضات مع دمشق خصوصاً الحكومة الاسرائيلية الموسعة الحالية، كما ان سوريا لا تبدو مستعجلة للعودة اليها، بهذا يضع الدكتور خطاً أحمر امام الجهود التركية من جهة ويبرر ايضاً من جهة اخرى شلل الدبلوماسية الفرنسية رغم كل العلاقات الشخصية للرئيس ساركوزي المستخدمة مع الرئيس بشار الاسد من جهة والقديمة والحارة مع رئيس وزراء اسرائيل بنيامين نتنياهو.
بالعكس واشنطن تتحرك بكثافة، قد يكون تحركاً في الوقت الضائع، لكنها تعمل من خلال عمليات استطلاع حقيقية وعميقة ودؤوبة على استثمار هذه الفترة لصياغة نوع من خريطة طريق للمرحلة التي يصبح فيها الوقت وقتاً لطرح مبادرات جديدة وقابلة للنقاش والتفاوض.
جورج ميتشل المبعوث الاميركي الخاص بالشرق الأوسط في دمشق وهو سيلتقي الرئيس بشار الاسد وباقي كبار المسؤولين. فريدريك مستشار ميتشل موجود منذ ايام في دمشق، وهو ليس في عطلة أو زيارة سياحية ليزور خلالها الجامع الأموي وحلب وآثار تدمر. الجولة العلنية الوحيدة التي كانت علنية واعلامية، مشاركته في حفلة وداع للسفير التركي في دمشق التي يغادرها. عملية السلام في قلب المحادثات التي سيجريها ميتشل والتي حضورها حكما ًهدف له.
هوف وصياغة الحل
فريدريك هوف ليس مستشاراً عادياً للرئيس، لدى هوف نوع من القراءة والرؤية لحل النزاع السوري ـ الاسرائيلي، وهو عرضها علناً بعد ان عمل عليها لسنوات، لهوف كتابات مفصلة منذ العام 1999 حول النزاع السوري ـ الاسرائيلي خصوصاً بكل ما يتعلق بخط حدود الخامس من حزيران للعام 1967، المتعلق تحديداً بالجولان الذي تطالب سوريا بعودته لإقامة السلام على اساس القاعدة المعروفة الارض مقابل السلام والتجربة السابقة بين مصر واسرائيل، من بين هذه الدراسات واحدة نشرها معهد السلام الاميركي بعنوان خارطة السلام بين سوريا واسرائيل.
في هذه الدراسة كتب فريدريك هوف، ان المباحثات غير المباشرة التي شهدها العام 2007 بين دمشق وتل ابيب ليست الاولى، فقد سبقها لقاء آخر عام 2000 في ولاية وست فرجينيا التي انتهت الى الفشل لأنه لم يكن لدى ايهود باراك رئيس الوزراء آنذاك القدر المطلوب من الدعم السياسي للانسحاب من الاراضي السورية المحتلة وفقاً للطلب السوري، كما ان وليد المعلم وزير الخارجية الحالي كان قد كشف انه في العام 1993 عقدت مباحثات سورية ـ اسرائيلية بتيسير من الولايات المتحدة الأميركية.
يشدد هوف أيضاً أن مطالب دمشق من تل أبيب تثير للأخيرة مشكلات أهمها:
أولاً: أن وضع حدود على بحر الجليل والساحل، والضفة الشرقية لنهر الأردن من بحيرة طبرية الى بحيرة الحولة ونهر اليرموك من منطقة حماة جادر قد يعرض وجود إسرائيل للخطر بسبب نقص المياه والموارد الحيوية، بعد عودة هذه المناطق للسيطرة السورية، لا سيما مع ازدياد الطلب على هذه الموارد في سوريا، ومعاهدات نقل المياه الى الأردن.
ثانياً: إن جزءًاً من الأراضي الفلسطينية التي حصلت عليها إسرائيل عام 1947، سيعود لسوريا وفق تقسيم الأمم المتحدة.
ثالثاً: إن تخلي المستوطنين الإسرائيليين عن أراضي مرتفعات الجولان وبحيرة طبرية سيكون صعباً، حيث تشير استطلاعات الرأي الى أن 70% من المستوطنين الإسرائيليين لا يوافقون على التخلي عن الجولان وطبرية، وحرمان إسرائيل من موقع ترفيهي مهم ومصدر للمياه.
المخاوف الإسرائيلية كما تشير الدراسة الى أنه لم تنجح حتى الآن أي حلول وسط في التقريب بين الطرفين، وفي ظل إصرار سوريا على عودة إسرائيل الى حدود ما قبل الخامس من حزيران 67، ورفض إسرائيل لهذا الطلب، فعلى الرغم من المؤشرات الجيدة التي حملتها محادثات مارس 2000 بين سوريا وإسرائيل برعاية الرئيس الأميركي بيل كلينتون، فإنها قد انتهت برفض ما طرحه رئيس الوزراء إيهود باراك من حل من شأنه أن يعيد حدوداً نحو 500 متر شرق بحيرة طبرية الى السيادة السورية، كما انعدم الأمل في نجاح هذه المباحثات عقب وفاة الرئيس الأسد.
وفي دراسة أخرى بعنوان معاهدة السلام صادرة عن المجموعة الدولية للأزمات، يرى هوف أن إسرائيل تبدي مخاوف أمنية على أمنها ووجودها لذلك تقترح إسرائيل نزع سلاح المناطق الحدودية وأن توجد تحت رقابة قيادة أميركية. ومن أجل الوصول الى حل مرض للجميع فإنه يقترح نوعاً من تحويل الجولان وما حوله الى حديقة سلام. وأن ذلك ممكن من خلال صيغة سلام تحقق خمسة أهداف كما هي منشورة في Tagnir:
[ تحقيق الرغبة السورية في عودة الأرض من خلال انسحاب إسرائيل الى حدود ما قبل يونيو 1967.
[ الحفاظ على الموارد المائية الحيوية للاقتصاد الإسرائيلي، ويضمن لسوريا ما تحتاج اليه من مياه.
[ إتاحة الفرصة للإسرائيليين للوصول اليسير والآمن لبحر الجليل، وربما أعلى مرتفعات الجولان.
[ توفير بيئة تفاعلية بين السوريين والإسرائيليين وإن بشكل غير رسمي.
[ إعطاء الطرفين الفرصة في مرحلة ما بعد توقيع المعاهدة لتنفيذ ما تم الاتفاق عليه من حيث المضمون، كتمهيد لمرحلة أرحب يتم تنفيذ التزاماتهما المتبادلة مع مرور الوقت.
الرئيس باراك أوباما يريد أن ينجز ولو خطوة في مسيرة الألف ميل في منطقة الشرق الأوسط ومن بابها العريض النزاع العربي ـ الإسرائيلي، سواء بكل مساراته أو المسار السوري ـ الإسرائيلي على الأقل. رهان أوباما أن يقدم للأميركيين شيئاً من النجاح في نهاية عامه الأول في البيت الأبيض، في ظل أزمة مالية دولية غير مسبوقة، وحرب في أفغانستان مؤهلة للتحوّل الى فيتنام القرن الواحد والعشرين وعراق لا احتلاله ولا الانسحاب منه يؤدي الى الاستقرار والأمن.
نجاح أوباما مطلوب من معظم شعوب المنطقة. لكن هذا النجاح يبدو صعباً جداً، المستشار الرئاسي دينيس روس وأبرز الخبراء الأميركيين بالمنطقة، خصوصاً ما يتعلق بالمسار السوري ـ الإسرائيلي يقول: لا شيء أكثر ضرورة في فن إدارة الدولة من التلاؤم بين الأهداف والوسائل؟
السؤال: هل لدى واشنطن الوسائل الكفيلة بتحقيق أهدافها في حل النزاع العربي ـ الإسرائيلي؟.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.