24 أيلول، لن يكون يوم إعلان الحرب العالمية ضد الجمهورية الاسلامية في ايران. لن تشهد سماء الشرق الأوسط الطائرات الأميركية ولا الاسرائيلية وهي في طريقها لقصف المراكز النووية والعسكرية. 24 أيلول سيكون موعداً آخر مع التاريخ، جواب الحكومة الايرانية، سيحدد مساراً دولياً وتحديداً أميركياً ـ أوروبياً جديداً معها. الرفض يعني شن حرب أخرى هي الحرب الاقتصادية. منذ أن أعلن الرئيس باراك أوباما 24 ايلول موعداً أخيراً للحصول على الجواب الايراني من عرضه للمفاوضات، ولجان الخبراء في عواصم عديدة تدرس طبيعة العقوبات ونوعيتها التي يجب فرضها على ايران وانعكاساتها على الشعب الايراني، خصوصاً في ظل الأزمة السياسية غير المسبوقة التي تعيشها منذ 13 حزيران يوم حصول الانتفاضة الخضراء.
عقوبات من دون قرار دولي
الحلقة الأصعب في هذه الحرب الاقتصادية، هي كيف يمكن فرض العقوبات دون أن يستثمرها النظام الحالي في اعادة الوحدة الى الموقف الشعبي ودفعه للالتفاف حوله بما عرف عن الايرانيين من تشدد قومي؟.
الصعوبات كثيرة جداً. ما يعزز ذلك ان نوعية العقوبات المطروحة ستصيب شرائح واسعة من الشعب الايراني. برنار كوشنير وزير الخارجية الفرنسي الذي لا ينسى لعب دور الطبيب بلا حدود، قدم اعتذاره مسبقاً الى الشعب الايراني لما ستسببه هذه العقوبات من الآلام له. من الواضح ان الأمور ستعود الى سابقة العراق عندما فرضت عليه عقوبات دولية في مجلس الأمن، وسقط خلالها عشرات الآلاف من الضحايا خصوصاً من الأطفال العراقيين، سواء بسبب نقص الأدوية أو المعدات الطبية أو بسبب الحصار الجوي الذي فرض على جميع العراقيين وليس رجال السلطة.
الولايات المتحدة الأميركية، تقاطع ايران وتحاصرها ولا داعي لانضمامها الى الاتحاد الأوروبي، لكنها تستطيع من خلال علاقاتها توسيع دوائر الدول المنضمة الى الحصار. ولا شك انها قادرة على النجاح في آسيا. المشكلة لم تعد كبيرة ومعقدة مع الصين، وبطبيعة الحال مع الهند واليابان وكوريا الجنوبية. لكن تبقى مشكلة لن تحل وهي ان قرارات المقاطعة لن تكون اجبارية وانما اختيارية، لأنها لن تصدر عن مجلس الأمن، مهما سايرت الصين وروسيا الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي، فإنهما لن تنضما الى اصدار قرار دولي وقد تستخدما حق الفيتو في لحظة معينة.
الاتحاد الأوروبي، (خصوصاً فرنسا وألمانيا واسبانيا وايطاليا) يريد اطلاق دينامية تدفع ايران الى عدم النوم على حرير العجز عن الحل العسكري، والحصول ولو على تقنية تصنيع السلاح النووي. لأن اكتمال القدرة على ذلك مشابهة تقريباً للحصول على القنبلة. خيط رفيع بين القدرة والتصنيع. من خلال هذه الدينامية تبقى دول الاتحاد على طاولة التفاوض مع ايران، بدل ان تنسحب نهائياً من موقعها التي عملت طوال سنوات على بنائه وتثبيته، امام الولايات المتحدة الأميركية.
الهدف من هذه الدينامية كما تتفق دول الاتحاد وخصوصاً الرباعية منها والولايات المتحدة الأميركية: خلخلة الاقتصاد الايراني بقوة، بحيث ترفع منسوب النقمة الشعبية ضد النظام، فيتعمق الشرخ الذي وقع غداة الانتخابات الرئاسية.
التعامل ع القطعة
من أبرز افرازات ارتفاع النقمة وتعمق الشرخ، حسب مختلف الدراسات حصول توتر في تجمعات عمال النفط، وارتفاع لهجة الاعتراض. فالمعارضة في أوساط البازار الذي ما زال حتى الآن صامتاً، مما يفرض محدودية تحرك المعارضة وانحصارها في أوساط الطبقات والشرائح المتوسطة والمثقفة، ما يعزز فرضية النجاح في تحقيق هذا الهدف. ما تطرحه الحلقات المؤثرة في مراكز القرار الأميركي منها: أن مير حسين موسوي حتى 12 حزيران، مختلف جداً عن ما بعد اعلان النتائج. مثله في ذلك مثل شرائح واسعة من الايرانيين. لقد تخطى ومعه انصاره الكثير من الخطوط الحمر وهم يريدون حالياً ايران مختلفة جداً عن السابق وليس فقط احداث تغيير بهدف الاصلاح فقط.
لكن ما يتعلق بهذه المراكز، استغلال النظام هذه الهجمة واعتبارها تدخلاً خارجياً وتحديداً أميركياً ضد استقلال ايران، الذي يبقى رغم كل شيء خطاً قومياً أحمر. ولذلك لوحظ خلال المظاهرات النجادية الشعبية والرسمية التشديد على شعار كتب بالانكليزية الى جانب الفارسية يؤكد على عدم نجاح الانكليز والأميركيين في تكرار الانقلاب على الثورة كما حصل مع ثورة مصدق.
تأكيداً لذلك، تتفق معظم مراكز القرار النافذة على ان الرئيس باراك أوباما نجح في الفصل بين الرغبة بالتغيير في ايران من الشعب الايراني، وبين رغبة بلاده في تحقيق هذا التغيير. هذا الحذر هو الذي أبعد واشنطن عن التدخل العلني ضد النظام، وهو أيضاً الذي يفرض غداً اذا ما استمر الموقف الايراني السلبي، تشديد العقوبات وتوسيعها.
سؤال آخر تعمل عليه المؤسسات الأوروبية والأميركية معاً، وهو: كيف سيرد النظام الايراني على عقوبات واسعة وحقيقية؟ هل يقف مكتوف اليدين أمام عملية استنزافه واختراقه؟.
من الصعب الاجابة عن ذلك حالياً، لكن من المؤكد ان النظام الايراني، لن يكرر تجربة نظام صدام حسين، ما يساعده على ذلك ان العقوبات لن تكون بقرار دولي واختراقها أسهل بكثير عليه، اذا كان نظام صدام حسين نجح في استمالة دمشق لتتعاون معه لتحقيق مكاسب اقتصادية ومالية ضخمة، فإن ايران قادرة على ذلك بدون مجهودات ضخمة، كما ينتظر منها.
الخطر في كل ذلك ان هذه العقوبات لن تكون السلاح الوحيد. السلاح الأخطر هو ما قاله الرئيس الأميركي أوباما ومعه الفرنسيون انهم لن يتركوا لإيران محاربة الوقت بالوقت. لكل فترة خطها الزمني الأحمر. لكن أيضاً حتى مثل هذا التشديد على الوقت تقابله الأزمة التي تعاني منها ايران، كلما ازدادت مصاعب النظام الداخلية في حلها تأخر القرار النهائي، مما قد يدفع الغرب الى تأخير إصدار قراره النهائي. لذا متابعة ما سيفعله النظام الايراني بكل مؤسساته وقواه المتصارعة للحسم في خلال أقل من ثمانية أسابيع ضرورية.
في هذه الأثناء، واشنطن أصبحت تعرف كيف تتعامل مع دمشق ع القطعة كما هو متعارف عليه بلغة تجار التجزئة. لذلك في الوقت الذي يجري فيه الحديث عن التوجه لتشديد العقوبات على ايران، يتم فيه الحديث عن رفع العقوبات عن دمشق تدريجياً والتي كانت فد فرضت عليها في 11 أيار من العام 2004 وجرى تمديدها في عامين 2006 و2007. وقد أكد ذلك الموفد الأميركي الخاص الى الشرق الأوسط جورج ميتشل الذي أبلغ الرئيس الأسد ان الولايات المتحدة الأميركية ستقوم بمعالجة كافة طلبات تراخيص التصدير بالسرعة الممكنة.
ماذا ستفعل دمشق الطامحة الى رفع نهائي للعقوبات عنها، لمساعدة شريكتها ايران التي ستقع تحت وطأة تشديد العقوبات؟ وكيف ستتعامل طهران مع دمشق التي ستعلن عن عجزها في مواجهة مثل هذا القرار خصوصاً وان لا حدود مشتركة لها مع ايران لنجاح عمليات التهريب كما حصل مع العراق نفسه؟.
خلخلة جسور الثقة بين طهران ودمشق، جزء أساسي من السياسة الأميركية، العجز السوري لن يكون مرحباً به في طهران خصوصاً وان رفع واشنطن العقوبات تدريجياً أو بسرعة عن دمشق يترجم رضاءً على موقفها!.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.