لبنان مدعو عاجلاً أم آجلاً، للدخول في مسار خاص به، للتفاوض مع اسرائيل للتوصل الى حل سياسي. مسألة أن يكون الطرف الأخير من العرب في التفاوض مع اسرائيل مهمة للبنان وخصوصيته. لكن المشكلة أن البازار يبدو وكأنه قد فتح مباشرة أو مواربة. الأفضل منذ الآن الاستعداد لمواجهة هذا الاستحقاق المصيري، قبل أن يجد لبنان نفسه في مواجهته من دون استعداد. أبرز سلاح في مواجهة لبنان لدفعه للانضمام، الاعتماد الدولي والاقليمي والاسرائيلي، على المسار السوري ـ الاسرائيلي المفتوح ـ المتوقف. تقرير الاستخبارات الاسرائيلية يؤكد أن التقدم في المفاوضات مع سوريا، ينعكس ايجاباً على صعيد التقدم نحو اتفاق مع لبنان مستقبلاً.
من الأفضل للبنان التعامل بواقعية مع التطورات المدروسة جداً، القادمة حتى لا يرى نفسه وسط معمعة العودة الى وحدة المسارين في مسار واحد أي المسارين السوري واللبناني، ليصبح بذلك جزءاً من التفاوض السوري ـ الاسرائيلي؟ وكما كانت وتريد دمشق أن يحصل. أي عودة الى هذا التوجه يعني تحوله الى طرف يجري التفاوض عليه بدلاً من التفاوض معه.
الاستعداد لهذه المرحلة ضروري جداً أول لبنة في هذا الاستعداد، الخروج من حالة استنفار القوى الداخلية على بعضها البعض والدخول في عملية صياغة البنى التحتية للاستقرار. لم يحصل أبداً أن حصل اجماع دولي على استقرار لبنان وربطه باستقرار المنطقة كما يحصل حالياً. واشنطن وباريس وموسكو وتركيا وغيرها من العواصم أجمعت علناً على هذه القاعدة بانتظار أن نعمل نحن على حياكتها داخلياً.
الملف النووي الايراني، رغم كل أهميته وسخونته، وحتى خطورته، لم يحرف أنظار الرئيس باراك أوباما ولا اهتماماته عن مركز الصراعات والنزاعات في منطقة الشرق الأوسط وهو الصراع العربي ـ الاسرائيلي. طوال الأشهر الستة الماضية من ولايته الرئاسية، يعمل أوباما مع فريق عمل شكله من أفضل الكفاءات وأكثرها خبرة لمنطقة الشرق الأوسط ومحيطها، في استكشاف واستطلاع ميدانياً خريطة هذا الصراع والنزاعات. أبرز أعضاء هذا الفريق: وزير الدفاع روبرت غيتس، ورئيس مجلس الأمن القومي الجنرال جونز، ومبعوثه الى الشرق الأوسط روبرت ميتشل ومستشاره لشؤون الشرق الأوسط دنيس روس. الآن، يبدو أن اوباما انتقل إلى مرحلة اساسية ومهمة وهي وضع خطة عمل تقوم على رؤية واضحة لكيفية حل الصراع العربي ـ الإسرائيلي.
لا يعني ان يكون لأوباما رؤية للحل، أن يتمكن من النجاح ودخول التاريخ لأن لديه الوقت، فأوباما بدأ مع مطلع ولايته الرئاسية التعامل مع هذا الملف الملتهب طوال ثلاث سنوات ونصف إلى جانب امكانية العمل طوال ولايته الثانية إذا ما انتخبه الشعب الأميركي.
جدول زمني وأهداف محددة
الرئيس اوباما أصبح معروفاً ببراغماتيته، وهو يعمل على هذا الوقت الذي يملكه بقوة، لتحويله إلى سيف يمنع استخدامه ضده. لذا فإنه لمنع الأطراف من قتل الوقت بالوقت، فإنه عمل ويعمل على وضع خط أحمر أمام حركته وحركة الآخرين في وقت واحد مع طهران والرئيس أحمدي نجاد الذي اعترف بشرعيته الدستورية، وضع 24 أيلول موعداً نهائياً لتلقي جواباً نهائياً منه لعرضه بالحوار حول سلة الملفات والحوافز. ويبدو الآن انه يريد أن يضع لأطراف الصراع العربي ـ الإسرائيلي تواريخ محددة لكل مرحلة يجب ألا تتجاوزها الأطراف المعنية.
خطة الرئيس باراك اوباما للتعامل مع أطراف الصراع العربي ـ الإسرائيلي وهم: إسرائيل وسوريا والفلسطينيون ولبنان وإن كانت لم تكتمل ولم تعلن رسمياً، إلا أن ما تسرب منها وحولها، خصوصاً من وزير الخارجية الاردني ناصر جودة يؤشر إلى ان عقد مؤتمر دولي على غرار مؤتمر مدريد، ليس وارداً في المستقبل المنظور. لا يريد أوباما أن يدخل الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي ولا الروس على هذا الخط حتى يصبح لكل منهما حصة في عقد مثل هذا المؤتمر في باريس أو موسكو. ما يعمل عليه اوباما، هو تحريك المسارات الثنائية كل واحدة منها على حدة ومن ثم جمعها في مرحلة لاحقة وعندما تنضج الحلول في مسار واحد لتحقيق السلام الشامل.
التحول الكبير الذي يدفع واشنطن نحو دفع مسارات التسوية انها أصبحت مقتنعة بأن اتفاق سلام فلسطيني ـ إسرائيلي هو مصلحة أميركية. عندما تدخل المصلحة القومية الأميركية على الخط الأميركي لا تتقدم عليها أي مصلحة في العالم، هذا أمر مسلم به في واشنطن من كل الأميركيين والقوى السياسية.
أما خطة التحرك الأميركي او ما يسمّى بوضوح أكثر خريطة الطريق الاوبامية لاطلاق التفاوض على المسارات الثلاثة فإنها تقوم على:
[ ان واشنطن لن تفاوض عن الأطراف المعنية في المسارات وإن كانت لترعاها وتتدخل حيث يجب منعاً لتوقفها أو عرقلتها.
[ يتم وضع جدول زمني لكل مسار بحيث لا يكون التفاوض من أجل التفاوض.
[ يتم تحديد الأهداف التي يجب تحقيقها في كل مرحلة من الجدول الزمني المحدد.
أكثر ما يدعو اللبنانيين إلى الحسم في تثبيت الاستقرار، ان واشنطن تستعد لاطلاق المفاوضات خلال أسابيع. ما يؤكد جدّية هذا التوجه ان واشنطن وهي تستعد لمواجهة القرار الإيراني في 24 أيلول، تريد أن يتوازن الحوار مع طهران إذا ما تقرر مع فتح مسارات التفاوض العربي ـ الإسرائيلي، أما إذا أصرّت طهران على التشدد وعدم الحوار مع واشنطن، فإن الأخيرة تريد أيضاً فتح مسارات التفاوض حتى تضيق دائرة التحرك الايراني فلا يتمكن من اللعب على أعصابها ومواقعها.
اللعبة، أصبحت لأول مرة مكشوفة. ولأنها كذلك، لا يمكن اللعب خارج الميدان تحت أي حجة ولو في استكشاف أخطار كامنة.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.