أحمدي نجاد رئيس للجمهورية الاسلامية في ايران، سواء اعترف به الغرب، أم لم يعترف. لا حاجة لأحمدي نجاد لابتسامات ممثلي الغرب الديبلوماسيين وغيرهم. تكفيه ابتسامة الولي الفقيه آية الله علي خامنئي. موافقته على فوزه بالانتخابات جعلت منه رئيساً. نقطة على السطر.
في الواقع ليست الأمور بهذه البساطة، الأزمة في إيران أكثر تعقيداً من ذلك، وهي تزداد تعقيداً يوماً بعد يوم، الى درجة أن الخيارات الممكنة تقلّ يومياً وأن الاحتمالات الخطرة تزداد بدورها يومياً. أي قرار غير مدروس في الوقت الخطأ يضع ايران كلها على خط زلازل سياسي، تكمن فيه أعلى الدرجات المعروفة على مقياس ريختر. ما يؤكد ذلك ان المتشددين في النظام مثل الشيخ أحمد خاتمي خطيب صلاة الجمعة في جامعة طهران يتحدث عن أن ثورة مخملية تكمن في توجهات وتحركات قادة الانتفاضة الخضراء. مجرد الكلام عن ثورة كامنة مهما كانت طبيعتها تعني توجهاً من داخل النظام نحو التعامل بطريقة ثورية.
السيناريو الستاليني
الطريقة الثورية تحتمل إما الحوار من موقع القوة والتطلع نحو صيانة الثورة الأم عبر وحدة قواها وأطرافها، وإما تنفيذ سيناريو ستاليني، ينتج عنه وضع الجميع من قادة وكادرات الاصلاحيين في السجون وملاحقتهم أمام المحاكم.
السيناريو أو الاحتمال الأول، يكون العودة الى الينابيع الخمينية للثورة، أي التوفيق بين ولاية الفقيه وولاية الشعب. هذه المهمة تقع على عاتق الولي الفقيه آية الله علي خامنئي. السؤال هل هو راغب وقادر على القيام بذلك؟.
الامام الخميني، نجح دائماً في التوفيق بين الولايتين. الفرق بين الخميني وخامنئي كبير جداً، من حيث الشخصية والدور. عندما كان الخميني قائداً للثورة، كان الجميع، رفسنجاني وخامنئي والآخرون، يتشكلون ويمارسون تحت عباءته، قوتهم مجتمعين ومنفردين من قوته. حالياً، رغم كل الدور القيادي للمرشد خامنئي والخبرة والقوة اللتين اكتسبهما في ثلاثة عقود، فإن رفسنجاني ما زال يقول له: تذكر الماضي. لقد كنا شركاء. حتى مير حسين موسوي يمكنه ان يقول للمرشد: تذكر لقد كنت رئيساً للوزراء بصلاحيات أكبر من صلاحياتك وأنت رئيساً للجمهورية، وأن الامام الخميني وقف الى جانبي ودعمني في مواجهتك عندما اختلفت معك، ولولا الشيخ هاشمي رفسنجاني الذي كان يهيئ نفسه للرئاسة لبقيت ولم أنسحب الى صحراء السلطة.
السيناريو الثاني والخطير، أن تتم ملاحقة القادة ومنهم رفسنجاني وخاتمي وموسوي وكروبي ومعهم شبكة واسعة من القيادات والكادرات في السجون. عندها تكون دولة الثورة قد انقلبت على نفسها. خطر هذا الانقلاب، ان المتطرفين أو ما يطلق عليهم منذ العام 1999 طالبان إيران قد يضعون يدهم على السلطة، ويحولون كل إيران باتجاه نظام الامارة ولو تحت مسميات مختلفة، أو أن تتم عسكرة النظام خلف عباءة رمزية لولي فقيه تنقصه الشرعية والخبرة ولا يملك إلا الرغبة بالسلطة ولو الإسمية.
الخطر الكبير الكامن في هذا على مثال اللعبة الروسية الباندورا ان ينفذ هذا السيناريو الداخلي في أثناء إطلاق ستارة دخانية من الانفتاح على الخارج وتحديداً واشنطن، فتقع الإدارة الاوبامية بين مطرقة رغبتها بالحوار والتفاوض مع طهران لأسباب سياسية استراتيجية وسندان الصمت عما يجري في الداخل. الاحتجاجات الرسمية العلنيّة تعتبر ضمناً في هذه الحالة صمتاً، فسقوط عملية التغيير من داخل النظام. السؤال هنا هل عدم استقرار إيران إيجابي لواشنطن والمنطقة؟
القوي والضعيف وما بينهما
الولي الفقيه آية الله علي خامنئي، قوي. الرئيس أحمدي نجاد ضعيف. الأول يقرر والثاني ينفّذ. هذه المعادلة كانت موجودة في الولاية الرئاسية الأولى لأحمدي نجاد. كان ضعف نجاد في موقعه، ضمن تراتبية السلطة. هو فهم واستوعب ذلك، فنجح في كسب خامنئي إلى جانبه، فضمن التجديد لنفسه. نجاد يشعر بالقوة. فقد وضع الكثير من رجاله في مواقع القطع والربط، في مؤسسات النظام. خسارته لولاية الشعب أضعفته لأن حاجته لحماية المرشد أصبحت مصيرية. كل ذلك على سطح الحياة السياسية الايرانية. لكن ماذا عن إيران العميقة؟.
المرشد خامنئي، كما تبدو الصورة من طهران يرغب بتشكيل قوة ثالثة، تسحب قوة الطرفين المتواجهين أي المحافظين المتشددين والاصلاحيين. ما يساعده على ذلك ان عملية فرز واصطفاف تجري داخل معسكر المحافظين. في صلب هذه العملية، توجه المحافظين المعتدلين الرافضين أصلاً لنجاد وسياسته نحو التحوّل إلى كتلة وازنة، تنطلق من داخل البرلمان بقيادة رئيسه علي لاريجاني الذي أصبح نجماً صاعداً في فضاء الحياة السياسية الايرانية. ما يعزز صعوده، خلافة شقيقه آية الله لاريجاني، لآية الله شهرودي في رئاسة السلطة القضائية وهو قد انعدمت حظوظه في خلافة خامنئي بسبب أصوله العراقية الواضحة في لكنته العربية عندما يتكلم الفارسية. تزاوج رئاسة مجلس الشورى ورئاسة السلطة القضائية في لاريجاني، كافية لتحوله إلى بيضة القبان وخلافة الشيخ هاشمي رفسنجاني، في ما بعد والإمساك بعصا السلطة من وسطها.
بعد حسم استحقاق الحوار مع الولايات المتحدة الأميركية، والذي يريد المرشد خامنئي إدارته بنفسه وبدون شراكة معه من أحد، فإن استحقاق الانتخابات التشريعية المقبلة بعد 18 شهراً تقريباً، سيكون أساسياً في اعادة تشكيل السلطة. فكفكة المحافظين، بين معتدلين ومتشددين من جهة وفصل الاصلاحيين المعتدلين عن الليبراليين المتشددين، ينتج عنه تشكيل كتلة جديدة تعيد التوازن إلى داخل السلطة.
من الآن وحتى يظهر الخيط الأبيض من الخيط الأسود في إيران، فإن الأزمة ستبقى مفتوحة، وأحمدي نجاد ستزداد عزلته. لبننة هذا الوضع ولو مع بعض التحفظات السياسية والتقنية، تجعل احمدي نجاد رئيساً شبيهاً بالرئيس إميل لحود الذي حاز على قبول ودعم الولي الفقيه للنظام اللبناني السابق أي دمشق، وخسر ولاية الشعب. فوقع لبنان على خط زلازل لم يخرج منه حتى الآن، سواء بسبب الهزات القوية المباشرة أو الهزات الارتدادية. فهل ينجح الولي الفقيه الايراني وهو ابن البلد في منع دفع الأزمة نحو الانقلاب من الداخل على الداخل، أم لا؟.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.