لبنان، ليس فقيراً، ولا الكارثة قدره. ديونه ضخمة جداً بالنسبة لحجمه، لكن من الممكن جداً ايفاءها وليس فقط الاستمرار في تسديد فوائدها. بإمكان لبنان أن يصبح بلداً وقادراً وحتى غنياً، مع جهد اضافي مضمون التنفيذ على قاعدة خطة اقتصادية متوسطة المدى والأهم حصول استقرار سياسي حقيقي طوال سنوات تنفيذ الخطة.
هذا التوصيف، ليس حديث طموحات وآمال للبنانيين يحبون لبنان، انه عرض لخبير اقتصادي دولي عمل سنوات طويلة في أكبر المؤسسات الاقتصادية الدولية، منها عشر سنوات في البنك الدولي.
هذا الخبير يحب لبنان، لكنه لا ينسى فعل الأرقام والوقائع، لذلك كل كلمة يقولها مدعومة بمعرفة كاملة لواقع لبنان السياسي والديموغرافي والاقتصادي والمالي.
اقتصاد يوم بيوم
مشكلة لبنان الاقتصادية الأولى برأي الخبير الاقتصادي الدولي، أنه يعيش: يوم بيوم، لا وجود لخطط اقتصادية قصيرة أو متوسطة الأجل. هذا هو الداء الأول. لذلك لبنان بحاجة الى قراءة حقيقية وواقعية وبعيدة عن المآرب السياسية، وغاياتها، خصوصاً وأن هذه المآرب متداخلة الى العمق في مصالح الطائفية، كل طائفة منها على حدة أو متحالفة.
صغر مساحة لبنان وعدد السكان، عامل ايجابي مهم وليس كما يحاول البعض أن يصوّره علة تضعفه وتساهم في بقائه ضعيفاً في جانبه الاقتصادي. هذه الخصوصية هي التي يمكن أن تسهل معالجة مرضه الاقتصادي، لأنه ليس بحاجة الى أموال ضخمة جداً لا يمكن الحصول عليها أو جمعها.
أيضاً الهجرة التي تفقده افضل عقوله وأقوى سواعده، خصوصاً وأنها تحولت الى صناعة وطنية، إلا أنها تشكل للبنان ولاقتصاده، قوة دعم من الصعب جداً تجاهل تقدير حجمها وأثرها.
أموال المهاجرين الى عائلاتهم جعلت اللبنانيين يصمدون أمام الكوارث، لكن في أي خطة مستقبلية، يجب أن يكون لهؤلاء المهاجرين ومنهم اعداد كبيرة تتجاوز ثراوتهم الملايين وحتى المليارات من الدولارات دور مهم في اعادة بناء الاقتصاد اللبناني. دخول هذه الشريحة في عمليات استثمار مبرمجة تتضمن لهم الأرباح ولو المحدودة جداً في البداية تشكل عاملاً مهماً جداً يجب العمل عليه. اعادة الثقة اليهم بقدرة لبنان على النجاح، مطلوب بإلحاح، علماً أن الخطوة الأولى لتحقيق ذلك وان كانت الاستقرار، فإن الخطوة الثانية هي في ضرب الفساد والاهمال. وهذا يتطلب بلا شك اعادة تقييم وتقويم مستقبلي لسلم الرتب والرواتب في الوظيفة العامة، لأن الحاجة تفرض في ظروف كثيرة الفساد.
الموظف مواطن عادي. اصلاح وضعه يصلح وضع الادارة، لتحقيق اداء أفضل ومردود أعلى. أيضاً المواطن العادي، الذي لا يثق بالدولة، يجب اعادة الثقة له عبر اثبات قدرة هذه الدولة بجميع مؤسساتها ودوائرها على تقديم ما يطالب به من خدمات يومية بسيطة مثل الكهرباء والماء النظيفة والطرقات الصالحة.
يتساءل هذا الخبير، هل يعقل أن أزمة الكهرباء التي مضى عليها أكثر من عقد من الزمن لم يتم حلها، علماً انها تستنزف المواطن في كل شيء، في صحته وماله ومستقبله، هذا دون الحديث عن تحولها الى سكين في ظهر قطاع السياحة، وهو أبرز قطاع اقتصادي واستثماري للبنان. يمكن الكلام عن الأمراض الناتجة عن انقطاع الكهرباء على صحة المواطنين أياماً. القادرون على استخدام موتورات خاصة، يقتلهم ضجيجها يومياً. وغير القادرين، يستخدمون الشموع والوسائل البدائية الأخرى، تصيب أطفالهم بضعف البصر وكآبة الظلام.
الكهرباء: ظلام يضرب السياحة والصحة
يقول الخبير نفسه حل هذا المرض الخطير ليس صعباً. ليضع الخبراء خطة متكاملة لإصلاح قطاع الكهرباء زائداً التكاليف الحقيقية والواقعية والأهم تحديد التنفيذ. بعدها يمكن مصارحة المواطن اللبناني بصراحة وشفافية ودقة. بعد استقدام قروض واستثمارات خارجية، يطلب من هذا المواطن أن يتحمل ضريبة محدودة جداً. على مثال ضريبة الزلزال الذي ضرب لبنان في الستينات ـ وسيرى الجميع أن المواطن اللبناني سيقبل هذه الاضافة المضافة على كاهله.
اقتناع اللبناني أن هذه الضريبة ستخرجه من الظلام اليومي وتساهم في تنمية قطاع السياحة الغني بإمكاناته، سيدفعه الى مواجهة التحدي المفروض عليه.
يبقى ما هي الوصفة السحرية التي يقدمها الخبير للنهوض باقتصاد البلد الى درجة رفع نسبة التنمية عدة نقاط دفعة واحدة وايفاء الديون في وقت واحد؟.
يرد الخبير الدولي، ليس مطلوباً خلق قطاعات ليست موجودة. الكلام عن خلق قطاعات صناعية ضخمة غير حقيقي ولا هو واقعي يمكن الاكتفاء بما هو موجود وتطويره، من ذلك:
*اعادة بناء قطاع السياحة على أسس علمية ومدروسة. نشاط اللبنانيين في هذا القطاع يشكل معجزة لأنه نشاط فردي، المطلوب صناعة سياحة تتناسب مع طبيعة لبنان وطبيعة السائحين. مراقبة السياحة في قبرص ضرورية. كيف نجحت قبرص التي لا تملك عشرة بالمئة من امكانات لبنان بأن يأتي أكثر من ضعف السائحين الى لبنان؟ ايضاً كيف نجحت تونس في تنمية قطاعها السياحي في سنوات قليلة فأصبح عدد السياح بالملايين. كل سائح يطلب خدمة تتناسب مع امكاناته. ليس بقدرة السائح الأوروبي الذي يرغب بزيارة لبنان لمشاهدة آثاره وطبيعته أن ينزل في فنادق خمس نجوم حتى ولو كانت أرخص بكثير مما عنده. على لبنان وضمن خطة مسبقة بناء قطاعات معينة تجلب مجموعات من السياح حسب الفصول والامكانات.
*الالتفات جدياً الى قطاع المياه. من غرائب الاقتصاد اللبناني كما يقول الخبير الدولي ان اللبناني، يعطش ويشتري مياه الشفة سواء كان في الهرمل على ضفاف نهر العاصي أو في الجنوب على ضفاف الليطاني والوزاني وغيرهما. الكارثة الكبرى ايضاً أن مياهه تضيع في البحر. يجب اعادة استثمار هذا القطاع علماً أن كلفته ليست ضخمة، لأن مساحة لبنان صغيرة جداً قياساً الى باقي الدول.
الاهتمام بقطاع المياه يعني حكماً الالتفات بجدية الى الزراعة. ليس صحيحاً أن لبنان غير قادر على بناء قطاع الزراعة بحيث يعيش الملاك والمزارع في بحبوحة. المطلوب أيضاً كما يقول الخبير نفسه اعادة برمجة الزراعة. العالم اليوم لا يزرع ليصدر ما يريده المزارع الى السوق، وانما يزرع تبعاً الى ما يحتاجه السوق. لبنان الذي لديه أفضل أنواع الفواكه وأطيبها مذاقاً، قادر على تصدير الكثير من انتاجه المنظم الى العالم.
*القطاع الأهم وهو وإن كان ليس موجوداً على الأرض لأنه تحت الأرض هو النفط والغاز. الخبير الاقتصادي يجزم بوجود الغاز والنفط في مياهه الاقليمية وفي شمال البقاع. طبعاً هذا القطاع يلزمه قرار سياسي حساس خصوصاً وأن لدمشق وتل أبيب يداً في ذلك بسبب عامل الجغرافيا.
ينهي الخبير الدولي مداخلته بقوله: أعطيني خطة واضحة تعتمد على ما يملكه لبنان، وليس على ما يجب أن يستقدمه وأضمن لك إيفاء الديون الخارجية والداخلية في مدة لا تتجاوز الثماني سنوات.
يبقى أن يتحول اللبناني الى مواطن يؤمن بدولته لا بطائفته، ولا يكتفي بحدود حيّه أو قريته مساحة كافية لمواطنيته، والأهم تثبيت الاستقرار السياسي، وعدم تحويل الحرب الى خطر يومي ووجودي على وقع مفاعيل التقلبات السياسية، حتى ولو كان هذا الخطر قائماً ما بقيت اسرائيل.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.