8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

المفاوضات الأميركية ـ السورية أمنية وعسكرية هدفها تعزيز الأمن الاقليمي بدءاً من بغداد

لبنان لم يعد المركز في سياسات الولايات المتحدة الأميركية ولا حتى فرنسا وباقي دول الاتحاد الأوروبي. العراق هو المركز. في هذا التحول، ايجابية وسلبية في وقت واحد. الايجابية إن إبعاد لبنان عن المركز، يعني نوعاً من الاطمئنان على وضعه، وتحوّل العراق الى المركز يعني ان الأحداث والتطورات تصنع حوله وفيه. السلبية، ان التحول عن لبنان يضعه في مرتبة متدنية في سلة المفاوضات، مما يعني أنه مرشح للتحول الى إحدى جوائز الترضية المحتملة.
إجتماعات مفتوحة بلا التزامات
كيفية بناء علاقة تعاون أمني بين الولايات المتحدة الأميركية ودمشق، هي الشغل الشاغل للطرفين. من الأمن والى الأمن تعود العلاقات السياسية بين واشنطن ودمشق.
انه فريدريك هوف الذي كما يبدو المكلف من الادارة الأوبامية بالملف السوري، يكاد يكون الغطاء السياسي للوفد الأمني الكبير والخطير الذي ما زال في دمشق بعد أن أمضى عطلة الأسبوع فيها، يجري المباحثات على أعلى المستويات.
الاجتماعات كانت مفتوحة، ومن دون التزامات من الطرفين، ما يعني ان كل الملفات والاحتمالات قد وضعت على الطاولة، ترجمة ذلك عملياً انه تم اسقاط كل الخطوط الحمر وكل الممنوعات وحتى المحرمات. لقد اصبحت من الماضي.
المباحثات جرت بين الوفد الأميركي من القيادة المركزية الوسطى برئاسة الجنرال مايكل مولر وستة عسكريين وأمنيين من وزارتي الخارجية والدفاع، ووفد سوري رفيع بانتظار وصول المبعوث الرئاسي فريدريك ميتشل الذي عادة يلتقي الرئيس بشار الاسد.
العراق هو نقطة الانطلاق في المباحثات التي بدأت مسارها في حزيران الماضي مع فريدريك ميتشل. الملفات التي جرى التباحث حولها حسب مصدر أميركي من دمشق (اي ان تسريبها جرى بموافقة من دمشق) هي بالترتيب:
[ العراق، حيث أراد الوفد الأميركي الاستماع من الجانب السوري الى رؤيته لكيفية دعم تحقيق الاستقرار الأمني في العراق. ما يهم واشنطن حالياً، هو كيفية ضمان تنفيذ تعهدها بالانسحاب من العراق في نهاية العام 2011، دون أن يبقى خنجراً في خاصرتها، اذ تكفيها أفغانستان التي تتحول يوماً بعد يوم فيتنام جديدة. دمشق قادرة على لعب دور مهم في عملية ضمان هذا الأمن في العراق. لا شك ان لكل شيء ثمنه. المقايضة من كيس الآخرين اختصاص متقدم لدمشق على الجميع. السؤال هل واشنطن قادرة أو تستطيع تحمّل دفع الثمن الذي تطالب به دمشق؟.
[ الملف الايراني، واشنطن تريد أن تعرف الى أي مدى تستطيع دمشق الوصول اليه في عملية خفض حجم تحالفها مع طهران، مسألة الطلاق يمكن انتظارها. مفاعيل سقوط جسور الثقة تدريجاً، كفيل به الوقت ومفاعيل انجازات معينة قد لا تكون مرئية من الجميع.
الخبرة السورية بالإرهاب
لا شك في ان مثل هذه المباحثات الواسعة والعميقة التي اطارها الرسمي المعلن، بحث سبل تعزيز الأمن الاقليمي بين دمشق وواشنطن بعيداً من أعين وسمع طهران ـ الغارقة في الأزمة الداخلية التي تتعمق يومياً ـ لا بد أن يثير حساسية طهران ويجعلها تزداد حذراً من تحركات دمشق. تأجيل زيارة الرئيس بشار الأسد الى طهران اعلامياً لأنه لم تجرِ العادة تحديد مواعيد محددة للزيارات يؤكد ان المياه تمر تحت جسور الثقة بين العاصمتين. كشف خطة الاسد في العودة الى دمشق عبر باريس مع السجينة الفرنسية كلوتيلد رايس، لا بد اثار ضيق طهران خصوصاً ان احمدي نجاد تكفيه المتاعب الغارق فيها، ثم ان الايرانيين لا يحبون ابداً ان يتولى احد ولو كان حليفهم، المقايضة من كيسهم لحسابه الخاص، خصوصاً ان المعركة مفتوحة بين طهران وباريس وهي مازالت في بداياتها وفي ادق الاوقات واصعبها.
[ ملف الارهاب، وهو من اكثر الملفات حساسية. الخبرة السورية في التعامل مع هذا الملف لم تعد موضع بحث او شك، من المغرب العربي الى العراق. الاميركيون يعرفون حجم الخبرة السورية ودقة معرفتهم بالكثير من خفايا هذا الملف. طبعاً يجب عدم الذهاب بعيداً في مسار الرؤية الاميركية حول ما يعني العراق، لانهم يخلطون عن قصد بين الارهاب الزرقاوي مثلاً والمقاومة.
[ عملية السلام، وهي اكثر الملفات تعقيداً، علماً ان الادارة الاوبامية تضع ثقلها حالياً لتحريك هذه العملية عبر تحريك المسارات الثلاثة: الفلسطيني والسوري واللبناني مع اسرائيل ووضعها بعد القيام بخطوات عملية تضع بعض الثقة بين العرب واسرائيل مثل وقف الاستيطان فترة محددة وتنفيذ التطبيع العربي مع اسرائيل، في مؤتمر دولي جامع.
في هذا الملف، لدمشق اطار لا تستطيع تجاوزه حتى اشعار آخر، وهو استعادة الجولان حتى خط الرابع من حزيران 1967، وتمسكها الكامل بالدور التركي الذي ترفضه اسرائيل بحجة انها تريد مفاوضات مباشرة، مع التأكيد على تحمل واشنطن ضمانات تنفيذ ما يتم الاتفاق عليه خلال المفاوضات.
من الواضح ان لبنان لم يتم رصده على طاولة المباحثات الأميركية ـ السورية. السؤال هل لأن واشنطن تعتبره خارج المفاوضات؟ أم لأن دمشق ترى أن البحث حول الملف اللبناني لم يعد من الضروري الإلحاح عليه خصوصاً أنه جزء لا يتجزأ من مسألة تعزيز الأمن الإقليمي. أي أنه جزء من نظام أمني إقليمي يجب الأخذ بالإعتبار رأي ومواقف دول أخرى معنية مباشرة بلبنان.
العلاقات الثنائية السورية ـ الأميركية، هي بلا شك الإطار العام لكل هذه المباحثات التي قد تتطلب جولات اخرى للتوصل الى اتفاقات نهائية. دمشق الممانعة، نجحت في التوصل الى ما أرادت دوماً تحقيقه وهو رفع رصيدها في الدوائر ـ الملفات مقدمة لرفع سقف مطالبها.
يبقى ماذا عن لبنان الذي يعيش على وقع تعطيل تشكيل الحكومة فيه لأن جزءاً منها يتوقف على شرط إنتهاء المباحثات؟ الاتفاق على نظام اقليمي جديد لم يتبلور بعد. وماذا عن تحصين لبنان في مواجهة تحوله جائزة من جوائز الترضية، في وقت فُتحت فيه سوق التنافس والتزاحم، حتى بين الحلفاء التاريخيين مثل دمشق وطهران وعواصم أخرى عربية وإقليمية، علماً أن الجائزة الكبرى أصبحت العراق؟

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00