سحق حركة حماس وذراعها العسكرية كتائب القسام، جماعة جند انصار الله بقوة السلاح، نجاح محكوم بالفشل. لا الجند انتهوا رغم خسائرهم الفادحة، ولا أفكارهم وايديولوجيتهم ماتت مع مقتل أميرهم الشيخ عبد اللطيف موسى. حماس أخذت غزة، وخسرت الباقي. اسماعيل هنيّة رئيس الحكومة المقالة، وجد في المؤامرات، حلاً للحال التي وصلت اليها حماس ومعها قطاع غزة. لم تعد مؤامرة واحدة تكفي ضد حماس بوجد مخططات ومؤامرات فلسطينية وعربية ودولية. أما عن مسؤولية حماس في استيلاء هذا التطرف الأكثر تطرفاً فإنه بقي غائباً ومغيباً.
سيوف الحق
بقايا جند انصار الله هددوا بالانتقام. من وسط ركام مسجد ابن تميمة ولدت منظمة سيوف الحق التي تبدو أكثر تطرفاً. بين الحالين يوجد أيضاً تنظيم جلجلت الذي يهدد بعملية كبيرة قبل الاعلان عن انضمامه الى تنظيم القاعدة.
التطرف دائماً يستولد تطرّفاً أكثر تطرفاً. مسؤولية حماس كبيرة في كل ذلك. الدعوة لإقامة الامارة في غزة لم تولد من فراغ. عبد اللطيف موسى ابن حماس قبل ولادتها. لقد اكتسب ثقافة التكفير في المجمع الاسلامي التابع لـحماس. يمكن الآن الحديث طويلاً عن انحرافه الايديولوجي لكن لا يمكن التنكر أبداً بأنه كان تلميذاً نجيباً للشيخ الشهيد أحمد ياسين.
أيضاً، خروج الجماعات السلفية الجهادية في فلسطين عن الهدوء، وتكذيب حماس والذهاب في ردها الى درجة التهديد، يؤكد أكثر مما سبق ان الحرب اصبحت مفتوحة، لا يمكن معرفة كيف ستنتهي. طلبنة غزة قائمة، واسقاطها مهمة صعبة جداً، إن لم تكن مستحيلة ضمن الشروط الايجابية الناتجة عن الحصار والبؤس والفقر ومحاولات أسلمة المجتمع الغزاوي بالقوة في اطار مراسيم لا حول ولا قوة للغزاويين بها.
حماس حركة اسلامية ولدت لمحاربة الاحتلال الاسرائيلي. نجحت في حالات كثيرة. كل انتصار حقق تمدداً، داخل المجتمع الغزاوي المحافظ. المشكلة ان المسار خضع أيضاً لشروط التطرف الذي تميزت به حماس، من صلب هذه الشروط المكملة لتحقيق انجازات ضد العدو الاسرائيلي:
[ ضرب الخصوم السياسيين. في مسألة فلسطين كان الخصم الكبير لـحماس حركة فتح، استثمرت الحركة سلبيات فتح ومنها الفساد والافساد وتحولها حزب السلطة الذي لا يهمه سوى اقتسام جبنة السلطة لتوجه لها ضربة قاسية، كسرت ظهرها في غزة لكنها لم تقتلها. استطاعت فتح لأنها حركة تحرير معتدلة وواقعية العمل على البدء في اصلاح ذاتها. نجاح مؤتمر فتح الأخير جزء من هذه العملية وليس كلها. أمام فتح الكثير من الجهود لإصلاح نفسها لكي تستحق التحول الى حزب السلطة على مثال جبهة التحرير الجزائرية وليس حزب أكلة جبنة السلطة.
[ضرب الخصوم الايديولوجيين، تبعاً لشروط المصالح السياسية. لم تقضِ حماس على الجهاد لأن في ذلك استعداء مباشراً لإيران. اكتفت بتحجيمها. حماس لم تستطع ضبط استيلاد الوحش الايديولوجي المتطرف لأشكال ومظاهر أكثر تطرفاً. كل ذلك بسبب سلوكها الايديولوجي المباشر.
لم يكف الغزاويين الفقر والدمار بعد ان تحرروا من الاحتلال الاسرائيلي قبل اربع سنوات، حتى جاء الحصار الايديولوجي الى درجة ان خوفاً حقيقياً من أسلمة غزة وتحويلها ما يشبه الامارة تجسد في قرارات مباشرة لتطبيق الشريعة في القطاع كله. وقد اثارت ممارسات مختلفة بينها قرار مجلس العدل الاعلى في غزة بفرض الحجاب داخل قاعات المحاكم قلقاً حقيقياً لدى مختلف شرائح الفلسطينيين. من ذلك القرار الذي اقره مجلس الوزراء الفلسطيني الذي يرأسه اسماعيل هنيّة تحت اسم: لائحة المحافظة على النظام العام والآداب في المجتمع, يحول القطاع من حالة الحصار الى واقع السجن الكبير لشعب غزة. ينص القرار:
على اعضاء الضابطة القضائية وفي اطار صيانة النظام العام والآداب في المجتمع، القيام باتباع الآتي:
الحيلولة دون وقوع المخالفات الآتية:
الاختلاط السافر المخالف للآداب العامة.
تشبه احد الجنسين بالآخر.
تشغيل الاجهزة الصوتية بالقرب من دور العبادة على نحو يشوش على المصلين.
حيازة او عرض، او بيع الصور، اوالكتب او المجلات او الاقراص المدمجة (CD)، او التسجيلات المرئية, او الصوتية المنافية للآداب العامة.
عرض الصور لمجسمة (المانيكان) او الخليعة او الشعارات والاعلانات التي تخدش الحياء العام.
استخدام الشارع العام او الطرقات لاقامة مجالس العزاء او التجمعات او الاحتفالات او اي استخدام آخر يعيق حركة المرور دون الحصول على ترخيص مسبق من الجهات المعنية.
استخدام الوسائل التكنولوجية الحديثة لترويع الآمنين وخدش الحياء العام.
جمع التبرعات في الاماكن العامة دون اذن من الجهات المختصة.
ممارسة الفرق الموسيقية لاي نشاط الا بعد الحصول على ترخيص من الجهات المختصة.
هذا غيض من فيض. هكذا قرار، تنفيذه استنسابياً يولّد الدعوات لقيام الامارة. خطر هذا الانحراف الايديولوجي كما تقول حماس نفسها، انه اصبخ خطرا عاما يهدد العالم الاسلامي. لم يعد خطرا محصورا بحركة او منظمة أو مجموعة. لم يعد ايضا محصورا بمذهب واحد. اصبح قائماً لدى الشيعة، مثلما هو موجود لدى السّنة. في ايران حيث الجمهورية الدعوة لقيام الامارة بدلا من الجمهورية كانت مستترة الآن تكاد تكون علنية تحت دعاوى مختلفة في اساسها الدعوة للعمل من اجل تسريع عودة ظهور الامام الغائب المهدي.
حركة حماس مطالبة الآن اكثر من السابق بعد ان ذاقت من نار تطرف الامارة ان تجد حلا سياسيا لما تواجهه، الخطوة الأولى تقديم حماس وفتح معاً تنازلات مؤلمة متبادلة، لإعادة وحدة القطاع والضفة. اكثر ما يؤكد ضرورة عملية التوحيد تلك، ان استحقاقات مصيرية تُطبخ حالياً، على الجميع مواجهتها.
سواء نجحت خطط اطلاق مسارات التسوية أم لم تنجح على الاقل، فإن الوحدة ضرورية ومصيرية حتى لا تنجح وتمرّ مؤامرات التطرّف ليبقى القرار النهائي لإسرائيل.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.